(صفحه340)
وإذ قد عرفت ذلك: فاعلم أنّ المركّبات الاعتباريّة إذا اشتملت على هيئةومادّة يمكن أن يؤخذ كلّ منهما في مقام الوضع لا بشرط، لا بمعنى لحاظهكذلك، فإنّه ينافي اللابشرطيّة، بل بمعنى عدم اللحاظ في مقام التسمية إلاّ للمادّةوالهيئة بعرضهما العريض، وذلك كالمخترعات من الصنايع المستحدثة، فإنّمخترعها بعد أن أحكمها من موادّ مختلفة وألّفها على هيئة خاصّة، وضع لهاسم الطيّارة أو السيّارة أو ما أشبههما، ولكن أخذ كلاًّ من موادّها وهيئاتها لبشرط، ولذا ترى أنّ تكامل الصنعة كثيراً ما يوجب تغييراً في موادّها أوتبديلاً في شأن من شؤون هيئتها، ومع ذلك يطلق عليها اسمها كما في السابق،وليس ذلك إلاّ لأخذ الهيئة والمادّة لا بشرط، أي عدم لحاظ مادّة وهيئةخاصّة فيها.
توضيح الكلام: أنّ المركّبات الاعتباريّة على قسمين: قسم يكون الملحوظفيه كثرة معيّنة، كالعشرة، فإنّها واحدة في قبال العشرين والثلاثين، لكنلوحظ فيها كثرة معيّنة، بحيث تنعدم بفقدان واحد منها، فلا يقال للتسعة:عشرة، وقسم آخر يكون فيه قوام الوجود الاعتباري بهيئته وصورتهالعرضيّة ولم يلحظ فيه كثرة معيّنة في ناحية المادّة، بحيث ما دام هيئتهوصورتها العرضيّة موجودة يطلق عليها اللفظ الموضوع، وإن تقلّل موادّها أوتكثّرت أو تبدّلت، وإن شئت قلت: إنّ الهيئة قد ابتلعت هذه الموادّ والأجزاء،وصارت مقصودة في اللحاظ، كما في مثال السيّارة بالنسبة إلى هيئتها القائمةبأجزائها، هذا حال المادّة.
وأمّا الهيئة فقد تلاحظ بنحو التعيّن، واُخرى بنحو اللابشرط مثل مادّتهبعرضها العريض كما مرّ.
ج1
والحاصل: أنّ المركّبات غير الحقيقيّة قد تؤخذ موادّها فانية في هيئاتهويقصر النظر إلى الهيئات، ومع ذلك تؤخذ الهيئة أيضاً لا بشرط، وذلك مثلالدار والسيّارة والبيت ونحوها التي يشار إليها بلفظ واحد إلى جامع عرضيبين أفرادها بعد فقدان الجامع الحقيقي المؤلّف من الجنس والفصل فيها،وبالجملة لا يمكن الإشارة إلى الجامع بينها إلاّ بعناوين عرضيّة، كالعبادةالخاصّة في الصلاة، والمركوب الخاصّ أو المسكن الخاصّ في مثل السيّارةوالدار والبيت، فإذن البيت بيت، سواء أخذ موادّه من الحجر والطين، أو منالجصّ والخزف، بني على هيئة المربّع أو المثلّث أو غيرهما، إذ الواضع وضعهذا اللفظ لهيئة مخصوصة تكون الموادّ فانية فيها، ومع ذلك لم يلحظ الهيئةأيضاً معيّنة من جميع الجهات.
إذا عرفت هذا، فنقول: إنّه لا منع عن القول بكون الصلاة وأضرابهموضوعة لنفس الهيئة اللابشرطيّة الموجودة في الفرائض والنوافل، قصرهوتمامها وما وجب على الصحيح والمريض بأقسامها، إلاّ بعض المراتب التي لتكون صلاة، كصلاة الغرقى.
والحاصل: أنّها وضعت لهيئة خاصّة مأخوذة على النحو اللابشرط فانيةفيها موادّها الخاصّة، من ذكر وقرآن وركوع وسجود، تصدق على الميسورمن كلّ واحد منها، وهيئتها صورة اتّصاليّة خاصّة حافظة لمادّتها، اُخذت لبشرط في بعض الجهات.
نعم، فرق بينها وبين ما تقدّم من الأمثلة، كالدار والسيّارة، حيث إنّه فيالمقام نحو تضييق في الموادّ من التكبير إلى التسليم، إلاّ أنّه مع ذلك التحديد لهعرض عريض، إذ كلّ واحد من أجزاء موادّها مثل الركوع والسجود جزء
(صفحه342)
بعرضه العريض، ولكنّ الغرض متوجّه إلى الهيئة الخضوعيّة التي تصدق علىفاقد الحمد والتشهّد وغيرهما من الأجزاء مع بقاء ما يحفظ به صورتها(1).
إنتهى كلامه«مدّ ظلّه».
نقد نظريّة الإمام«مدّ ظلّه» حول الجامع
ويمكن المناقشة فيه بأنّه كيف يمكن القول بعدم كون صلاة الغريق صلاةًوالالتزام بإعمال العناية والتجوّز في إطلاقها عليها؟!
على أنّ تصوير الجامع بهذه الكيفيّة لو تمّ لانطبق على مقالة الأعمّي كماعترف به نفسه«مدّ ظلّه».
التحقيق حول مسألة الجامع
والحقّ: أنّه لابدّ من تحقّق جامع في البين يتصوّره الشارع، لكن تصويرهوالعلم به بالنسبة إلينا ليس بلازم(2)، إذ لا يترتّب عليه غرض أصلاً، فإنّالغرض المذكور في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله إنّما هو إثبات قول الصحيحيوإبطال قول الأعمّي، حيث إنّ الصحيحي على زعمه يقدر على تصويرالجامع، بخلاف الأعمّي، فيعلم أنّ الموضوع له خصوص الصحيح.
وفيه أوّلاً: أنّ ما ذكره القائلون بالصحيح من تصوير الجامع أيضاً كانمخدوشاً كما عرفت.
- (1) تهذيب الاُصول 1: 106.
- (2) لا يخفى الفرق بين كلام الاُستاذ«مدّ ظلّه» وما تقدّم من المحقّق النائيني رحمهالله ، فإنّه قال بعدم لزوم تصويرالجامع حتّى بالنسبة إلى الشارع، بخلاف الاُستاذ، فإنّه«مدّ ظلّه» ذهب إلى لزوم تصويره بالنسبة إليه، إلاّ أنّهبالنسبة إلينا غير لازم. م ح ـ ى.
ج1
وثانياً: أنّ إثبات الحقيقة والموضوع له متوقّف على علائم الحقيقة، كالتبادروعدم صحّة السلب، ولا يمكن إثباتها من طريق تصوير الجامع، فلو تبادرالمعنى الصحيح علم وضع اللفظ له، سواء تمكّن الصحيحي من تصوير الجامعبين الأفراد الصحيحة أم لا.
نعم، لو تبادر الصحيح مثلاً لاستكشف منه بضميمة ما تقدّم من كونألفاظ العبادات مسانخة لأسماء الأجناس في عموميّة الوضع والموضوع له أنّبين الأفراد الصحيحة قدراً جامعاً تصوّره الشارع عند الوضع أو الاستعمال،فالجامع معلوم للشارع الواضع غير معلوم لنا، ولا ملزم لأن يكون معلوماً لنبحقيقته أو بآثاره وخواصّه.
إن قلت: كيف يمكن تبادر المعنى المجهول رأساً؟
قلت: بعض المفاهيم بيّنة واضحة لنا، ومع ذلك لا علم لنا بكنهها، كمفهومالوجود، فلا مانع من أن يكون مفهوم الصلاة أيضاً كذلك.
وبالجملة: تصوير الجامع غير مفيد في المقام، إذ الحقّ يدور مدار التبادرونحوه، فإن تبادر الصحيح ثبت قول الصحيحي وإن لم يتمكّن من تصويرالجامع وتمكّن الأعمّي منه، وإن تبادر الأعمّ ثبت قول الأعمّي وإن لم يقدرعلى تصوير الجامع وقدر الصحيحي عليه، فتصوير الجامع لا يفيد وعدمهأيضاً لا يضرّ.
نظريّة امتناع تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة
هذا، ولكن اُورد على الصحيحي باستحالة تصوير الجامع بين الأفرادالصحيحة، لأنّه لا يكاد يكون أمراً مركّباً، إذ كلّ ما فرض جامعاً مركّباً يمكنأن يكون صحيحاً وفاسداً، ولا أمراً بسيطاً، لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون هو
(صفحه344)
عنوان «المطلوب» أو ملزوماً مساوياً له، والأوّل غير معقول، لبداهة استحالةأخذ ما لا يتأتّى إلاّ من قبل الطلب في متعلّقه، مع لزوم الترادف بين لفظةالصلاة مثلاً والمطلوب، وعدم جريان البراءة مع الشكّ في أجزاء العباداتوشرائطها، لعدم الإجمال حينئذٍ في المأمور به، وإنّما الإجمال فيما يتحقّق به، وفيمثله لا مجال لها كما حقّق في محلّه(1)، مع أنّ المشهور القائلين بالصحيح قائلونبها في الشكّ فيها.
وبهذا الإشكال الأخير يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب أيضاً.
ولا يخفى أنّ هذا الإيراد لو تمّ لبطل قول الصحيحي، فلابدّ من القولبالأعمّ، إذ مع استحالة تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة لا مجال إلىالصحيح، لأنّ تصوير الجامع وإن لم يكن لازماً علينا، إلاّ أنّه لازم علىالشارع، لكونه واضعاً، ولا يمكن الوضع لمعنى بدون تصوّره، فلابدّ من إمكانتصويره.
كلام صاحب الكفاية في تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة
وأجاب المحقّق الخراساني رحمهالله عنه بأنّا نختار الشقّ الثالث، وهو أنّ الجامعأمر بسيط ملزوم لعنوان «المطلوب» ولا يرد عليه الإشكال، إذ ليس المقام منقبيل الشكّ في المحصّل، لأنّ الشكّ في المحصّل إنّما هو فيما إذا كان المأمور به أمرمسبّباً عن مركّب مردّد بين الأقلّ والأكثر، كالطهارة المسبّبة عن الغسلوالوضوء فيما إذا شكّ في أجزائهما على فرض كون الطهارة أمراً نفسانيّاً غيرهممتحصّلاً عنهما، وما نحن فيه ليس كذلك، لأنّ الجامع موجود بعين وجود
- (1) وبعبارة اُخرى: لو كان الجامع عنوان «المطلوب» لكان المقام من قبيل الشكّ في المحصّل، ولا تجريالبراءة فيه كما حقّق في محلّه. م ح ـ ى.