ج1
الأخبار تخصيصاً أو تخصّصاً، وإذا دار الأمر بينهما فالتخصّص أولى منالتخصيص، لعدم انثلام أصالة العموم معه، بخلاف التخصيص.
وفيه: أنّ أصالة العموم وتقدّم التخصّص على التخصيص إنّما هو فيما إذا شكّفي المراد، كما إذا قال: «أكرم كلّ عالم» ثمّ قال: «لا تكرم زيداً» ولم نعلم أنّه أرادبه زيداً العالم الذي هو ابن عمرو مثلاً، أو زيداً الجاهل الذي هو ابن بكر،بخلاف ما إذا تبيّن المراد وجهل أمر آخر غيره، كما إذا كان المسمّى بزيدشخصاً واحداً في المثال، لكن لم يعلم أنّه عالم أو جاهل، فإنّ أصالة العموم لتجري عند العقلاء لإثبات كونه جاهلاً، بل لو كان جريانها فيه مشكوكاً لكفىفي منع تقدّم التخصّص على التخصيص، والمقام من قبيل هذا الفرض الثاني،فإنّ مراد الشارع معلوم، وهو أنّ الصلاة الفاسدة لا تكون معراج المؤمن،ولكنّ الشكّ في أنّها هل تسمّى باسم الصلاة حقيقةً أم لا؟
على أنّ استدلال الصحيحي بهذه الأخبار سواء كان بالتقريب الأوّل أوالثاني مستلزم لعدم كون الصلاة صلاةً حقيقةً فيما إذا فقدت الشرائط غيرالشرعيّة(1)، كقصد القربة، وعدم الابتلاء بالمزاحم الأقوى، كما إذا فقدت بعضالأجزاء أو الشرائط الشرعيّة، مع أنّ الصحيحي لا يلتزم بذلك، لما عرفت منأنّ محلّ النزاع بينه وبين الأعمّي إنّما هو الصحّة من حيث الأجزاء وخصوصالشرائط الشرعيّة، وأمّا سائر الشرائط فلا دخل لها في المسمّى والموضوع لهبلا خلاف وإشكال.
فإن قلت: الصلاة الفاقدة لبعض الشرائط غير الشرعيّة وإن لم تكن علّةتامّة لترتّب الآثار الواردة في الروايات إلاّ أنّها مقتضية له، فإنّها لو انضمّ إليه
- (1) لعدم ترتّب الآثار الواردة في هذه الأخبار عليها. م ح ـ ى.
(صفحه360)
ذلك البعض من الشرائط لكانت معراج المؤمن مثلاً، فتشملها الأخبار.
قلت: لو كان الاقتضاء مراداً في الأخبار دون العلّيّة التامّة لعمّت الصلاةالفاقدة لبعض الأجزاء والشرائط الشرعيّة أيضاً، فإنّها أيضاً مقتضية للآثار،فلا مجال للاستدلال بها للصحيحي.
2ـ الأخبار الظاهرة في نفي ماهيّة الصلاة وحقيقتها بمجرّد فقد ما يعتبر فيالصحّة شطراً أو شرطاً، كقوله عليهالسلام : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(1) و«لا صلاةإلاّ بطهور»(2) وإرادة نفي الصحّة بحيث كان المعنى «لا صلاة صحيحة إلاّ بفاتحةالكتاب» خلاف الظاهر لا يصار إليه مع عدم نصب قرينة عليه، فإنّ الأصلعدم التقدير.
لا يقال: لا ريب في أنّ المراد بمثل قوله عليهالسلام : «لا صلاة لجار المسجد إلاّ فيالمسجد»(3) نفي الكمال، بتقدير كلمة «كاملة» فيقدّر في المقام أيضاً كلمة«صحيحة»، لاتّحاد سياقيهما، إلاّ أنّ المناسب هناك تقدير صفة «الكمال» وهنتقدير صفة «الصحّة».
فإنّه يقال: يمكن دعوى استعماله في نفي الحقيقة في كليهما، لكن نفي الحقيقةفي مثل «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» بنحو الحقيقة، وفي مثل «لا صلاة لجارالمسجد إلاّ في المسجد» بنحو من الادّعاء والعناية، وإلاّ لما دلّ على المبالغة(4).
هذا حاصل تقريب المحقّق الخراساني رحمهالله للاستدلال بهذا النوع منالروايات.
- (1) مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، الباب 1 من أبواب القرائة في الصلاة، الحديث 5.
- (2) وسائل الشيعة 1: 366، كتاب الطهارة، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 6.
- (3) وسائل الشيعة 5: 194، كتاب الصلاة، الباب 2 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1.
ج1
وفيه: أنّ نفي الحقيقة في الرواية الاُولى أيضاً يمكن أن يكون ادّعاءً، ولدليل على كونه بنحو الحقيقة.
فإن قلت: المحتاج إلى الدليل والقرينة إنّما هو المجاز، وأمّا الحقيقة فيكفيلإثباتها عدم الدليل على العناية والمجاز، لجريان أصالة الحقيقة حينئذٍ.
قلت: أصالة الحقيقة إنّما تجري عند الشكّ في المراد، والمراد في المقام معلوم،إذ دخالة فاتحة الكتاب والطهور في صحّة الصلاة متّفق عليها، وإنّما الشكّوالاختلاف في أمر آخر، وهو أنّ المسمّى بالصلاة هل هو الصلاة الصحيحة أوالأعمّ؟
وبالجملة: لا دليل على كون نفي الحقيقة في هذه الروايات بنحو الحقيقة،فلايتمّ استدلال الصحيحي بها.
في الاستدلال بحكمة الوضع على القول بالصحيح
ومنها: دعوى القطع بأنّ طريقة الواضعين وضع الألفاظ للمركّبات التامّة،لأنّه قضيّة الحكمة الداعية إلى الوضع، فإنّ حكمة الوضع هي الحاجة إلىاستعمال الألفاظ عند تفهيم المقاصد، وهذا كثيراً ما يجري في المركّبات التامّةوالمعاني الصحيحة التي تترتّب عليها الآثار المترقّبة منها، وأمّا الناقص الذيلا يترتّب عليه الأثر فالحاجة وإن دعت أحياناً إلى استعمال اللفظ فيه أيضاً،إلاّ أنّه ليس على حدّ دعا إلى إدخاله في الموضوع له، بل يكفي الإحالة إلىالاستعمالات المجازيّة في تلك الموارد القليلة. والظاهر أنّ الشارع غير متخطّئعن هذه الطريقة(1).
(صفحه362)
وفيه أوّلاً: منع هذه الدعوى في المركّبات المخترعة العقلائيّة، فإنّ لفظالسيّارة مثلاً وضعت للمركوب المخصوص، والوجدان قاضٍ بأنّها تطلق عليهحقيقةً وبلا عناية إذا تمّت أركانه، وإن فقد بعض أجزائه الغير المهمّة، بل قدتطلق عليه كذلك أيضاً فيما إذا فقد بعض أجزائه المهمّة، ألا ترى أنّك تعبّر عنالسيّارة الفاقدة للمحرّكة بـ «السيّارة»، ولو عبّرت عنها بـ «ما كان سيّارة»لضحكت عليك الثكلى.
ونحن لا نسلّم أنّ الحاجة إلى استعمال اللفظ في الصحيح والتامّ أكثر منالفاسد والناقص، بل الأمر بالعكس، فحكمة الوضع تقتضي وضعها للأعمّ للخصوص الصحيح.
وثانياً: سلّمنا أنّ طريقة العقلاء وضع الألفاظ للمركّبات التامّة، لكن نمنععدم تخطّي الشارع عن هذه الطريقة باعتراف الخصم، فإنّ محلّ النزاع كما مرّمراراً لا يعمّ الشرائط غير الشرعيّة، مثل قصد القربة وعدم الابتلاء بالمزاحمالأقوى، فالصحيحي أيضاً قائل بكون ألفاظ العبادات موضوعة لمجموعالأجزاء والشرائط الشرعيّة، من دون أن يكون سائر الشرائط دخيلةً فيالمسمّى والموضوع له، فلازم قول الصحيحي أيضاً تخطّي الشارع عن طريقةالعقلاء في الوضع.
هذا تمام الكلام في أدلّة الصحيحي والمناقشة فيها.
ج1