تقريب الاستدلال به أنّه مشتمل على جملتين: المستثنى، وهو «تعاد الصلاةمن هذه الخمسة»، والمستثنى منه، وهو «لا تعاد الصلاة من غير هذهالخمسة»، ولا يمكن حمل كلمة «الصلاة» في المستثنى على خصوص الصحيحمنها، ولا على خصوص الفاسد، أمّا الأوّل فلعدم وجوب إعادة الصلاةالصحيحة قطعاً، فكيف يقال: «تعاد الصلاة الصحيحة»، وأمّا الثاني فلأنّ كلمةالإعادة ظاهرة في كون المأتيّ به ثانياً مثل المأتيّ به أوّلاً بلا زيادة ولا نقيصة،ولا يعقل أن يُقال: «تعاد الصلاة الفاسدة»، أي: يؤتى بها فاسدةً مرّةً ثانية،فلابدّ من أن يراد بها الجامع بين الصحيح والفاسد، وإذا كان المراد هو الجامعفي ناحية المستثنى فكذلك في ناحية المستثنى منه، لوحدة السياق.
والحاصل: أنّ كلمة الصلاة في قاعدة «لا تعاد» استعملت في القدر الجامعبين الصحيح والفاسد، واُسند إليه الإعادة في المستثنى وعدمها في المستثنى منه.
إن قلت: الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز، فلعلّ كلمة الصلاة وضعتلخصوص الصحيحة، واستعملت في هذا الخبر في القدر الجامع بينها وبينالفاسدة مجازاً.
قلت: باب المجاز وإن كان واسعاً، إلاّ أنّه يختصّ بالخطابة ونحوها، وأمّا فيمقام جعل القانون وبيان القاعدة التي تعيّن وظيفة آحاد المسلمين وتكونمرجعاً لجميع الفقهاء إلى يوم القيامة، كما في المقام، فلا تجوز الاستعمالاتالمجازيّة.
بل قال كثير من أكابر الفقهاء بعدم جوازها في صيغ العقود ولاسيّما النكاح،فضلاً عن هذه القاعدة التي تكون مرجعاً لجميع الفقهاء في كثير من أبوابالصلاة.
فإن قلت: لم يستعمل لفظ الصلاة إلاّ في صدر الخبر، وهو قوله عليهالسلام : «لتعاد الصلاة» ولا منع في إرادة خصوص الصحيح منها، لأنّ الإشكال إنّما كانفي إسناد الإعادة إلى الصلاة الصحيحة لا في إسناد عدم الإعادة إليها.
وأمّا ذيله، أعني قوله عليهالسلام : «إلاّ من خمسة» فهو وإن كان بمعنى «تعاد الصلاةمن هذه الاُمور الخمسة» إلاّ أنّه توضيح قوله: «إلاّ من خمسة» لا معناهاللفظي.
وبالجملة: ليس لنا في هذا الخبر من جهة الاستعمال إلاّ جملة واحدة، وهي«لا تعاد الصلاة»، وأمّا «تعاد الصلاة من هذه الاُمور الخمسة» فهي جملةتوضيحيّة، والبحث إنّما هو في الجمل اللفظيّة.
ولأجل ذلك ينتفي مسألة وحدة السّياق، لاختصاصها بما إذا كان لنجملتان في مقام اللفظ والاستعمال، وأمّا إذا لم يكن الأمر كذلك فوحدة السياقمنتفية حتّى في مورد العطف بالواو، فإن قيل: «قام زيد وقام عمرو» كان القيامفي كليهما بمعنى واحد، لوحدة السياق، وأمّا لو قيل: «قام زيد وعمرو» يمكنأن يكون القيام في أحدهما ما يقابل القعود، وفي الآخر الثورة والنهضة الإلهيّة،لانتفاء وحدة السياق هاهنا.
والحاصل: أنّ وحدة السياق إذا كانت منتفية في مثل العطف بالواو ففي مثلحديث «لا تعاد» بطريق أولى.
قلت: أوّلاً: لا نسلّم الفرق المذكور بين «قام زيد وقام عمرو» وبين «قام
ج1
زيد وعمرو» بل وحدة السياق والمعنى في الثاني أوضح من الأوّل عرفاً.
وثانياً: أنّ حديث «لا تعاد» من قبيل الحصر بالنفي والاستثناء الذي هومن أهمّ أداة الحصر، ولا خلاف في أنّه مشتمل على حكمين مختلفين فيالإثبات والنفي إمّا منطوقيّين، أو أحدهما منطوقيّ، والآخر مفهوميّ علىالاختلاف في ذلك.
وبعبارة اُخرى: إنّهم وإن اختلفوا في تحقّق المفهوم لمثل الشرط والوصف،إلاّ أنّهم اتّفقوا على أنّ الحصر بالنفي والاستثناء إمّا ذو منطوقين أو له منطوقومفهوم، ولا ريب في أنّ المفهوم جملة مربوطة بالمتكلّم كالمنطوق، فالمقام منقبيل «قام زيد وقام عمرو» لا من قبيل «قام زيد وعمرو».
والحاصل: أنّ الإمام عليهالسلام بصدد بيان جملتين في حديث «لا تعاد» إحداهما:«لا تعاد الصلاة من غير الاُمور الخمسة» والثانية: «تعاد الصلاة منها»، وإذكان معنى الصلاة في الجملة الثانية القدر الجامع بين الصحيح والفاسد، كانكذلك في الجملة الاُولى أيضاً لوحدة السياق، فتمّ استدلال الأعمّي بهذالحديث.
4ـ استعمال الصلاة وغيرها في غير واحد من الأخبار في الفاسدة،كقوله عليهالسلام : «بني الإسلام على الخمس: الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية،ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بالأربع وتركوا هذه، فلوأنّ أحداً صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة»(1).
فإنّ المراد من «الناس» أهل السنّة، والأخذ بالأربع لا يكون بناءً على م
- (1) ما وجدت حديثاً بهذه الكيفيّة، ولعلّ صاحب الكفاية قدسسره أخذ مضمون ذيل ما روي عن زرارة ووصلهبالحديث المرويّ عن فضيل بن يسار. راجع الكافي 2: 18 و 19، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائمالإسلام، الحديث 3 و 5.