(صفحه368)
هو الحقّ من بطلان عبادات تاركي الولاية، إلاّ إذا كانت أسامي للأعمّ، وأيضلو كانت موضوعة لخصوص الصحيحة وكان المراد بقوله: «صام نهاره»الصوم الصحيح لتحقّق التناقض بينه وبين قوله: «لم يقبل له صوم ولا صلاة»،لأنّ المراد بعدم القبول عدم الصحّة.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بوجهين:
أ ـ أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة(1).
وفيه: أنّ الإمام عليهالسلام بصدد بيان عظمة الولاية، ولا عظمة لها لو كان المعنى:«فلو أنّ أحداً صام نهاره بصوم مجازي وقام ليله بصلاة مجازيّة ومات بغيرولاية لم يقبل له ذلك الصوم ولا تلك الصلاة»، بل عظمة الولاية إنّما هي فيما إذاُريد بهما الصوم والصلاة الحقيقيّان، فالاستعمال لا محالة تكون بنحو الحقيقة.
ب ـ أنّ المراد في الرواية هو خصوص الصحيح، بقرينة أنّ هذه الاُمور ممّبني عليها الإسلام، ولا ينافي ذلك بطلان عبادة منكري الولاية، إذ لعلّ أخذهمبها إنّما كان بحسب اعتقادهم، لا حقيقةً، وذلك لا يقتضي استعمالها في الفاسدأو الأعمّ، لكونها صحيحة باعتقادهم، وإن كانت فاسدة عندنا، ولا يكونالاختلاف في العقيدة دخيلاً في المسمّى، وإلاّ كان اختلاف الفتوى في الصحّةوالفساد بين علماء الشيعة أيضاً دخيلاً فيه، مع أنّه ليس كذلك قطعاً،والاستعمال في قوله عليهالسلام : «فلو أنّ أحداً صام نهاره إلخ» كان كذلك أيضاً، أياستعمل في الصحيح بحسب اعتقادهم(2).
وهذا جواب متين لا يمكن الذبّ عنه.
ومن الأخبار التي استعملت فيها لفظ الصلاة في الفاسدة قوله عليهالسلام : «دعي
ج1
الصلاة أيّام أقرائك»(1).
وللاستدلال به تقريبان:
أحدهما: أن يكون النهي مولويّاً، فتكون صلاة الحائض ذات حرمة نفسيّةومبغوضيّة ذاتيّة، وحيث إنّ المنهيّ عنه لابدّ من أن يكون مقدوراً فلا محالةاُريد من الصلاة في الخبر الأعمّ، لعدم قدرة الحائض على الصحيحة.
والجواب بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة(2)، مدفوع بما تقدّم من أنّالاستعمالات المجازيّة لا تناسب مقام التقنين.
نعم، يرد عليه أنّ إرادة الأعمّ المنطبق على الفاسد تستلزم حرمة الصلاةالفاسدة من غير جهة الحيض أيضاً على الحائض، كما لو صلّت في الظهر ثلاثركعات، ولم يقل أحد بحرمتها التكليفيّة عليها.
فلابدّ بناءً على كون النهي مولويّاً من أن يراد خصوص الصحيحة من غيرجهة الحيض، لا الفاسدة، ولا الأعمّ.
الثاني: أن يكون النهي للإرشاد إلى مانعيّة الحيض، أو شرطيّة الخلوّ عنهللصلاة، وهذا هو الظاهر دون المولويّة.
وتقريب الاستدلال على هذا كسابقه من أنّ متعلّق النهي لابدّ من أنيكون مقدوراً، إذ لا يختصّ ذلك بالنواهي المولويّة، بل يشمل النواهيالإرشاديّة أيضاً.
وبالجملة: لو قيل: «الحيض مانع عن الصلاة» أو «الخلوّ عنه شرط لها» لميتمكّن الأعمّي من الاستدلال به، بل كان دليلاً للصحيحي، ولكنّ النهي عنالصلاة يقتضي مقدوريّتها، وليست مقدورةً للحائض إلاّ إذا اُريد بها الأعمّ.
- (1) وسائل الشيعة 2: 287، كتاب الطهارة، الباب 7 من أبواب الحيض، الحديث 2.
(صفحه370)
وأمّا القول بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة فقد عرفت جوابه.
ولا يخفى عليك أنّ حرمة الصلاة على الحائض بناءً على إرشاديّة النهيتشريعيّة، بمعنى أنّها لا تشتمل على المفسدة والمبغوضيّة ذاتاً، لكنّ الإتيان بهونسبتها إلى الشارع تشريع محرّم، وأمّا بناءً على مولويّته فالحرمة ذاتيّة كما هوواضح.
والاستدلال بهذا التقريب الثاني المبنيّ على كون النهي إرشاداً إلى مانعيّةالحيض أو شرطيّة الخلوّ عنه للصلاة تامّ لا جواب عنه ظاهراً.
5ـ إنّه لا شبهة في صحّة تعلّق النذر وشبهه بترك الصلاة في مكان تكرهفيه، كالحمّام، فلو قال: «للّه عليَّ أن لا اُصلّي في الحمّام» انعقد النذر، ولا شبهةأيضاً في حصول الحنث بفعلها في ذلك المكان، فيجب عليه كفّارة حنث النذر،وكذا لا شبهة في فسادها إذا أتى بها فيه بعد النذر، لحرمتها الموجبة للفساد فيالعبادات، ولو كانت الصلاة المنذور تركها بقوله: «للّه عليَّ أن لا اُصلّي فيالحمّام» خصوص الصحيحة لا يكاد يحصل به الحنث، لفساد الصلاة المأتيّ بهكما عرفت.
بل يلزم من فرض انعقاد النذر المحال، لأنّ متعلّق النذر لابدّ من أن يكونمقدوراً فعله وتركه، ولو كان متعلّقه خصوص الصحيح منها يستلزم النذرعدم مقدوريّتها، لارتفاع القدرة على الصحيح منها بعد النذر، فينعدم النذربانعدام متعلّقه، وما يلزم من فرض وجوده عدمه محال.
وبالجملة: لابدّ من أن يريد الناذر بقوله: «للّه عليَّ أن لا اُصلّي في الحمّام»الصلاة بالمعنى الأعمّ، وإلاّ فلم يحصل الحنث بفعلها فيه، بل لم ينعقد النذر، معأنّ انعقاد هذا النذر وكذا تحقّق الحنث ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه.
ج1
وفيه: ـ مضافاً إلى أنّ هذا الاستدلال لو تمّ لم يدلّ إلاّ على استعمال الصلاةفي كلام الناذر في الأعمّ، والاستعمال أعمّ من الحقيقة، فلعلّه يكون بنحوالمجاز ـ أنّه لا خلاف ولا إشكال في عدم حصول الحنث فيما إذا صلّى صلاةالظهر مثلاً في الحمّام ثلاث ركعات، مع كونها من مصاديق الصلاة الفاسدة،وأمّا القول بأنّ المراد من الوضع للأعمّ، الوضع للأعمّ من الصحيح والفاسد منقبل النذر فقط، فلا إشكال في عدم حصول الحنث بإتيان صلاة الظهر فيالحمّام ثلاث ركعات، لأنّ فسادها مستند إلى نقصان ركعة لا إلى النذر، فهوممّا لم يتفوّه به أحد من القائلين بالأعمّ، بل يمكن القول بعدم صحّة تعلّق النذربالأعمّ من الصحيح والفاسد، لأنّ المرجوح إنّما هو الإتيان بالصلاة الصحيحةفي الحمّام، وأمّا الفاسدة ـ كالإتيان بالظهر ثلاث ركعات ـ فلا مرجوحيّة فيها،فلا ينعقد النذر بتركها.
على أنّه لا ينبغي الإشكال في صحّة النذر فيما إذا قال: «للّه عليَّ أن لا اُصلّيصلاة صحيحة في الحمّام»(1).
وكذا لا شبهة في حصول الحنث بإتيانها فيه بعد هذا النذر، مع أنّ ما ذكرمن المحذورين في الدليل يشمل هذا المثال أيضاً بلا إشكال، فما هو جوابكمعن ورود الإشكالين على هذا المثال هو بعينه جوابنا عن ورودهما على ذلكالمثال.
فلابدّ من تقريب صحّة هذا النذر بحيث يرتفع الإشكال من الأساس.
ولقد أجاد في ذلك الأعلام الثلاث: المحقّق الحائري اليزدي، والمحقّق
- (1) بل لا يصحّ إلاّ هذا النحو من النذر، لما عرفت من عدم مرجوحيّة الإتيان بالصلاة الفاسدة في الحمّام كييصحّ تعلّق النذر بترك الأعمّ منها ومن الصحيحة، بل المرجوح إنّما هو الإتيان بالصلاة الصحيحة فيه، فليصحّ النذر إلاّ إذا تعلّق بتركها. منه مدّ ظلّه.
(صفحه372)
العراقي رحمهماالله ، وسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه».
وحاصل كلامهم مع توضيح منّا: أنّ العبادة المأمور بها هي عنوان الصلاة،وتركها لا يكون متعلّق النذر، فإنّ النذر إنّما تعلّق بما هو مكروه، والصلاة بمهي هي ليست بمكروهة، وإنّما المكروه الذي تعلّق النذر بتركه حيثيّة وقوعهفي الحمّام.
وبالجملة: متعلّق الأمر والنهي مختلف، فإنّ الأمر تعلّق بالصلاة، والنهيتعلّق بتحيّثها بحيثيّة وقوعها في الحمّام وتأيّنها بأينيّة وقوعها فيه، والتكليفالمتعلّق بعنوان لا يمكن أن يتجاوز عنه ويسري إلى عنوان آخر، أو إلىالأفراد والخصوصيّات، فإذا نذر أن لا يصلّي في الحمّام لا تصير الصلاة محرّمة،بل هي واجبة فقط، والمحرّم إنّما هو تأيّنها بأينيّة وقوعها في الحمّام، لأنّه إنّما هوكان مكروهاً قبل النذر، والعنوانان وإن اتّحدا خارجاً، إلاّ أنّ الأمر والنهي ليسريان إلى الأفراد كما مرّ آنفاً، فإذا صلّى في الحمّام بعد النذر وقعت صحيحة،لعدم كونها إلاّ واجبة، والحرمة ـ لو سلّمت(1) ـ إنّما تعلّقت بعنوان آخر، وهوتحيّث الصلاة بحيثيّة وقوعها في الحمّام، فلم يتعلّق النهي بالعبادة حتّى يدّعىكونه موجباً لفسادها(2).
هذا حاصل كلام الأعلام الثلاث.
وهنا نكتة اُخرى استفدناها من كلام سيّدنا الاُستاذ الإمام«مدّ ظلّه» في بعضمباحثه، وإن لم يذكرها هنا، وهي أنّ التكليف المتوجّه إليه بسبب النذر إنّما هو«وجوب الوفاء بالنذر»، وأمّا حرمة مخالفة النذر فليست في دليل شرعي
- (1) إشارة إلى ما سيأتي من عدم تحقّق الحرمة في المقام أصلاً. م ح ـ ى.
- (2) نهاية الأفكار 1 و 2: 93، وتهذيب الاُصول 1: 121.