(صفحه366)
بل قال كثير من أكابر الفقهاء بعدم جوازها في صيغ العقود ولاسيّما النكاح،فضلاً عن هذه القاعدة التي تكون مرجعاً لجميع الفقهاء في كثير من أبوابالصلاة.
فإن قلت: لم يستعمل لفظ الصلاة إلاّ في صدر الخبر، وهو قوله عليهالسلام : «لتعاد الصلاة» ولا منع في إرادة خصوص الصحيح منها، لأنّ الإشكال إنّما كانفي إسناد الإعادة إلى الصلاة الصحيحة لا في إسناد عدم الإعادة إليها.
وأمّا ذيله، أعني قوله عليهالسلام : «إلاّ من خمسة» فهو وإن كان بمعنى «تعاد الصلاةمن هذه الاُمور الخمسة» إلاّ أنّه توضيح قوله: «إلاّ من خمسة» لا معناهاللفظي.
وبالجملة: ليس لنا في هذا الخبر من جهة الاستعمال إلاّ جملة واحدة، وهي«لا تعاد الصلاة»، وأمّا «تعاد الصلاة من هذه الاُمور الخمسة» فهي جملةتوضيحيّة، والبحث إنّما هو في الجمل اللفظيّة.
ولأجل ذلك ينتفي مسألة وحدة السّياق، لاختصاصها بما إذا كان لنجملتان في مقام اللفظ والاستعمال، وأمّا إذا لم يكن الأمر كذلك فوحدة السياقمنتفية حتّى في مورد العطف بالواو، فإن قيل: «قام زيد وقام عمرو» كان القيامفي كليهما بمعنى واحد، لوحدة السياق، وأمّا لو قيل: «قام زيد وعمرو» يمكنأن يكون القيام في أحدهما ما يقابل القعود، وفي الآخر الثورة والنهضة الإلهيّة،لانتفاء وحدة السياق هاهنا.
والحاصل: أنّ وحدة السياق إذا كانت منتفية في مثل العطف بالواو ففي مثلحديث «لا تعاد» بطريق أولى.
قلت: أوّلاً: لا نسلّم الفرق المذكور بين «قام زيد وقام عمرو» وبين «قام
ج1
زيد وعمرو» بل وحدة السياق والمعنى في الثاني أوضح من الأوّل عرفاً.
وثانياً: أنّ حديث «لا تعاد» من قبيل الحصر بالنفي والاستثناء الذي هومن أهمّ أداة الحصر، ولا خلاف في أنّه مشتمل على حكمين مختلفين فيالإثبات والنفي إمّا منطوقيّين، أو أحدهما منطوقيّ، والآخر مفهوميّ علىالاختلاف في ذلك.
وبعبارة اُخرى: إنّهم وإن اختلفوا في تحقّق المفهوم لمثل الشرط والوصف،إلاّ أنّهم اتّفقوا على أنّ الحصر بالنفي والاستثناء إمّا ذو منطوقين أو له منطوقومفهوم، ولا ريب في أنّ المفهوم جملة مربوطة بالمتكلّم كالمنطوق، فالمقام منقبيل «قام زيد وقام عمرو» لا من قبيل «قام زيد وعمرو».
والحاصل: أنّ الإمام عليهالسلام بصدد بيان جملتين في حديث «لا تعاد» إحداهما:«لا تعاد الصلاة من غير الاُمور الخمسة» والثانية: «تعاد الصلاة منها»، وإذكان معنى الصلاة في الجملة الثانية القدر الجامع بين الصحيح والفاسد، كانكذلك في الجملة الاُولى أيضاً لوحدة السياق، فتمّ استدلال الأعمّي بهذالحديث.
4ـ استعمال الصلاة وغيرها في غير واحد من الأخبار في الفاسدة،كقوله عليهالسلام : «بني الإسلام على الخمس: الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية،ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بالأربع وتركوا هذه، فلوأنّ أحداً صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة»(1).
فإنّ المراد من «الناس» أهل السنّة، والأخذ بالأربع لا يكون بناءً على م
- (1) ما وجدت حديثاً بهذه الكيفيّة، ولعلّ صاحب الكفاية قدسسره أخذ مضمون ذيل ما روي عن زرارة ووصلهبالحديث المرويّ عن فضيل بن يسار. راجع الكافي 2: 18 و 19، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائمالإسلام، الحديث 3 و 5.
(صفحه368)
هو الحقّ من بطلان عبادات تاركي الولاية، إلاّ إذا كانت أسامي للأعمّ، وأيضلو كانت موضوعة لخصوص الصحيحة وكان المراد بقوله: «صام نهاره»الصوم الصحيح لتحقّق التناقض بينه وبين قوله: «لم يقبل له صوم ولا صلاة»،لأنّ المراد بعدم القبول عدم الصحّة.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بوجهين:
أ ـ أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة(1).
وفيه: أنّ الإمام عليهالسلام بصدد بيان عظمة الولاية، ولا عظمة لها لو كان المعنى:«فلو أنّ أحداً صام نهاره بصوم مجازي وقام ليله بصلاة مجازيّة ومات بغيرولاية لم يقبل له ذلك الصوم ولا تلك الصلاة»، بل عظمة الولاية إنّما هي فيما إذاُريد بهما الصوم والصلاة الحقيقيّان، فالاستعمال لا محالة تكون بنحو الحقيقة.
ب ـ أنّ المراد في الرواية هو خصوص الصحيح، بقرينة أنّ هذه الاُمور ممّبني عليها الإسلام، ولا ينافي ذلك بطلان عبادة منكري الولاية، إذ لعلّ أخذهمبها إنّما كان بحسب اعتقادهم، لا حقيقةً، وذلك لا يقتضي استعمالها في الفاسدأو الأعمّ، لكونها صحيحة باعتقادهم، وإن كانت فاسدة عندنا، ولا يكونالاختلاف في العقيدة دخيلاً في المسمّى، وإلاّ كان اختلاف الفتوى في الصحّةوالفساد بين علماء الشيعة أيضاً دخيلاً فيه، مع أنّه ليس كذلك قطعاً،والاستعمال في قوله عليهالسلام : «فلو أنّ أحداً صام نهاره إلخ» كان كذلك أيضاً، أياستعمل في الصحيح بحسب اعتقادهم(2).
وهذا جواب متين لا يمكن الذبّ عنه.
ومن الأخبار التي استعملت فيها لفظ الصلاة في الفاسدة قوله عليهالسلام : «دعي
ج1
الصلاة أيّام أقرائك»(1).
وللاستدلال به تقريبان:
أحدهما: أن يكون النهي مولويّاً، فتكون صلاة الحائض ذات حرمة نفسيّةومبغوضيّة ذاتيّة، وحيث إنّ المنهيّ عنه لابدّ من أن يكون مقدوراً فلا محالةاُريد من الصلاة في الخبر الأعمّ، لعدم قدرة الحائض على الصحيحة.
والجواب بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة(2)، مدفوع بما تقدّم من أنّالاستعمالات المجازيّة لا تناسب مقام التقنين.
نعم، يرد عليه أنّ إرادة الأعمّ المنطبق على الفاسد تستلزم حرمة الصلاةالفاسدة من غير جهة الحيض أيضاً على الحائض، كما لو صلّت في الظهر ثلاثركعات، ولم يقل أحد بحرمتها التكليفيّة عليها.
فلابدّ بناءً على كون النهي مولويّاً من أن يراد خصوص الصحيحة من غيرجهة الحيض، لا الفاسدة، ولا الأعمّ.
الثاني: أن يكون النهي للإرشاد إلى مانعيّة الحيض، أو شرطيّة الخلوّ عنهللصلاة، وهذا هو الظاهر دون المولويّة.
وتقريب الاستدلال على هذا كسابقه من أنّ متعلّق النهي لابدّ من أنيكون مقدوراً، إذ لا يختصّ ذلك بالنواهي المولويّة، بل يشمل النواهيالإرشاديّة أيضاً.
وبالجملة: لو قيل: «الحيض مانع عن الصلاة» أو «الخلوّ عنه شرط لها» لميتمكّن الأعمّي من الاستدلال به، بل كان دليلاً للصحيحي، ولكنّ النهي عنالصلاة يقتضي مقدوريّتها، وليست مقدورةً للحائض إلاّ إذا اُريد بها الأعمّ.
- (1) وسائل الشيعة 2: 287، كتاب الطهارة، الباب 7 من أبواب الحيض، الحديث 2.
(صفحه370)
وأمّا القول بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة فقد عرفت جوابه.
ولا يخفى عليك أنّ حرمة الصلاة على الحائض بناءً على إرشاديّة النهيتشريعيّة، بمعنى أنّها لا تشتمل على المفسدة والمبغوضيّة ذاتاً، لكنّ الإتيان بهونسبتها إلى الشارع تشريع محرّم، وأمّا بناءً على مولويّته فالحرمة ذاتيّة كما هوواضح.
والاستدلال بهذا التقريب الثاني المبنيّ على كون النهي إرشاداً إلى مانعيّةالحيض أو شرطيّة الخلوّ عنه للصلاة تامّ لا جواب عنه ظاهراً.
5ـ إنّه لا شبهة في صحّة تعلّق النذر وشبهه بترك الصلاة في مكان تكرهفيه، كالحمّام، فلو قال: «للّه عليَّ أن لا اُصلّي في الحمّام» انعقد النذر، ولا شبهةأيضاً في حصول الحنث بفعلها في ذلك المكان، فيجب عليه كفّارة حنث النذر،وكذا لا شبهة في فسادها إذا أتى بها فيه بعد النذر، لحرمتها الموجبة للفساد فيالعبادات، ولو كانت الصلاة المنذور تركها بقوله: «للّه عليَّ أن لا اُصلّي فيالحمّام» خصوص الصحيحة لا يكاد يحصل به الحنث، لفساد الصلاة المأتيّ بهكما عرفت.
بل يلزم من فرض انعقاد النذر المحال، لأنّ متعلّق النذر لابدّ من أن يكونمقدوراً فعله وتركه، ولو كان متعلّقه خصوص الصحيح منها يستلزم النذرعدم مقدوريّتها، لارتفاع القدرة على الصحيح منها بعد النذر، فينعدم النذربانعدام متعلّقه، وما يلزم من فرض وجوده عدمه محال.
وبالجملة: لابدّ من أن يريد الناذر بقوله: «للّه عليَّ أن لا اُصلّي في الحمّام»الصلاة بالمعنى الأعمّ، وإلاّ فلم يحصل الحنث بفعلها فيه، بل لم ينعقد النذر، معأنّ انعقاد هذا النذر وكذا تحقّق الحنث ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه.