العراقي رحمهماالله ، وسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه».
وبالجملة: متعلّق الأمر والنهي مختلف، فإنّ الأمر تعلّق بالصلاة، والنهيتعلّق بتحيّثها بحيثيّة وقوعها في الحمّام وتأيّنها بأينيّة وقوعها فيه، والتكليفالمتعلّق بعنوان لا يمكن أن يتجاوز عنه ويسري إلى عنوان آخر، أو إلىالأفراد والخصوصيّات، فإذا نذر أن لا يصلّي في الحمّام لا تصير الصلاة محرّمة،بل هي واجبة فقط، والمحرّم إنّما هو تأيّنها بأينيّة وقوعها في الحمّام، لأنّه إنّما هوكان مكروهاً قبل النذر، والعنوانان وإن اتّحدا خارجاً، إلاّ أنّ الأمر والنهي ليسريان إلى الأفراد كما مرّ آنفاً، فإذا صلّى في الحمّام بعد النذر وقعت صحيحة،لعدم كونها إلاّ واجبة، والحرمة ـ لو سلّمت(1) ـ إنّما تعلّقت بعنوان آخر، وهوتحيّث الصلاة بحيثيّة وقوعها في الحمّام، فلم يتعلّق النهي بالعبادة حتّى يدّعىكونه موجباً لفسادها(2).
هذا حاصل كلام الأعلام الثلاث.
أصلاً، ووجوب شيء لا يوجب حرمة تركه، وإلاّ استحقّ العاصي عقابينإثنين: أحدهما لترك الواجب، والثاني لفعل الحرام، وهو واضح الفساد.
توضيح ذلك: أنّ التكاليف المتوجّهة إلى المكلّف بعد النذر ثلاثة:
أ ـ وجوب الصلاة المستفاد من قوله تعالى: «أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِإِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»(1) وسائر الآيات والروايات، ومتعلّق هذا الحكم نفسعنوان الصلاة وإقامتها، ولا يسري إلى عنوان آخر، وإن كان في الخارجمتّحداً مع الصلاة، ولا إلى الخصوصيّات والأفراد.
ب ـ كراهة إيقاعها في الحمّام، ومتعلّقها إنّما هو حيثيّة وقوعها فيه لا نفسالصلاة وماهيّتها(2)، ومقابل هذه الحيثيّة حيثيّة وقوعها في مكان آخر، لا عدمالصلاة وتركها رأساً.
ج ـ وجوب الوفاء بالنذر، ومتعلّقه إنّما هو عنوان «الوفاء بالنذر» ولا يمكنأن يسري إلى عنوان آخر، أو إلى مصاديقه.
ومنه يعلم فساد ما قد يقال من أنّ الحجّ قد يجب بالنذر، وصلاة الليل قدتجب به، وهكذا، فإنّ صلاة الليل مثلاً مصداق من مصاديق عنوان «الوفاءبالنذر» الذي تعلّق به الوجوب، ولا يسري الحكم منه إلى مصداقه، فصلاةالليل بعد النذر باقية على استحبابها، وإنّما الواجب هو الوفاء بالنذر، ولوتركها يعاقب لأجل عدم امتثال «أوفوا بالنذور» لا لأجل ترك صلاة الليل.
ويمكن أن يبرهن عليه بأنّها لو صارت واجبةً بسبب النذر، فإن بقي
- (2) فيعلم منه فساد ما قيل من أنّ الكراهة في العبادات بمعنى أقلّيّة الثواب، فإنّ تحيّث الصلاة بحيثيّة وقوعهفي الحمّام وتأيّنها بأينيّة وقوعها فيه مبغوض واقعاً بمبغوضيّة غير ملزمة. منه مدّ ظلّه.
(صفحه374)
استحبابها السابق أيضاً لزم اجتماع الضدّين، ضرورة أنّ الأحكام الخمسةمتضادّة عند الفقهاء، وإن لم يبق لزم انتفاء الوجوب أيضاً، فإنّ منشأ انعقادالنذر إنّما هو رجحان صلاة الليل واستحبابها، فإذا انتفى انتفى ما هو ناشٍ عنهأيضاً.
فالحكم لا يمكن أن يسري من العنوان إلى المصاديق، فمثل التصدّق والحجّوصلاة الليل وترك الصلاة في الحمّام لا تصير بالنذر واجبة، بل الواجب هونفس عنوان «الوفاء بالنذر» وهذه الاُمور مصاديقه.
فإن قلت: الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ، فإذا وجب الوفاءبالنذر، حرم تركه.
قلت: أوّلاً: إنّه سيأتي بطلان القول بالاقتضاء في مسألة الضدّ.
وثانياً: إنّه لو سلّمنا حرمة ترك الوفاء بالنذر بمقتضى مسألة الضدّ فهو ليوجب في المقام حرمة الصلاة في الحمّام، لأنّ «ترك الوفاء بالنذر» عنوان مغايرلعنوان «الصلاة في الحمّام» وإن اتّحدا خارجاً، وقد عرفت أنّ الحكم لا يسريمن العنوان الذي تعلّق به إلى عنوان آخر متّحد معه في الخارج.
فإذا نذر أن لا يصلّي في الحمّام ثمّ صلّى فيه وقعت صلاته صحيحة، لعدمتعلّق حرمة بها، وعلى هذا لا إشكال في حصول الحنث به، ولا في انعقادالنذر، سواء قلنا بالصحيح أو الأعمّ.
والحاصل: أنّه لا يمكن للأعمّي الاستدلال بمسألة النذر، وإن كان مذهبههو الحقّ، لاستقامة بعض ما تقدّم من الأدلّة وبطلان جميع أدلّة الصحيحي، كمعرفت.
هذا تمام الكلام في ألفاظ العبادات.
ج1