ج1
أصلاً، ووجوب شيء لا يوجب حرمة تركه، وإلاّ استحقّ العاصي عقابينإثنين: أحدهما لترك الواجب، والثاني لفعل الحرام، وهو واضح الفساد.
توضيح ذلك: أنّ التكاليف المتوجّهة إلى المكلّف بعد النذر ثلاثة:
أ ـ وجوب الصلاة المستفاد من قوله تعالى: «أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِإِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»(1) وسائر الآيات والروايات، ومتعلّق هذا الحكم نفسعنوان الصلاة وإقامتها، ولا يسري إلى عنوان آخر، وإن كان في الخارجمتّحداً مع الصلاة، ولا إلى الخصوصيّات والأفراد.
ب ـ كراهة إيقاعها في الحمّام، ومتعلّقها إنّما هو حيثيّة وقوعها فيه لا نفسالصلاة وماهيّتها(2)، ومقابل هذه الحيثيّة حيثيّة وقوعها في مكان آخر، لا عدمالصلاة وتركها رأساً.
ج ـ وجوب الوفاء بالنذر، ومتعلّقه إنّما هو عنوان «الوفاء بالنذر» ولا يمكنأن يسري إلى عنوان آخر، أو إلى مصاديقه.
ومنه يعلم فساد ما قد يقال من أنّ الحجّ قد يجب بالنذر، وصلاة الليل قدتجب به، وهكذا، فإنّ صلاة الليل مثلاً مصداق من مصاديق عنوان «الوفاءبالنذر» الذي تعلّق به الوجوب، ولا يسري الحكم منه إلى مصداقه، فصلاةالليل بعد النذر باقية على استحبابها، وإنّما الواجب هو الوفاء بالنذر، ولوتركها يعاقب لأجل عدم امتثال «أوفوا بالنذور» لا لأجل ترك صلاة الليل.
ويمكن أن يبرهن عليه بأنّها لو صارت واجبةً بسبب النذر، فإن بقي
- (2) فيعلم منه فساد ما قيل من أنّ الكراهة في العبادات بمعنى أقلّيّة الثواب، فإنّ تحيّث الصلاة بحيثيّة وقوعهفي الحمّام وتأيّنها بأينيّة وقوعها فيه مبغوض واقعاً بمبغوضيّة غير ملزمة. منه مدّ ظلّه.
(صفحه374)
استحبابها السابق أيضاً لزم اجتماع الضدّين، ضرورة أنّ الأحكام الخمسةمتضادّة عند الفقهاء، وإن لم يبق لزم انتفاء الوجوب أيضاً، فإنّ منشأ انعقادالنذر إنّما هو رجحان صلاة الليل واستحبابها، فإذا انتفى انتفى ما هو ناشٍ عنهأيضاً.
فالحكم لا يمكن أن يسري من العنوان إلى المصاديق، فمثل التصدّق والحجّوصلاة الليل وترك الصلاة في الحمّام لا تصير بالنذر واجبة، بل الواجب هونفس عنوان «الوفاء بالنذر» وهذه الاُمور مصاديقه.
فإن قلت: الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ، فإذا وجب الوفاءبالنذر، حرم تركه.
قلت: أوّلاً: إنّه سيأتي بطلان القول بالاقتضاء في مسألة الضدّ.
وثانياً: إنّه لو سلّمنا حرمة ترك الوفاء بالنذر بمقتضى مسألة الضدّ فهو ليوجب في المقام حرمة الصلاة في الحمّام، لأنّ «ترك الوفاء بالنذر» عنوان مغايرلعنوان «الصلاة في الحمّام» وإن اتّحدا خارجاً، وقد عرفت أنّ الحكم لا يسريمن العنوان الذي تعلّق به إلى عنوان آخر متّحد معه في الخارج.
فإذا نذر أن لا يصلّي في الحمّام ثمّ صلّى فيه وقعت صلاته صحيحة، لعدمتعلّق حرمة بها، وعلى هذا لا إشكال في حصول الحنث به، ولا في انعقادالنذر، سواء قلنا بالصحيح أو الأعمّ.
والحاصل: أنّه لا يمكن للأعمّي الاستدلال بمسألة النذر، وإن كان مذهبههو الحقّ، لاستقامة بعض ما تقدّم من الأدلّة وبطلان جميع أدلّة الصحيحي، كمعرفت.
هذا تمام الكلام في ألفاظ العبادات.
ج1
(صفحه376)
في ألفاظ المعاملات
البحث حول ألفاظ المعاملات
وأمّا ألفاظ المعاملات فالحقّ ـ كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله ـ عدم جريانالبحث فيها إن كانت موضوعة للمسبّبات، لبساطتها أوّلاً، فلا تكون ذاتأجزاء وشرائط حتّى يكون لها قسم صحيح باعتبار وجود جميع الأجزاءوالشرائط، وقسم فاسد باعتبار فقدان بعضها، فأمر الملكيّة والزوجيّة مثلالمسبّبتين من عقد البيع والنكاح دائر بين الوجود والعدم، ولا يعقل أصلوجودهما ودوران أمرهما بين الصحّة والفساد، ولذا لو قيل: الملكيّة الصحيحةوالملكيّة الفاسدة لاستوحش الذهن عن هذا التعبير ولم يأنس به كما يشهد بهالوجدان، واعتباريّتها ثانياً، فهي موجودة شرعاً وعرفاً إن اعتبرها الشارعوالعقلاء، وعرفاً فقط إن اعتبرها العرف دون الشرع، وشرعاً فقط إن اعتبرهالشارع دون العقلاء، ومعدومة إن لم تعتبر أصلاً، لا من قبل الشارع ولا منقبل العقلاء.
فالإحلال والتحريم في آية «أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»(1) حكمانوضعيّان، أي أمضى اللّه البيع ونفّذه ولم يمض الرّبا ولم ينفّذه، لا حكمانتكليفيّان حتّى يكون الملكيّة متحقّقة في كليهما مع حرمة التصرّف في الملك
ج1
الحاصل بسبب المعاملات الربويّة، على أنّه لا يعقل اعتبار ملكيّة لا يترتّبعليها أثر أصلاً، فإنّه لغو.
فما اعتبره العقلاء دون الشارع كالملكيّة عقيب المعاملات الربويّة ليسموجوداً شرعاً، لا أنّه موجود فاسد، كما أنّ ما اعتبره الشارع أيضاً كالملكيّةعقيب عقد البيع موجود، لا أنّه موجود صحيح.
وانقسام الملكيّة إلى المستقرّة والمتزلزلة أيضاً لا يوجب اتّصافها بالصحّةوالفساد، فإنّ الاستقرار والتزلزل وصفان مترتّبان على أصل وجود الملكيّة لعلى صحّتها وفسادها.
وأمّا إن كانت موضوعةً للأسباب فللنزاع في وضعها لخصوص الصحيحةأو للأعمّ منها ومن الفاسدة مجال.
نظريّة صاحب الكفاية في المقام
والمحقّق الخراساني رحمهالله كما اختار في ألفاظ العبادات كونها موضوعةللصحيحة قال هاهنا أيضاً: لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضاً،وأنّ الموضوع له هو العقد المؤثّر لأثر كذا شرعاً وعرفاً، والاختلاف بينالشرع والعرف فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى،بل الاختلاف في المحقّقات والمصاديق وتخطئة الشرع العرف في تخيّل كونالعقد بدون ما اعتبره في تأثيره محقّقاً لما هو المؤثّر كما لا يخفى، فافهم(1)، إنتهى.
وقوله: «والاختلاف بين الشرع والعرف إلخ» جواب عن إشكال، وهو أنّالعبادات سواء كانت من مخترعات الإسلام أو كانت قبله في الشرائع السابقة