هذا حاصل كلام المحقّق النائيني وبعض الأعلام.
على أنّ كون شيئيّة الشيء بالصورة النوعيّة قاعدة عامّة للأعراض أيضاً،وهو يستلزم خروج مثل الأبيض أيضاً عن محلّ النزاع، لأنّ الجسم الذي كانأبيض ثمّ عرض عليه السواد لم يبق بياضه الذي كان مرتبطاً به، فكيف يمكنالقول بإطلاق عنوان الأبيض عليه حقيقةً بعد ذهاب بياضه بصورتهالنوعيّة؟!
فالحقّ أن يقال: علّة خروج العناوين الذاتيّة عن محلّ النزاع إنّما هياتّفاقهم على كونها موضوعة لما يتلبّس بها بالفعل فقط لا للذات المتلبّسة بهفي زمان ما.
وأمّا العناوين المرتبطة بالذات بلحاظ اتّصافها بأمر خارج عنها فكلّهداخلة في البحث، سواء كانت من الاُمور الحقيقيّة الوجوديّة، كالأبيض، أوالعدميّة، كالأعمى(2)، أو الاعتباريّة، كالمالك والزوج والحرّ، أو الانتزاعيّة،كالفوق والتحت.
بقي الكلام فيما يكون ذاتيّاً بالنسبة إلى بعض أفراده وعرضيّاً بالنسبة إلىبعض آخر، كالموجود والعالم وسائر أوصاف الباري تعالى المتّحدة مع الذات.
والظاهر دخولها في محلّ النزاع، إذ البحث إنّما هو في هيئة المشتقّ مع قطعالنظر عن كونها قالباً لمادّة خاصّة، فإذا قلنا: «هيئة الفاعل والمفعول هلوضعت لخصوص المتلبّس بالمبدء في الحال، أو للجامع بينه وبين ما انقضىعنه» يشمل لمثل الموجود والعالم، بل لمثل الناطق من العناوين الذاتيّة التيتكون على وزن الفاعل أيضاً.
فعلى هذا ينحصر الخارج عن محلّ النزاع بالعناوين الذاتيّة التي ليست علىهيئة المشتقّات.
الثانية: حيثيّة أنواع المشتقّات
لا إشكال ولا خلاف في عدم شمول النزاع للأفعال والمصادر المزيد فيها(1)لعدم اتّحادهما مع الذات وجريهما عليها، ولذا لا يكون قولنا: «زيد ضَرَبَ»قضيّة حمليّة، لعدم تحقّق الحمل والهوهويّة فيه.
إنّما الخلاف في أنّ النزاع هل يعمّ جميع المشتقّات الاُخرى من اسمي الفاعلوالمفعول وصيغة المبالغة والصفة المشبهة واسم الزمان والمكان والآلة، أويختصّ ببعضها؟
البحث حول ما أفاده صاحب الفصول رحمهالله في المقام
ذهب صاحب الفصول رحمهالله إلى عدم الشمول، وقال باختصاص النزاع باسمالفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق بها من المصادر المستعملة
- (1) وأمّا المصادر المجرّدة فسيأتي الكلام في كونها مشتقّة أو جامدة. منه مدّ ظلّه.
ج1
بمعنى اسم الفاعل وصيغة النسبة كبغدادي.
واحتجّ على خروج غيرها بوجوه:
1ـ تمثيل الاُصوليّين باسم الفاعل في تضاعيف الاحتجاجات.
2ـ احتجاج بعضهم على الأعمّ بإطلاق اسم الفاعل دون إطلاق بقيّةالأسماء(1).
وفيهما: أنّ التمثيل باسم الفاعل والاحتجاج بإطلاقه لا يوجبان اختصاصالنزاع به، لأنّ اسم الفاعل أوضح مصاديق المشتقّ، وقد جرى ديدنهم علىالتمثيل والاحتجاج ببعض المصاديق الواضحة، فهو غير صالح لإثباتالاختصاص.
3ـ أنّ من اسم المفعول ما يطلق على الأعمّ، كقولك: هذا مقتول زيد، أومصنوعه، أو مكتوبه، ومنه ما يطلق على خصوص المتلبّس، نحو هذا مملوكزيد، أو مسكونه، أو مقدوره، ولم نقف فيه على ضابطة كلّيّة، والمرجع فيه إلىالعرف، واسم الزمان حقيقة في الأعمّ، وكذلك اسم المكان، واسم الآلة حقيقةفيما اُعدّ للآليّة أو اختصّ بها، سواء حصل به المبدء أو لم يحصل، وصيغةالمبالغة فيما كثر اتّصافه بالمبدء عرفاً(2).
وأجاب عنه صاحب الكفاية رحمهالله بوجهين:
الأوّل: قوله: ولعلّ منشأه(3) توهّم كون ما ذكره لكلّ منها من المعنى ممّاتّفق عليه الكلّ، وهو كما ترى(4).
- (3) أي منشأ قول صاحب الفصول بخروج الصفات الخمسة من النزاع. م ح ـ ى.