الثالث: في خروج أسماء الزمان عن محلّ النزاع
اُورد على إدراج مثل اسم الزمان في محلّ النزاع، لانعدام الذات فيهكانقضاء المبدء، لأنّ الذات فيه إنّما تكون هي الزمان، وهو مبنيّ على التقضّيوالتصرّم، فمثل مقتل الحسين عليهالسلام لا يمكن إدراجه في محلّ النزاع، لأنّ كلاًّ منالزمان والقتل قد انقضى، فلا يصحّ أن يقال: إنّ هذا اليوم مقتل الحسين عليهالسلام .
واُجيب عن الإشكال بوجوه:
منها: ما في كفاية المحقّق الخراساني رحمهالله ، وهو أنّ انحصار مفهوم عامّ بفردـ كما في المقام ـ لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العامّ، وإلاّ لموقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة، مع أنّ الواجب موضوع للمفهوم العامّمع انحصاره فيه تبارك وتعالى(1)، إنتهى كلامه.
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
وفيه: أنّ غاية الوضع هي التفهيم والتفهّم، فوضع اللفظ للمفهوم العامّ الذيأحد فرديه ممكن والآخر ممتنع من دون حاجة إليه كما في المقام لغو.
وأمّا لفظ الجلالة فمضافاً إلى أنّ مقتضى التحقيق أنّه علم لذات الباري جلّ
ج1
شأنه، أنّا وإن كنّا نعتقد بوحدانيّته تعالى، إلاّ أنّ كثيراً من الناس يعتقدونبتكثّر الآلهة، فوضع لفظ الجلالة لمفهوم عامّ وهو الذات المستجمعة لجميعالصفات الكماليّة ليس بلغو، لتعلّق الحاجة باستعماله في ذلك المفهوم العامّ عندالبحث عن التوحيد، وإن كان منحصراً في فرد واحد خارجاً بحسب اعتقادنا،فوقوع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة إنّما هو لاحتمال رعاية الواضع حاجةالناس إلى استعماله في المفهوم العامّ.
وأمّا الاستشهاد بكلمة «الواجب» فغريب من مثله، وذلك لأنّ «الواجب»بمعنى الثابت والضروري، وله فردان: ضروري الوجود، وضروري العدم.
نعم، لفظ «واجب الوجود» لا يعمّ ضروري العدم، إلاّ أنّه لا وضع لهذالمركّب سوى وضع جزئيه. على أنّ هذا أيضاً مفهوم عامّ، لشموله واجبالوجود بالذات، وبالغير، وبالقياس إلى الغير، والأوّل وإن انحصر باللّهسبحانه، إلاّ أنّه أجنبيّ عن وضع لفظ بإزاء جامع ينحصر بفرد، إذ لا وضعلهذا المركّب مستقلاًّ عن أجزائه، فالانحصار فيه ناشٍ عن تركّبه من مفاهيممتعدّدة.
كلام الاُستاذ البروجردي والخوئي في المقام
ومنها: ما أفاده سيّدنا الاُستاذ البروجردي وبعض الأعلام وهو أنّالألفاظ الدالّة على زمن صدور الفعل، كالمقتل والمضرب، ونحوهما لم توضعلخصوص ظرف الزمان مستقلاًّ، حتّى تكون مشتركاً لفظيّاً بين الزمانوالمكان، بل وضعت هذه الألفاظ للدلالة على ظرف صدور الفعل زماناً كانأو مكاناً، فتكون مشتركاً معنويّاً بينهما، فيمكن النزاع فيها باعتبار كون بعض
(صفحه432)
الأفراد من معانيها ـ وهو المكان ـ قارّاً بالذات، وبالجملة: فليس الموضوع لهفي هذه الألفاظ أمراً سيّالاً، بل الموضوع له فيها طبيعة لها أفراد بعضها سيّالوبعضها غير سيّال(1).
وفيه: أنّ التحقيق يقتضي القول بكون هيئة اسم الزمان موضوعة لكلّ منالزمان والمكان بوضع على حدة، فالاشتراك لفظي لا معنوي، بل لا يعقلبينهما جامع حقيقي مقولي، إذ المكان من مقولة الأين، والزمان من مقولةاُخرى، فليس بينهما جامع مقولي، وأمّا الجامع العنواني الاسمي، مثل عنوان«الوعاء» أو «الظرف» فهو وإن كان متصوّراً، إلاّ أنّه لا يكون موضوعاً لهبنحو الوضع العامّ والموضوع له العامّ، لأنّه خلاف المتبادر من اسم الزمانوالمكان، ضرورة أنّه لا يفهم من «المفعل» مفهوم «الوعاء» و«الظرف» كميشهد بذلك الوجدان، وأمّا بنحو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ(2) فمع أنّهمخالف لما عليه جميع المشتقّات من عموم الوضع والموضوع له فيها، كان منقبيل المشترك اللفظي، فيرجع الإشكال.
ومنها(3): أنّ كلمة «العاشوراء» مثلاً وضعت لمعنى كلّي متكرّر في كلّ سنة،وهو اليوم العاشر من المحرّم، وكان ذلك اليوم الذي وقع فيه قتل الحسين عليهالسلام فرداً من أفراده، فإذا قلنا: «العاشوراء مقتل الحسين عليهالسلام » فإن أردنا نفس اليومالذي وقع فيه القتل كان من قبيل الاستعمال في المتلبّس بالمبدء، وإن أردنغيره من مصاديق العاشوراء كان من قبيل الاستعمال فيما انقضى عنه التلبّس،فالذات في اسم الزمان معنى عامّ باقٍ حسب بقاء الحركة الفلكيّة وقد انقضى
- (1) نهاية الاُصول: 72، ومحاضرات في اُصول الفقه 1: 258.
- (2) بعد الغمض عمّا تقدّم من استحالة هذا القسم من أقسام الوضع. منه مدّ ظلّه.
- (3) هذا ما اختاره المحقّق النائيني رحمهالله . م ح ـ ى.
ج1
عنه المبدء(1).
وفيه: أنّ كلمة «العاشوراء» وإن كان لها معنى عامّ، إلاّ أنّ النزاع ليس فيها،بل في كلمة «مقتل الحسين عليهالسلام » الذي هو أحد مصاديقها، لأنّه هو كان متلبّسبالمبدء، وهو تقضّى وتصرّم، والفرد الآخر الذي فرض لها مخالف للأوّل فيالوجود، فلا معنى لبقائه مع انقضاء المبدء، فإنّ إطلاق «مقتل الحسين عليهالسلام »علي غير اليوم الذي وقع فيه تلك الفاجعة العظمى بلحاظ كونهما من مصاديق«العاشوراء» إنّما هو نظير إطلاق الضارب على عمرو بعد انعدام زيد الذي هوكان متلبّساً بالضاربيّة بلحاظ كونهما مصداقين للإنسان.
ومنها(2): أنّ الزمان من أوّله إلى آخر الأبد هويّة متّصلة باقية بالوحدةالوجوديّة، وعليه يكون الزمان بهويّته باقياً وإن انقضى عنه المبدء.
وفيه: أنّ هذا أمر فلسفي، والعرف الذي هو الملاك في مثل هذه المباحثيرى الزمان متصرّماً ومتقضّياً، ويرى أوّل اليوم غير وسطه وآخره.
والحاصل: أنّه لا يمكن الذبّ عن الإشكال، فالنزاع لا يعمّ أسماء الزمان.
- (1) فوائد الاُصول 1 و 2: 89 .
- (2) هذا ما يستفاد من كلام المحقّق العراقي في «نهاية الأفكار 1 و 2: 129» وآية اللّه البروجردي في «نهايةالاُصول: 72». م ح ـ ى.