مع أنّ صاحب الفصول رحمهالله لا يقول بملاحظة التركيب في جميع القضايا، بلقسّمها إلى قسمين، وقال بتركيب الموضوع في خصوص القسم الثاني فقط كمعرفت، بخلاف القسم الأوّل الذي يشمل أكثر القضايا.
نعم، مثّل للقسم الثاني بـ «الإنسان جسم» مع كونه من القسم الأوّل،لتحقّق الاتّحاد الحقيقي بينهما، ولعلّ هذا حمل المحقّق الخراساني إلى ذلك التوهّم.
وكيف كان، فيرد على صاحب الفصول رحمهالله أوّلاً: ما أورده عليه المحقّقالخراساني رحمهالله من أنّه إذا أخذنا الموضوع في مثل «الجسم بياض» مركّباً منالجسم والبياض تحقّق المغايرة بين الموضوع والمحمول بالجزئيّة والكلّيّة، ومنالواضح أنّ ملاك الحمل لحاظ نحو من الاتّحاد بين الموضوع والمحمول، فلحاظالتركيب كرّ على ما فرّ، فإنّه رحمهالله فرّبه من المغايرة إلى الاتّحاد، مع أنّه في الواقعفرار من مغايرة إلى مغايرة حقيقيّة اُخرى(2).
وثانياً: أنّ القضيّة الملفوظة لابدّ من أن تكون حاكية عن الواقع، مع أنّالجسم غير البياض خارجاً، فكيف يصحّ أن يقال: «الجسم بياض» بدعوىاعتبار الاتّحاد بينهما، هل الاعتبار يغيّر الواقع ويصحّح الحكاية؟!
ثمّ إنّ اعتبار المغايرة بين الموضوع والمحمول لا وجه له وإن ذهب إليه بعضالأكابر منهم المحقّق الخراساني(3) والاصفهاني رحمهماالله (4)، فإنّ الحمل الذي مفادهالهوهويّة متقوّم بالاتّحاد بين الموضوع والمحمول في نفس الأمر، وإنّما أراد
المتكلّم الإخبار بهذا الاتّحاد الواقعي، فكما لا يكون التغاير الواقعي في القضايالصادقة، كذلك لا معنى للتغاير الاعتباري.
وتوهّم لزوم اعتبار المغايرة إمّا لاستحالة تحقّق النسبة بين الشيء ونفسه،أو لاستحالة حمل الشيء على نفسه، وكلاهما أجنبيّان عن القضيّة الحمليّة، أمّالأوّل فلعدم وجود النسبة فيها كما حقّقناه في مبحث القضايا(1)، وأمّا الثانيفلعدم امتناع حمل الشيء على نفسه، فإنّ القضيّة اللفظيّة مرآة للواقع حاكيةعنه، فإذا قلنا: «زيد كاتب» فكما أنّه ليس في الخارج إلاّ وجود واحد فلابدّمن تطابق القضيّة اللفظيّة له، وإلاّ كان الحاكي غير المحكي، فلا يكون مرآة له،والحمل هو الإخبار والحكاية عن الواقع.
بل اعتبار المغايرة بين الموضوع والمحمول يورث الإشكال، فإنّ القضيّةالحمليّة حاكية عن الاتّحاد بينهما، ولحاظ التغاير يخالفه كما هو واضح.
فاعتبار المغايرة بينهما ـ سواء كانا متّحدين وجوداً فقط مثل «زيد كاتب»أو ماهيّةً أيضاً مثل «الإنسان حيوان ناطق» ـ غير لازم، بل مضرّ.
إن قلت: لا ريب في تحقّق التغاير بالمفهوم في مثل «زيد كاتب» وبالإجمالوالتفصيل في مثل «الإنسان حيوان ناطق».
قلت: نعم، ولكن هذا التغاير لا يرتبط بالقضيّة، فإنّها غير حاكية إلاّ عنالاتّحاد الوجودي في الأوّل والماهوي في الثاني.
رأي الإمام الخميني رحمهالله حول لزوم المغايرة بين طرفي القضيّة
ثمّ إنّ سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره فصّل بين الواقع وبين اللفظ والذهن،فذهب إلى عدم تحقّق التغاير الواقعي في القضيّة الواقعيّة، ولا معنى أيض
- (1) راجع ص205 مبحث أجزاء القضايا من مباحث الوضع.
(صفحه486)
للتغاير الاعتباري فيها، لأنّ اعتبار التفكيك ينافي الإخبار بالاتّحادوالهوهويّة.
وأمّا القضيّة اللفظيّة والمعقولة فالتغاير الواقعي بين الموضوع والمحمول فيهمممّا لابدّ منه، فلا يصحّ أن يقال: «زيد زيد» لأنّهما لفظان مكرّران حاكيان عنهويّة واحدة فينفسالأمر منغير تغاير فيذهنالمتكلِّم وكلامه وذهنالمخاطب،والقضيّةالحمليّة لابدّ من أنتكون حاكية عنالاتّحاد بين الهويّتين المختلفتين(1).
هذا حاصل ما في التقريرات المطبوعة من بحثه الشريف.
وفيه: أنّ مثل قضيّة «زيد زيد» لو لم تكن صحيحةً لكان إمّا لأجل عدمفائدتها، أو لأجل امتناع حمل الشيء على نفسه، أمّا مسألة حمل الشيء علىنفسه فقد عرفت عدم استحالته، بل الإمام قدسسره أيضاً معترف به حيث قالعقيب كلامه السابق: وحمل الشيء على نفسه بمعنى الإخبار عن كون الشيءنفسه ليس غير صحيح جدّاً، بل ضروري الصحّة(2).
وأمّا مسألة الفائدة فيكفي فيها رفع شبهة من تخيّل أنّ الشيء يمكن أن ليكوننفسه، فنقولفيجوابشبهته: «بلالشيءنفسه، الإنسانإنسان، زيد زيد».
والحاصل: أنّه لا ملزم لأن يكون الموضوع والمحمول حاكيين عن هويّتينمختلفتين، ولا يمتنع اتّحاد الموضوع والمحمول في القضيّتين اللفظيّة والمعقولة،فالتفصيل بين القضايا بالقول باستحالة تحقّق التغاير في القضيّة الواقعيّةوضرورته في القضيّة اللفظيّة والمعقولة ليس بتامّ.
هذا تمام الكلام في المباحث المربوطة بالفرق بين المشتقّ ومبدئه.
- (1) تهذيب الاُصول 1: 178.
ج1