(صفحه488)
في كيفيّة اتّصافه تعالى بالصفات الجارية عليه
الثالث: في كيفيّة اتّصافه تعالى بالصفات الجارية عليه
وفيه جهتان من البحث:
الاُولى: في المغايرة المعتبرة بين المبدء وما يجري عليه المشتقّ
إنّهم اتّفقوا على اعتبار المغايرة بين المبدء وما يجري عليه المشتقّ.
وذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى كفاية المغايرة بينهما مفهوماً وإن اتّحدخارجاً، فصدق الصفات مثل العالم والقادر والرحيم والكريم إلى غير ذلك منصفات الكمال عليه تعالى على ما ذهب إليه أهل الحقّ من عينيّة صفاته يكونعلى الحقيقة، فإنّ المبدء فيها وإن كان عين ذاته تعالى خارجاً، إلاّ أنّه غير ذاتهتعالى مفهوماً(1).
ثمّ اعترض على صاحب الفصول بأنّه توهّم لزوم المغايرة الحقيقيّة كمفي «زيد عالم» ولذا التزم بالنقل أو التجوّز في ألفاظ الصفات الجاريةعليه تعالى بناءً على الحقّ من العينيّة(2)، مع أنّك قد عرفت كفاية المغايرةمفهوماً، ولا اتّفاق على اعتبار غيرها إن لم نقل بحصول الاتّفاق على عدم
ج1
اعتباره كما لا يخفى، وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك بين الذات ومبادئالصفات(1).
الثانية: في الارتباط بين المبدء وما يجري عليه المشتقّ
واختلفوا فيه على أقوال:
أ ـ أنّه يعتبر قيام المبدء به قياماً حلوليّاً حتّى يصدق المشتقّ على نحوالحقيقة، وهذا ما ذهب إليه الأشاعرة، ثمّ إنّهم رأوا أنّ الاعتقاد بكونهتعالىمتكلِّماً يستلزم الاعتقاد بكونه محلاًّ للحوادث لو فسّر الكلام بالأصوات،فذهبوا إلى الكلام النفسي في حقّه تعالى حتّى يكون قديماً كذاته تعالى، ولميتفطّنوا إلى فساد مذهبهم في المشتقّ، مع أنّه ـ مضافاً إلى كونه منشأً للإشكالفي كونه تعالى متكلِّماً ـ واضح البطلان، لصدق الضارب والموِلم مع عدم حلولالضرب والألم بفاعلهما.
ب ـ أنّه لا يعتبر قيامه به أصلاً، لانحصار القيام عند أرباب هذا القولبالحلولي، مع أنّه منتفٍ في مثل الضارب والمؤلم كما عرفت.
ج ـ ما ذهب إليه صاحب الفصول رحمهالله من اعتبار القيام بالمعنى الأعمّ منالحلول والصدور وغيرهما، وحيث إنّ القيام بأيّ نحو من الأنحاء لا يتصوّر فيصفاته تعالى، لكونها عين الذات ذهب إلى النقل أو التجوّز فيها من هذه الجهةأيضاً كالجهة الاُولى(2).
وأورد عليه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّها لو كانت بغير معانيها العامّة جاريةً
(صفحه490)
عليه تعالى كانت صرف لقلقة اللسان وألفاظ بلا معنى، فإنّ غير تلك المفاهيمالعامّة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلاّ بما يقابلها، ففي مثلما إذا قلنا: «إنّه تعالى عالم» إمّا أن نعني أنّه من ينكشف لديه الشيء فهو ذاكالمعنى العامّ، أو أنّه مصداق لما يقابل ذاك المعنى(1)، فتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً،وإمّا أن لا نعني شيئاً، فتكون كما قلناه من كونها صرف اللقلقة وكونها بلمعنى كما لا يخفى(2).
وأجاب عنه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره بأنّ صاحب الفصول يمكن أنيلتزم بنقل مثل العالم والقادر إلى نفس العلم والقدرة التي لا تستلزم الزيادةعلى ذاته تعالى، أو باستعمالهما فيهما مجازاً، وهذا احتمال رابع لا يتوجّه إليهإشكال المحقّق الخراساني رحمهالله .
لكن أورد على صاحب الفصول رحمهالله بأنّ الالتزام بالتجوّز أو النقل خلافالوجدان، فإنّا نرى أنّهم يطلقون كلمة «العالم» على زيد مثلاً وعلى اللّه سبحانهبكيفيّة واحدة ومعنى واحد(3).
د ـ ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله من عدم اعتبار القيام، بل المعتبر هوالتلبّس(4) بالمبدء بنحو خاصّ على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلافالموادّ(5) تارةً واختلاف الهيئات(6) اُخرى من القيام صدوراً أو حلول
- (3) تهذيب الاُصول 1: 180.
- (4) وإن عبّر في مطاوي كلامه بالقيام أيضاً. منه مدّ ظلّه.
- (5) فتارةً يكون التلبّس حلوليّاً كما في مثل «الأبيض» واُخرى صدوريّاً كما في مثل «الضارب». منه مدّ ظلّهفي توضيح كلام صاحب الكفاية رحمهالله .
- (6) فإنّ في هيئة الفاعل نحواً من التلبّس وفي هيئة المفعول نحواً آخر وفي هيئة اسم المكان نحواً ثالثوهكذا. منه مدّ ظلّه توضيحاً لكلام صاحب الكفاية رحمهالله .
ج1
أو وقوعاً عليه أو فيه أو انتزاعه عنه مفهوماً مع اتّحاده معه خارجاً كما فيصفاته تعالى، أو مع عدم تحقّق إلاّ للمنتزع عنه كما في الإضافات والاعتباراتالتي لا تحقّق لها ولا يكون بحذائها في الخارج شيء.
فالتلبّس في الصفات الجارية عليه تعالى يكون بنحو العينيّة، وهذا أعلىدرجات التلبّس وإن لم يدركه العرف(1)، فإنّه يكون مرجعاً في تعيين المفاهيملا في تطبيقها على مصاديقها، فالعالم يكون بمعنى الذات المتلبّسة بالعلم عندالعرف، وهو متّبع عندنا، وأمّا أنّ العينيّة هل هي من مصاديق التلبّس أم لفلسنا فيه تابعاً لنظر العرف(2).
هذا حاصل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام.
ما يقتضيه التحقيق في المقام
هـ ـ والحقّ في المسألة ما ذهب إليه الإمام وبعض الأعلام من عدم اعتبارالقيام والتلبّس ونحوهما في صدق المشتقّ حقيقةً، بل المعتبر إنّما هو واجديّة(3)الذات للمبدأ في قبال فقدانها له، وهي تختلف باختلاف الموارد، فتارةً يكونالشيء واجداً لما هو مغاير له وجوداً ومفهوماً، كما هو الحال في غالبالمشتقّات، واُخرى يكون واجداً لما هو متّحد معه خارجاً وعينه مصداقاً، وإنكان يغايره مفهوماً، كواجديّة ذاته تعالى لصفاته الذاتيّة(4).
- (1) فإنّ العرف يدرك التلبّس فيما إذا كان بين الذات والمبدء تغاير واقعي، لا فيما إذا كان بينهما تغايرمفهوميّ فقط مع العينيّة الخارجيّة. منه مدّ ظلّه.
- (3) وأمّا سبب الواجديّة فلا دخل له في معنى المشتقّ، فالمالك مثلاً يكون بمعنى «من هو واجد للملك»وأمّا كون سبب الملكيّة هو الشراء أو الإرث أو الهبة فلا دخل له في معناه. منه مدّ ظلّه.
- (4) محاضرات في اُصول الفقه 1: 325، وتهذيب الاُصول 1: 181.
(صفحه492)
وعليه فلا يعتبر التلبّس والاتّصاف حتّى نضطرّ إلى توسعته بنحو يشملالعينيّة، ثمّ نضطرّ إلى القول بأنّ نظر العرف ملاك في تعيين المفاهيم لا فيتطبيقها على مصاديقها، كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله .