(الصفحة 135)
خالفته ، ومن الواضح أنّ المراد بالمضاف إليه الثاني هو يوم الغصب والأخذ(1) .
واُورد عليه تارة : بأنّ المضاف إلى شيء لا يضاف إلى شيء آخر ثانياً ، وأنهّ محال من جهة استلزامه الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في استعمال ولحاظ واحد وهو مستحيل . ذكر ذلك المحقّق الخراساني (قدس سره) في حاشية المكاسب ، حيث قال : فيه إشكال ; فإنّ إضافة المضاف بما هو مضاف ثانياً يستلزم أن يكون الإضافة بما هي إضافة ملحوظة باللحاظ الآلي طرفاً لها وملحوظة على الاستقلال ، فإنّها من مقوّماته في الإضافة الثانية ، ولو كان المراد إضافته ثانياً ، لا بما هو كذلك ، أي مضاف يلزم أن يكون حين التلفظ به طرفاً لهذا على حدة ، ولذاك كذلك ، وهذا يستلزم أن ينظر إليه ذلك الحين بالنظرين المتبائنين (2) .
واُخرى : بأنّه على فرض الجواز لا يكون ذلك معهوداً في تراكيب الكلام والجمل العربية ، خصوصاً في مقام الإفتاء الذي يناسبه التعبير المتداول والاستعمال المتعارف ، وخصوصاً إذا كان في مقابل إفتاء آخر غير مطابق للواقع ، وهو إفتاء أبي حنيفة بغير ما أنزل الله تعالى . نعم ، لا مانع من تتابع الاضافات الذي مرجعه إلى إضافة المضاف إليه إلى المضاف إليه الآخر ، واضافته أيضاً إلى ثالث وهكذا ، كما ورد في الكتاب : {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوح}(3) ولكنّه غير ما أفاده (قدس سره) (4) .
وقد وجّهه السيّد الطّباطبائي في حاشيته على المكاسب : أ نّ قيد المضاف إليه إذا لم يكن له ثمر إلاّ بجعله قيداً للمضاف يكون الغرض من الإضافة هذا التقييد ، وفي المقام كذلك ، فإنّ تقييد البغل بيوم المخالفة من حيث هو لا معنى له ، فلابدّ أن
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 3 / 247 .
(2) حاشية المكاسب للمحقق الخراساني : 41 .
(3) سورة غافر 40 : 31 .
(4) اُنظر القواعد الفقهيّة للبجنوردي : 4 / 80 ـ 81 ومنية الطالب في شرح المكاسب : 1 / 311 ـ 313 .
(الصفحة 136)
يكون الغرض من ذلك كونه قيداً للقيمة ; يعني يوم المخالفة للبغل ، وذلك كما إذا قيل : «ضرب زيد يوم الجمعة» فإنّ إضافة زيد إلى اليوم لا معنى له إلاّ أن يكون الغرض منه تقييد الضرب به(1) .
ويرد عليه : وضوح الفرق بين المقيس والمقيس عليه ; فإنّ تقييد زيد بيوم الجمعة وإن كان لا معنى له ، إلاّ أنّ تقييد البغل بيوم المخالفة لا مانع منه ; لاختلاف حالاته من جهة السمن والهزال والصحة والمرض وغيرهما ، ومن جهة تفاوت القيمة السوقية والاختلاف من هذه الناحية ، مع أنّ هذا التوجيه يرجع إلى الوجه الثاني المذكور في كلام الشيخ الذي يجيء ، وعليه : فلا يبقى فرق بين الوجهين .
الثاني : كون الظرف قيداً للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل(2) ، فيكون المعنى قيمة مختصّة بالبغل يوم المخالفة ، بحيث كان يوم المخالفة متعلقاً بمختّصة ، ولا مانع منه بعد كونه شبه فعل ، ويجوز أن يكون عاملا في الظرف ، وحينئذ يكون الظرف مفتوحاً ، كما أنّه في الصورة الاُولى يكون مجروراً ، ومن المعلوم أنّ القيمة المختصة بالبغل يوم المخالفة هي قيمة يوم الغصب والأخذ .
واُورد عليه : بأنّ اختصاص الحاصل من الإضافة معنى حرفي وملحوظ آليّ ، فلا يمكن أن يرد عليه القيد ; لأنّ المعاني الحرفية ليست قابلة للتقييد ; للزوم اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي واحد ولحاظ فارد .
ولكنّا قد حقّقنا في البحث عن الحروف في علم الاُصول أنّه لا مانع من ذلك وأنّ أكثر التقييدات الواقعة في الاستعمالات والمحاورات إنّما يرجع إلى تقييد المعاني الحرفية ، فقولك : «ضرب زيد يوم الجمعة عند الأمير» يكون القيدان فيه راجعين إلى وقوع الضرب على زيد ، وهو من المعاني الحرفية غير المستقلّة ، بخلاف نفس
- (1) حاشية المكاسب للسيد اليزدي : 1 / 504 .
(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 3 / 247 .
(الصفحة 137)
الضرب الذي هو معنى مستقل ، وكذا زيد الذي يكون كذلك ، ولا مجال لدعوى تعلّق القيدين بنفس الضرب من دون ملاحظة خصوصية وقوعه على زيد ، وفي الحقيقة متعلق القيدين هو الاختصاص الحاصل من اضافة الضرب إلى زيد ، ولذا أوردنا على المحشّي برجوع توجيهه للوجه الأوّل إلى الوجه الثاني .
وبالجملة : لا مانع من تقييد ما هو الملحوظ باللحاظ الآلي وإن كان مستلزماً لللحاظ الاستقلالي ، والشاهد هو الاستعمالات المتداولة والمحاورات العرفيّة .
ويمكن أن يقال برجوع القيد إلى البغل بحيث يكون المقام من تتابع الإضافات ، وذلك بملاحظة ما ذكرنا من اختلاف حالات البغل من جهة السمن والهزال والصحة والمرض ومثلهما ، ومن جهة القيمة السّوقية ، ولكنّه حيث لا يكون الاختلاف من الجهة الاُولى متحقّقاً في مورد الرواية ; لأنّ البغل لا يختلف في الأيّام القليلة المفروضة في مورد الرواية من جهة السّمن والهزال غالباً ، والمفروض عدم عروض عيب عليه ; لأنّ فرض العيب واقع في الأسئلة الواقعة بعد هذا الجواب .
فالظاهر حينئذ أنّ الاختلاف الذي هو محطّ نظر الرواية هو الاختلاف من جهة القيمة السوقيّة ، وعليه : يكون الظرف قيداً للبغل بنحو الإضافة ، كما أنّه يمكن أن يقال بكون الظرف متعلّقاً بنعم ، كما استظهره السيد (قدس سره) في الحاشية ، نظراً إلى أنّه إذا كان في الكلام فعل أو شبهه فهو أولى بأن يكون متعلّقاً للظرف ، والقيمة بمعنى العوض ليس فعلا ولا شبهه ، بخلاف «نعم» ، فإنّه في قوّة قوله : «يلزمك» أو يكون لفظ «يلزمك» مقدّراً بعده(1) .
وعلى هذا الاحتمال الأخير لا دلالة لهذه الفقرة من الرواية على تعيين قيمة أيّ يوم ; لأنّ غاية مفادها هو اشتغال الذمّة بالقيمة وثبوتها على العهدة في يوم الأخذ ،
- (1) حاشية المكاسب للسيد اليزدي : 1 / 504 ـ 505 .
(الصفحة 138)
وأمّا أنّ القيمة المضمونة والثابتة على العهدة قيمة أيّ يوم ، فلا دلالة للرواية عليه أصلا . نعم ، ظاهرها حينئذ أنّ الثابت على العهدة في غصب القيمي بمجرّد تحقّق الأخذ هي القيمة ، مع أنّ ظاهر قاعدة ضمان اليد كما عرفت(1) هو ثبوت نفس العين المأخوذة على اليد ، فيقع بينهما التنافي من هذه الجهة ، ولكن لابدّ من توجيه الرواية ; لأنّه لا معنى لثبوت القيمة على العهدة مع وجود العين وعدم تلفها ، بحيث يكون مجرّد غصب القيمي موجباً لثبوت القيمة على عهدة الغاصب ، فلابدّ من توجيهها بما يرجع إلى مفاد القاعدة ، كما لا يخفى .
وبالجملة : إذا كان «يوم خالفته» قيداً للقيمة ومتعلقاً بها ، فبلحاظ كون الجواب إنّما هو عن السؤال عن صورة وقوع التلف ، وفرض أنّ البغل عطب أو نفق ، يكون مرجع قوله : «نعم» إلى لزوم القيمة المقيّدة بالقيد المذكور بعد فرض التلف ، فلا دلالة للجواب حينئذ على ما يلزمه بمجرّد الأخذ والمخالفة أصلا .
وأمّا لو كان القيد راجعاً إلى «نعم» أو الفعل المقدّر بعده ، فالجواب وإن كان عن السؤال المذكور المفروض فيه صورة التّلف ، إلاّ أنّ ظاهره ثبوت القيمة ولزومها عليه بمجرّد الأخذ والمخالفة مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا تحقّق التلف بعده ، وما إذا لم يتحقّق ; لأنّه لا مجال للتفكيك بين الصورتين ، والحكم بأنّه في صورة التلف يكون اللازم عليه يوم الغصب هي القيمة ، فلا ينافي كون اللازم في صورة العدم من حين الأخذ هي غير القيمة ، بل الظاهر أنّ المستفاد من الرّواية حينئذ كون اللازم هي القيمة مطلقاً ، وعليه : فلابدّ من توجيه الرواية بما يرجع إلى مفاد قاعدة اليد ، فتدبّر .
وبذلك يجاب عمّا عن بعض الأعاظم (قدس سره) (2) : من أنّ ضمان القيمة لو كان يوم
- (1) في ص 129 .
(2) المكاسب والبيع (تقريرات أبحاث الميرزا النائيني) : 1 / 360 ـ 361 .
(الصفحة 139)
المخالفة ـ أي يوم الغصب ـ بمعنى تعلّق القيمة بالعهدة واشتغال الذمّة بها في ذلك اليوم ، فلازمه كون المضمون هي قيمة يوم المخالفة أيضاً ; لأنّه لا معنى لأن تكون قيمة اليوم المتأخّر عن يوم المخالفة ـ وهو يوم التلف أو يوم الردّ ـ ثابتة على العهدة في يوم المخالفة .
وعليه : فلو كان الظرف راجعاً إلى «نعم» أو الفعل المقدّر بعده ، تكون هذه الفقرة دالّة أيضاً على كون المعتبر هي قيمة يوم المخالفة . وقد ذكرنا أنّه حيث لا معنى لتعلّق القيمة بالعهدة واشتغال الذمّة بها ، مع فرض وجود العين بحيث كان الحكم المغيّى راجعاً إلى ثبوت القيمة ، والغاية دالّة على أداء العين ، ضرورة أنّه لا معنى لأدائها ـ أي القيمة ـ مع فرض وجود العين وإمكان ردّها ، فلابدّ من التوجيه بما يرجع إلى مفاد القاعدة ; وهو ثبوت العين على العهدة في عالم الاعتبار الذي يتّفق فيه العقلاء والشارع ، غاية الأمر أنّه مع فرض التلف وكون العين قيمية ، لا يمكن أن يتحقّق الأداء إلاّ بأداء القيمة التي هي الجهة المهمّة في باب الماليّات ، والملحوظة في أبواب الضمانات والغرامات .
وقد انقدح بما ذكرنا أنّه لم تثبت دلالة هذه الفقرة من الرواية على خلاف ما استظهرنا من القاعدة من ثبوت القيمة يوم الدفع والأداء .
ثانيهما : قوله (عليه السلام) «أويأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك» . والظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «حين اكترى» هو يوم الغصب ; لأنّه لا وجه لضمان يوم الاكتراء بعنوانه أصلا ، والعدول عن التعبير بيوم الغصب إلى يوم الاكتراء ـ مضافاً إلى اتّحاد اليومين في مورد الرواية ; لأنّ الظاهر أنّ اكتراء الدابّة خصوصاً في تلك الأزمنة إنّما كان يقع في نفس اليوم الذي يريد ركوبها والاستفادة منها ، والمفروض في الرواية تحقّق الغصب في الساعة الاُولى من الحركة والركوب ; لأنّه وقع الاكتراء في الكوفة التي هي ساحل الشطّ ، ووقع الغصب