(الصفحة 140)
والمخالفة قرب قنطرة الكوفة حين ما خبّر بتوجّه غريمه إلى النيل ، وعدم كونه في قصر ابن هبيرة ـ إنّما هو لأجل أنّ تحصيل الشهود حين الاكتراء أسهل من حال الغصب ; لأنّ محلّ الاكتراء غالباً محلّ اجتماع المكارين العارفين بقيمة البغال .
وأمّا حين الغصب الواقع في أثناء الطريق لا طريق نوعاً إلى تحصيل الشهود على معرفة قيمته في ذلك الوقت ، وعليه : تكون هذه الفقرة صريحة في أنّ المدار في ضمان القيمي هو قيمة يوم الغصب والمخالفة .
هذا ، ويمكن منع دلالة هذه الفقرة أيضاً ; نظراً إلى أنّه يمكن أن يكون التعبير بيوم الاكتراء الذي يراد به يوم الغصب على ما مرّ إنّما هو لأجل عدم تفاوت قيمة البغل في الأيّام القليلة المفروضة في مورد الرواية ، التي لا تتجاوز عن خمسة عشر يوماً ; فإنّه كما لا يختلف البغل في هذا المقدار من الزمان من جهة السمن والهزال نوعاً ، كذلك لا يختلف من جهة القيمة السّوقية خصوصاً في تلك الأزمنة ، والتعبير به بدلا عن يوم الدفع والأداء إنّما هو لأجل ما ذكر من أنّه لا طريق غالباً إلى تحصيل الشهود على معرفة قيمة يوم الدفع ، خصوصاً بعد عدم وجود العين ، ولا مجال لتعيين القيمة مع التلف .
ومن الواضح أنّ الخصوصيات التي عليها الدابّة لها دخل في القيمة جدّاً ، وذكرها لا يكفي في مقام التقويم ، بل لابدّ من المشاهدة وإن كان التوصيف يكفي في مقام البيع والمعاملة ، إلاّ أنّ للتقويم مقاماً غير مقام المعاملة ، فتدبّر .
ويؤيّد ما ذكرنا من عدم دلالة الرواية على ضمان القيمة يوم الغصب قوله (عليه السلام) في الذيل : «عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه» بناءً على وجود كلمة اليوم ; لما عرفت(1) من الجواهر من عدم وجودها في النسخة المصحّحة من التهذيب الموجودة عنده ، وعلى أن يكون الظرف متعلّقاً بالقيمة ; بمعنى أنّه يجب
(الصفحة 141)
عليك قيمة يوم الردّ بالإضافة إلى ما بين الصحة والعيب .
وأمّا بناءً على تعلّق الظرف بـ «عليك» بلحاظ كون معناه الفعل ; وهو : أنّه يلزم عليك ، فمعناه أنّ الثابت على العهدة في يوم الردّ والأداء هي القيمة ، فيمكن أن يقال بظهوره أيضاً في كون الثابت هي القيمة في ذلك اليوم وإن كان يمكن المناقشة فيه بأنّ غاية ما تدلّ عليه حينئذ هو كون الثابت في يوم الردّ هي القيمة ، وأمّا أنّ القيمة قيمة أيّ يوم فالرواية ساكتة عنه .
ولكنّ الظاهر عدم تعلّق الظرف بـ «عليك» وإن كان متضمّناً لمعنى الفعل ; لأنّه إن كان المراد باللزوم هو لزوم الأداء والدفع فلا فائدة في ذكر الظرف أصلا ; لأنّه يصير حينئذ أمراً واضحاً لا حاجة إلى بيانه ; لوضوح أنّ أداء القيمة إنّما يقترن مع أداء العين ، وردّها مع وصف كونها معيوبة . وإن كان المراد باللزوم هو الثبوت على العهدة ، فلا خفاء في أنّ الثبوت الكذائي إنّما يتحقّق بنفس عروض العيب ، وصيرورة الدابّة معيبة في يد الغاصب ، فلا وجه لجعل الظرف متعلقاً به حتى يصير معناه أنّ الثبوت إنّما يكون زمانه يوم الردّ والأداء .
ويحتمل أن يكون الظرف متعلّقاً بالعيب ; بمعنى أنّه لابدّ في العيب من ملاحظة يوم الأداء ; إذ ربما يمكن أن يكون العيب في أوّل عروضه قليلا ثمّ ازداد بعده ، وفي هذه الصّورة لابدّ من ملاحظة ما عليه العيب من الكثرة والشدّة في يوم ردّ العين معيبة ، ولازم ذلك أنّه لو فرض العكس وصيرورة العيب قليلة أو خفيفة لكان اللازم ملاحظة وقت الأداء دون وقت العروض .
وبالجملة : فالرواية على التقدير الأوّل الذي يكون الظرف متعلّقاً بالقيمة تؤيّد عدم دلالتها في الجملات السابقة على هذه الجملة على كون المراد هي القيمة يوم الغصب .
ثمّ إنّه ربما يستشكل الأخذ بهذه الصحيحة بأنّها مخالفة للقواعد العامّة
(الصفحة 142)
والضوابط القطعية المقرّرة في كتاب القضاء للمدّعي والمنكر ; وهي أنّ البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر ، والتفصيل قاطع للشركة ، فالمدّعي وظيفته إقامة البيّنة والمنكر اليمين . نعم ، يمكن له ردّ اليمين إلى المدّعي في فرض عدم ثبوت البيّنة له ، مع أنّ الصحيحة ظاهرها تخيير المالك ابتداءً بين الحلف وبين إقامة البيّنة ، غاية الأمر أنّه مع عدم الحلف وعدم البيّنة تصل النوبة إلى حلف الغاصب . وهذا لا ينطبق على قواعد باب القضاء وفصل الخصومات بوجه .
وربما يوجّه ذلك ; بأنّ الاختلاف يمكن أن يكون باختلاف كيفية انشاء دعويهما ، وبعبارة اُخرى : لا يجتمع الأمران في مورد واحد وفي مصبّ دعوى كذلك ، بل لهما موردان ، فإنّه إن كان مصبّ الدعوى تنزّل القيمة التي يجب عليه أداؤها من القيمة السّابقة بحيث كان الغاصب مدّعياً للتنزّل والمالك منكراً له ، تكون وظيفة المالك حينئذ اليمين مع عدم ثبوت البيّنة للمنكر على التنزّل لأنّ الأصل عدم التنزل .
وإن كان مصبّ الدعوى نفس القيمة الثابتة من غير اتفاق على القيمة السّابقة ، بل ومن دون اطّلاع عليها ، بل كان النزاع في مجرّد القيمة من حيث الزيادة وعدمها ، فالقول قول الغاصب ; لإنكاره الاشتغال بالزائد عمّا يدّعيه من القيمة ، وعلى المالك إقامة البيّنة لكونه مدّعياً في هذه الصورة فلم يجتمع الأمران في مورد واحد .
وهذا التوجيه وإن كان يؤيّد عدم دلالة الرواية على كون المدار هي القيمة يوم المخالفة ; لأنّ لازمه الإتّفاق في المورد الأوّل على القيمة قبل الغصب الذي لا تكون العين بيد الغاصب وتحت استيلائه ، وهذا في غاية البعد ، بخلاف ما لو كان مدلول الرواية هي القيمة يوم الدفع ; فإنّ الإتّفاق على القيمة قبل يوم الدفع كيوم الأخذ والغصب أمر عاديّ لا بعد فيه أصلا ، إلاّ أنّه في نفسه مستبعد . وأبعد منه حمل
(الصفحة 143)
الحلف هنا على الحلف المتعارف الذي يرضى به المحلوف له ويصدّقه فيه من دون محاكمة ، والتعبير بردّه اليمين على الغاصب من جهة أنّ المالك أعرف بقيمة بغله ، فكان الحلف حقّاً له ابتداءً ، ولكن ذلك لا يقدح في أصل دلالة الرواية على تعيين القيمة وأنّ الملاك قيمة أيّ يوم .
ثمّ إنّه بناءً على ما قلنا من عدم ظهور الرواية في شيء من فقراتها في خلاف ما تدلّ عليه القاعدة المستفادة من «على اليد ما أخذت» من كون المدار هي قيمة يوم الدفع ، لابدّ من حملها عليها ; لعدم التعارض بينهما بعد فرض ظهور القاعدة ، وعدم ظهور الرواية في خلافها .
وأمّا إن قلنا بظهور الرواية في كون المناط هي القيمة يوم الغصب كما عليه بعض الأعاظم (قدس سره) (1) ، فالظاهر لزوم الأخذ بالرواية ; لعدم بلوغ ظهور القاعدة مرتبة ظهور الرّواية ، خصوصاً بعد الاختلاف فيه وإنكار بعض ظهور القاعدة في لزوم دفع قيمة يوم الدفع كما نقلناه عنه (2)، فالإنصاف أنّه على هذا التقدير لا محيص عن الالتزام بقيمة يوم الغصب .
ثمّ إنّه بقي في بحث القاعدة اُمور ينبغي التنبيه عليها :
الأوّل : ما لو تعذّر أو تعسّر ردّ العين من دون أن يعرض لها التلف ، كما لو سرق أو غرق أو ضاع أو أبق ، وأنّه هل يجب بمقتضاها إعطاء بدل الحيلولة للمالك أم لا؟ واللازم قبل البحث في هذا الأمر من التنبيه على أمرين :
أحدهما : أنّ محطّ البحث في لزوم إعطاء بدل الحيلولة وعدمه هو مجرّد القاعدة المستندة إلى قوله (صلى الله عليه وآله) «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» . وأمّا الأدلّة
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 3 / 249 ، المكاسب والبيع (تقريرات أبحاث الميرزا النائيني) : 1 / 362 ـ 364 .
(2) في ص 127 ـ 129 .
(الصفحة 144)
الاُخرى التي يمكن استفادة الحكم بالضمان منها فهو خارج عن محلّ البحث هنا ; مثل ما ورد في باب الأمانات المضمونة ممّا يدلّ على تحقّق الضمان بالاُمور المذكورة كالسرقة ومثلها ، ومثل قاعدة الضرر وفوت سلطنة المالك وأشباههما ، فإنّ الجميع خارج عن محلّ البحث هنا وإن كان يجب البحث عنها في مسألة بدل الحيلولة بعنوان عام .
ثانيهما : أنّ التعذّر والتعسّر وعدم إمكان الردّ له مراتب مختلفة ; فإنّه تارة : يكون في مدّة قصيرة يعلم بإمكان ردّ العين بعد انقضائها .
واُخرى : يكون في مدّة طويلة مقرونة باليأس من الوصول إليها ; كما إذا وقعت العين في قعر البحر مثلا .
وثالثة : في تلك المدّة مع رجاء الوصول إليهما ووجدانها .
أمّا الصورة الاُولى : فالظاهر أنّه لا مجال لدعوى الانتقال إلى بدل الحيلولة في تلك المدّة القصيرة مستنداً إلى «على اليد» لوضوح أنّه لا دلالة له على لزوم أداء المثل أو القيمة في هذه الصورة ، وبعبارة اُخرى : لا يكون أداء المثل أو القيمة في هذا الفرض من مراتب أداء العين الذي هو غاية للحكم بالضمان .
وأمّا الصورة الثانية : فهي ملحقة بالتلف عند العرف والعقلاء ، حيث إنّهم لا يفرّقون بينها وبين التلف الحقيقي بوجه ، وعليه : فأداء المثل أو القيمة ليس لأجل الحيلولة ، بل لأجل حصول التلف العرفي ، فالعمدة في البحث هي الصورة الثالثة ، فنقول :
ربما يقال بأنّ مقتضى القاعدة لزوم ردّ المثل أو القيمة في هذه الصورة ، نظراً إلى أنّ مقتضاها كون العين المأخوذة بدون إذن المالك والشارع ، ثابتة ومستقرّة في عالم الاعتبار التشريعي على عهدة المالك بجميع خصوصياتها الشخصية وصفاتها النوعية وماليّتها ، كما أنّ الأمر كذلك عند العقلاء ، فيجب تكليفاً ووضعاً ردّ