فإنّ الظاهر أنّهم أرادوا موضوعات العلوم.
وهذا يدلّعلىأنّ أصلاحتياج كلّعلم إلىالموضوع كانأمراًواضحاًعندهم.
وهذا لا يفيد المستدلّ كما لا يخفى.
وهو أنّ مسائل كلّ علم يسانخ بعضها بعضاً، وهذه السنخيّة موجودة فيذات هذه المسائل وجوهرها، ولا سنخيّة بين مسائل علمين(3).
ألا ترى أنّ قول النحاة: «كلّ فاعل مرفوع» يسانخ قولهم: «كلّ مفعولمنصوب»، ولا يسانخ قول الاُصوليّين: «صيغة الأمر دالّة على الوجوب».
وبالجملة: بين جميع مسائل علم واحد سنخيّة ذاتيّة واضحة، حتّى فيما إذاستفيد بعضها من اللفظ وبعضها الآخر من العقل، كدلالة صيغة الأمر علىالوجوب، واستنتاج وجوب المقدّمة من الملازمة العقليّة بين وجوب ذيالمقدّمة ووجوبها.
ولا ارتباط بين مسألتين من علمين أصلاً.
لا يقال: لعلّ هذه السنخيّة بلحاظ الغرض الواحد المترتّب على جميعالمسائل، ولا ترتبط بذواتها.
فإنّه يُقال: إنّا إذا لاحظنا مسائل علم واحد مع قطع النظر عن الغرضالمترتّب عليها وجدناها متسانخة مترابطة، ضرورة أنّه لو لم يكن لعلم النحومثلاً غرض أصلاً، أو جهلنا به لتحقّقت السنخيّة أيضاً بين قولهم: «كلّ فاعلمرفوع» و«كلّ مفعول منصوب» وهذا كاشف عن ارتباط السنخيّة بذواتالمسائل لا بالغرض المترتّب عليها.
وهذه السنخيّة كاشفة عن وجود موضوع واحد هو ملاكها، فالمناسبةالمتحقّقة بين «كلّ فاعل مرفوع» و«كلّ مفعول منصوب»، ترشدنا إلى وجودموضوع واحد يوجب العلقة بين المسألتين، ويبحث كلّ منهما عن عوارضه،وهو الكلمة والكلام.
هذا أجود طريق لإثبات وجود الموضوع للعلوم ووحدته.
فثبت ـ حتّى الآن ـ أمران من الاُمور الثلاثة المستفادة من كلام المحقّقالخراسانى المتقدّم نقله في أوائل البحث.
تعريف موضوع العلم
وأمّا الأمر الثالث، أعني تعريف موضوع العلم: فذهب المنطقيّون إلى أنّ
ج1
موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة(1).
وتبعهم غيرهم في ذلك.
ولابدّ لنا من البحث فيما هو المراد من العرض الذاتي أوّلاً، وفي عموميّة هذالتعريف بالنسبة إلى جميع العلوم ثانياً، فنقول مستعيناً باللّه:
إنّ المنطقيّين قسّموا الكلّي إلى خمسة أقسام:
النوع، الجنس، الفصل، العرض العامّ والعرض الخاصّ.
ويعبّر عن الأخيرين بالعرض وعن الثلاثة الاُولى بالذات والذاتيّات.
والعرض كما ينقسم إلى العامّ والخاصّ(2).
ينقسم بتقسيم آخر إلى اللازم والمفارق(3).
وبتقسيم ثالث إلى الذاتي والغريب.
ولا يرتبط ببحثنا إلاّ هذا التقسيم الأخير.
وتوضيح العرض الذاتي والغريب يحتاج إلى ذكر مقدّمة:
وهي أنّ للعرض صوراً ثمانية، لأنّ عروضه على الشيء قد يكون بلواسطة، كالزوجيّة بالنسبة إلى الأربعة(4)، وقد يكون بواسطة أمر داخلي، وهو
- (1) الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة 1: 30.
- (2) العرض الخاصّ هو الذي يختصّ بالمعروض ولا يعمّ غيره، والعامّ هو الأعمّ الشامل له ولغيره.م ح ـ ى.
- (3) العرض اللازم هو الذي يمتنع انفكاكه عن معروضه، والمفارق بخلافه، واللازم ينقسم إلى البيّنبالمعنى الأخصّ وبالمعنى الأعمّ وغير البيّن. ومن أراد تفصيل أقسام العرض اللازم والمفارق فليراجعالمنطق. م ح ـ ى.
- (4) إن قلت: زوجيّة الأربعة معلولة لانقسامها إلى متساويين.
قلت: الانقسام معنى الزوجيّة، لا علّة عروضها للأربعة، وإن أبيت إلاّ عن كونه واسطة وعلّة يمكن لنالتمثيل بنفس هذا الانقسام، فإنّ عروضه على الأربعة لا يحتاج إلى واسطة، لكونه لازماً لماهيّتها.منه مدّ ظلّه.