ج5
نقد كلام المحقّق الخراساني من قبل المحقّق النائيني رحمهماالله
واستشكل فيه المحقّق النائيني رحمهالله بقوله:
هذا الكلام بمكان من الغرابة، فإنّ إطلاق الكاشف بنفسه يكشف عنإمكان الإطلاق النفس الأمري وصحّة تشريع الحكم على وجه يعمّ المشكوكفيه، ولو كان التمسّك بالمطلقات والعمومات اللفظيّة مشروطا بإحراز إمكانالإطلاق النفس الأمري لانسدّ باب التمسّك بالمطلقات بالكلّيّة. إذ ما من مورديشكّ في التقييد إلاّ ويرجع إلى الشكّ في إمكان التقييد والإطلاق النفسالأمري، خصوصا على مذهب العدليّة: من تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسدالنفس الأمريّة، فإنّ الشكّ في كلّ قيد يلازم الشكّ في ثبوت المصلحة الموجبةللتقييد، وعلى تقدير ثبوتها في الواقع يمتنع الإطلاق النفس الأمري، فالشكّ فيكلّ قيد يرجع بالأخرة إلى الشكّ في إمكان الإطلاق الواقعي، فلو اعتبر فيالتمسّك بالإطلاقات اللفظيّة إحراز صحّة الإطلاق في عالم الجعل والتشريعيلزم عدم صحّة التمسّك بها في شيء من الموارد.
والحاصل: أنّ كلّ خطاب لفظي كما أنّه يكشف عن ثبوت الملاك والمناط،كذلك كلّ إطلاق لفظي يكشف عن ثبوت الإطلاق النفس الأمري، ففيما نحنفيه القدر الثابت من تقييد أدلّة المحرّمات هو ما إذا كان النهي عن الشيءمستهجنا بنظر العرف، لخروجه عن مورد الابتلاء، وفيما عدا ذلك من المواردالمشكوكة يؤخذ بظاهر الإطلاق ويستكشف منه إنّا عدم استهجان التكليففي مورد الشكّ، كما يستكشف من إطلاق قوله عليهالسلام : «اللّهمّ العن بني اُميّة
(صفحه108)
قاطبة»(1) عدم إيمان من شكّ في إيمانه من هذه الطائفة الخبيثة(2)، مع أنّ حكمالعقل بقبح لعن المؤمن لا ينقص عن حكمه بقبح تكليف من لا يتمكّن عادةً،فكما يجوز التمسّك بإطلاق اللعن لإخراج من شكّ في إيمانه عن كونه مؤمنا،كذلك يجوز التمسّك بإطلاق أدلّة المحرّمات لإدخال ما شكّ في خروجه عنمورد الابتلاء فيه(3)، إنتهى كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق النائيني في المقام
وفيه: أنّه لا يصحّ قياس سائر القيود بمسألة «الابتلاء» كي يقال: كما يصحّالتمسّك بإطلاق «أعتق رقبة» مثلاً عند الشكّ في تقييد «الرقبة» بالإيمان ولتتوقّف صحّة التمسّك بالإطلاق في الواجبات على إحراز المصلحة المطلقة وفيالمحرّمات على إحراز المفسدة المطلقة، كذلك يصحّ التمسّك بإطلاق مثل«اجتنب عن الخمر» عند الشكّ في تقييد الخمر بكونها مبتلى بها، ولا تتوقّفصحّته على إحراز المفسدة المطلقة.
وذلك لأنّ بين «الابتلاء» وسائرالقيود فرقا واضحا، وهو أنّ تقييدالتكاليف بـ «الابتلاء» عند العقلاء أمر ضروري متّصل بالكلام، فإنّ كلّ منوصل إليه التكليف لم يشكّ في كونه مقيّدا بـ «الابتلاء».
وهذا بخلاف «المصلحة» و«المفسدة» فإنّ تقييد الوجوب والحرمة بكون
- (1) بحار الأنوار 98: 292، الباب 24 باب كيفيّة زيارته«صلوات اللّه عليه» يوم عاشوراء، الحديث 1. وفيه«لعن اللّه بني اُميّة قاطبة». م ح ـ ى.
- (2) توضيح ذلك: أنّ قوله عليهالسلام : «لعن اللّه بني اُميّة قاطبة» يدلّ على جواز أو مطلوبيّة لعن بني اُميّة، خرج منذلك من كان مؤمنا منهم، لحكم العقل بقبح لعن المؤمن، وأمّا من شكّ في إيمانه منهم فنتمسّك بعمومقوله عليهالسلام : «لعن اللّه بني اُميّة قاطبةً» في حقّه، ونستكشف منه عدم كونه مؤمنا، إذ لو كان مؤمنا لكان لعنهقبيحا. م ح ـ ى.
ج5
متعلّقهما ذا مصلحة ومفسدة ليس من المسائل العرفيّة العقلائيّة.
بل مسألة تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد الواقعيّة في متعلّقاتها منالمسائل المختلفة العلميّة، فإنّ بعضهم ذهبوا إلى كون الأحكام ـ سواء كانتبعثيّة أو زجريّة ـ تابعة للمصالح المتحقّقة في نفس الأحكام والتكاليف،لا للمصالح والمفاسد المتحقّقة في متعلّقاتها.
وبالجملة: إنّ المصالح والمفاسد المرتبطة بمتعلّقات الأحكام ليست منالاُمور الواضحة عند العرف، بخلاف «الابتلاء» فإنّ العوامّ يدركون تقييدالتكاليف به فضلاً عن الخواصّ، ولأجل ذلك لو نهى المولى عبده عن ارتكابما خرج عن محلّ ابتلائه لكان عند العقلاء تكليفاً غير معقول.
فإذاقال المولى: «اجتنب عن الخمر» فكأنّه قال: «اجتنب عن الخمر بشرطكونها موردا لابتلائك» فكما لا يجوز التمسّك به فيما إذا شكّ في كون مائع خمركذلك لا يجوز فيما إذا شكّ في كون خمر محلاًّ للابتلاء، ولا فرق في ذلك بينالشبهة المصداقيّة والمفهوميّة فيما إذا اتّصل المخصّص بالكلام.
هذا تمام الكلام في هذه المسألة.
(صفحه110)
ج5
في الشبهة غير المحصورة
التنبيه الرابع: في الشبهة غير المحصورة
وقبل التكلّم حول أصل المسألة ينبغي تقديم أمرين:
الأوّل: أنّ البحث في جريان البراءة أو الاحتياط في الشبهات المحصورة أوغير المحصورة إنّما هو فيما إذا كان الحكم المعلوم بالإجمال مستفادا منالأمارات المعتبرة، كما إذا دلّ الخبر الواحد على وجوب صلاة في ظهر الجمعة،وشكّ في أنّه هل اُريد بها صلاة الظهر أو الجمعة.
وأمّا إذا علمنا إجمالاً بتكليف واقعي قطعي من جميع الجهات، بحيث ليرضى الشارع بعدم امتثاله أصلاً، فلا يجوز الترخيص لا في الشبهة المحصورةولا في الشبهة غير المحصورة، كما تقدّم(1).
الثاني: أنّه لا يصحّ ما فعله بعضهم من الاستدلال على عدم وجوبالاحتياط في الشبهات غير المحصورة بأنّ وجوبه يستلزم العسر والحرج، أوبأنّ المكلّف يضطرّ إلى ارتكاب بعض أطرافها، أو بأنّ كثيرا من أطرافهخارج عن محلّ الابتلاء.
وذلك لأنّ عدم وجوب الاحتياط عند العسر والحرج أو الاضطرار إلىارتكاب بعض الأطراف أو خروج بعضها عن محلّ الابتلاء(2) لا يختصّ
- (1) راجع مبحث الاشتغال ص38.
- (2) هذا مبنيّ على أنّ تأثير العلم الإجمالي مشروط بكون جميع أطرافه محلاًّ للابتلاء كما هو المشهور، وأمّبناء على ما اختاره الاُستاذ المعظّم«مدّ ظلّه» تبعا للإمام الخميني ـ من أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء لينافي تأثير العلم الإجمالي في فعليّة التكليف ـ فلا يكاد يكون دليلاً على عدم وجوب الاحتياط فيموارد العلم الإجمالي. م ح ـ ى.