هذا حاصل ما أفاده الإمام«مدّ ظلّه».
هذا كلّه بحسب حكم العقل.
ربما يقال بجريان أصالة الطهارة فيه، وذلك لأنّ طهارة الملاقي ـ بالكسر ونجاسته مسبّبتان من طهارة الملاقى ـ بالفتح ـ ونجاسته، ولو جرى أصل فيالسبب لكان حاكما على الأصل الجاري في المسبّب، وأمّا إذا لم يجر الأصلالسببي ـ كما في المقام، لأجل ابتلائه بالمعارض(3) ـ فلا منع من جريان الأصل
أمّا لزوم المخالفة القطعيّة: فلأنّ إجراء أصالة الطهارة في كلا الإنائين وارتكابهما يستلزم ارتكاب النجسالواقعي المعلوم بالإجمال، وأمّا لزوم التناقض في أدلّة الاُصول: فلأنّ قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف حتّىتعلم أنّه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك» ـ وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة،الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 4 ـ لو عمّ ما نحن فيه لكان بين صدره وذيله تناقض بيّن؛ لأنّالمغيّى يدلّ على طهارة كلّ من الإنائين، والغاية تدلّ على نجاسة أحدهما، لكونه معلوماً. م ح ـ ى.
المسبّبي.
ملاك حكومة الأصل السببي على المسبّبي
وفيه: أنّا لا نسلّم توقّف جريان الأصل في الملاقي ـ بالكسر ـ على عدمجريانه في الملاقى ـ بالفتح ـ وذلك لأنّ حاكميّة الأصل الشرعي الجاري فيالسبب على الأصل الجاري في المسبّب إنّما هي بملاك السببيّة الشرعيّة،ضرورة أنّ التعبّد ببقاء الموضوع إنّما هو لأجل ترتّب آثاره الشرعيّة.
فلو كان المسبّب من الآثار الشرعيّة للسبب لكان الأصل الجاري في الثانيحاكما على الجاري في الأوّل، كما إذا شككنا في بقاء كرّيّة ماءٍ ثمّ غسلنا فيهثوبنا النجس، فهاهنا لا يجري استصحاب نجاسة الثوب، لأنّ استصحابكرّيّة الماء أصل سببي يترتّب عليه آثاره الشرعيّة التي منها كونه مطهّرا،فالتعبّد بالسبب هاهنا يزيل الشكّ عن ناحية المسبّب.
وأمّا إذا لم يكن بينهما سببيّة شرعيّة فصرف السببيّة والمسبّبيّة لا تقتضيالحكومة، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ وإنكانت من الآثار الشرعيّة لنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ إلاّ أنّ طهارته ليست أثرشرعيّاً لطهارته، لأنّه كان طاهرا ولو لم تتحقّق الملاقاة.
وبالجملة: تجري أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ سواء جرت في الملاقىـ بالفتح ـ أم لا، فالقول بعدم جريانها في الملاقي لو فرض جريانها في الملاقىغير تامّ.
نعم، لو فرض جريان استصحاب النجاسة في ناحية السبب لكان مانعا من
ج5
جريان أصالة الطهارة في ناحية المسبّب، لأنّ نجاسة السبب يؤثّر شرعا فينجاسة المسبّب، فلا مجال لجريان أصالة الطهارة فيه.
إشكال وجواب
ثمّ إنّ هاهنا شبهة استصعب حلّها بناءً على كون طهارة الملاقي من آثارطهارة الملاقى، وهي أنّ في المقام مسألتين:
أ ـ طهارة الملاقي التي هي مسبّبة عن طهارة الملاقى.
ب ـ حلّيّته التي هي مسبّبة عن طهارة نفسه.
فهاهنا في بادئ النظر اُصول ستّة، إذ يتصوّر في كلّ من الملاقي والملاقىوالطرف الآخر أصالة الطهارة وأصالة الحلّيّة.
وهذه الاُصول الستّة وقعت في ثلاث رتب:
ففي الرتبة الاُولى أصلان: أصالة الطهارة في الملاقى ـ بالفتح ـ والطرفالآخر، وهما تتعارضان وتتساقطان، لأنّ جريانهما يستلزم الترخيص فيالمخالفة القطعيّة العمليّة والتناقض في أدلّة الاُصول.
وفي الرتبة الثانية ثلاثة اُصول: أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ وأصالةالحلّيّة في الملاقى ـ بالفتح ـ وأصالة الحلّيّة في الطرف الآخر.
ووجه كون هذه الاُصول الثلاثة في رتبة واحدة أنّ الشكّ في الحلّ والحرمةفي طرفي العلم الإجمالي وهما الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف الآخر مسبّب عنالشكّ في طهارتهما ونجاستهما، والشكّ في طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ أيضاً مسبّبعن الشكّ في طهارة الملاقى ـ بالفتح ـ فهذه الاُصول الثلاثة تكون في رتبةواحدة متأخّرة عن رتبة أصالتي الطهارة في الطرفين المتساقطتين بالتعارض،فتتعارض هذه الاُصول أيضاً وتتساقط.