(صفحه440)
فقاعدة «الضرر» ترفع هذا الاستحقاق، وله نظائر في الفقه، ألا ترى أنّا لو قلنبوجوب مقدّمة الواجب وكانت المقدّمة ضرريّة فلابدّ إمّا من القول بعدممقدّميّتها في هذا الحال أو بعدم وجوب ذيها، وأمّا سقوط وجوب المقدّمةدون وجوب ذيها مع بقاء المقدّميّة فغير معقول.
إن قلت: هذا منقوض برفع دليل «الضرر» اللزوم في العقد الغبني دونالصحّة مع كون اللزوم متفرّعاً عليها.
قلت: إنّ اللزوم وإن كان مترتّباً على الصحّة، إلاّ أنّه لا يكون معلولاً لهوإلاّ لزم لزوم جميع المعاملات الصحيحة، فالصحّة واللزوم حكمان مستقلاّنملاكاً ودليلاً، ولا علّيّة بينهما، بخلاف جواز الدخول بلا استئذان، فإنّه مع كونهمترتّباً على استحقاق إبقاء العذق يكون من آثاره، فالضرر معلولالاستحقاق.
كما أنّ وجوب المقدّمة أيضاً على القول به معلول لوجوب ذيها، فالضررمعلول لوجوبه، لأنّه علّة العلل، فالحديث يرفعه(1).
هذا حاصل ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله في المقام.
نقد جوابه الأوّل عن الإشكال
ويرد على جوابه الأوّل أنّ الظاهر من الرواية هو كون «لا ضرر»علّة للأمر بالقلع، لا لوجوب الاستئذان، لأجل الفصل الطويل بينهما، فإنّهقال بعد إحضار سمرة وإخباره بقول الأنصاري وما شكا: «إذا أردتالدخول فاستأذن، فأبى فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ من الثمن ما شاء اللّه(2)،
- (1) منية الطالب في حاشية المكاسب 2: 209.
- (2) جملة «حتّى بلغ من الثمن ما شاء اللّه» تدلّ على مكالمة طويلة ومقاولة كثيرة لم تُذكر في الرواية.منه مدّ ظلّه.
ج5
فأبى أن يبيع، فقال: لك بها عذق يمدّ لك في الجنّة، فأبى أن يقبل،فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله للأنصاري: اذهب فاقلعها وارمِ بها إليه، فإنّه لا ضررولا ضرار».
وهذا كما ترى ظاهر غاية الظهور في كونه علّة للأمر بالقلع.
بل لا يصحّ حمله على كونه علّة لوجوب الاستئذان، لأنّ وجوبه المستفادمن قوله: «فاستأذن» إنّما يكون في ضمن مقاولته صلىاللهعليهوآله سمرة، ثمّ بعدما ساومهبكلام طويل، أعرض عنه وأقبل الأنصاري وقال له مستأنفاً: «اذهب فاقلعهوارمِ بها إليه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار» فكيف يمكن أن يكون هذا الكلامالمستقلّ مع الأنصاري تعليلاً لوجوب الاستئذان المستفاد من كلام مستقلّ معسمرة مع هذا الفصل الطويل، وهل هذا إلاّ الخروج عن طريق المحاورة وقانونالتكلّم؟!
على أنّ الإصرار على الإضرار بالغير لا يوجب سقوط احترام مال المصرّبالكلّيّة، وإن كان للسلطان أن يأمر بالقلع، حسماً لمادّة الفساد.
ألا ترى أنّه لم يجز قلع نخلة سمرة لغير الأنصاري من المسلمين، وأيضاً لميجز أن يتصرّف فيها بعد القلع إلاّ سمرة، مع أنّه لو كان الإصرار على الإضراربالغير موجباً لسقوط احترام مال المصرّ بالكلّيّة لجاز لكلّ مسلم التصرّف فيالنخلة قبل القلع وبعده بأيّ تصرّف شاء.
فالأمر بالقلع أمر حكومتي لحسم مادّة الفساد، لا لسقوط احترام مالالمصرّ بالإضرار وانتقاض قاعدة حرمة مال المسلم.
وبالجملة: لا يناسب كون «لا ضرر» تعليلاً للأمر بالاستئذان، كما اختارهالمحقّق النائيني رحمهالله .
(صفحه442)
نقد جوابه الثاني عن الإشكال
ويرد على جوابه الثاني أوّلاً: أنّ عدّ قاعدة حرمة مال المسلم من فروعقاعدة «السلطنة» ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه، فإنّهما قاعدتان مستقلّتان عنوانومفهوماً ودليلاً، فإنّ قاعدة «السلطنة» عبارة عن سلطنة المالك على التصرّففي ماله، وعلى منع غيره منه، وهذه قاعدة عقلائيّة قد أمضاها الشارعوأنفذها بقوله في النبوي المشهور: «الناس مسلّطون على أموالهم»(1).
وقاعدة «حرمة مال الغير» عبارة عن حرمة تصرّف غير المالك بلا إذنمنه، وهذه قاعدة عقلائيّة اُخرى قد أمضاها الشارع أيضاً، والدليل عليهكثير: منه قوله صلىاللهعليهوآله : «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معصيةاللّه، وحرمة ماله كحرمة دمه»(2).
وبالجملة: إنّهما متغايرتان مفهوماً: فإنّ الموضوع في قاعدة «السلطنة» هوالمالك، وفي قاعدة «حرمة مال الغير» هو الأجنبيّ، ودليلاً: فإنّ دليل الاُولىقوله صلىاللهعليهوآله : «الناس مسلّطون على أموالهم» ودليل الثانية قوله صلىاللهعليهوآله : «حرمة مالالمؤمن كحرمة دمه»، كما أنّهما متغايرتان عنواناً، وهو واضح.
فعدّ إحداهما من فروع الاُخرى في غير محلّه.
وممّا ذكرنا يعلم أنّ تفسير احترام مال المسلم بسلطنة المالك على منع غيرهمن التصرّف في ماله ـ كما فعله المحقّق النائيني رحمهالله ـ أيضاً في غير محلّه.
والشاهد على هذا أنّ قاعدة «حرمة المال» جارية في مال الصغير أيضاً،فلا يجوز للأجنبيّ أن يتصرّف فيه، مع عدم جريان قاعدة «السلطنة» فيه، إذ
- (1) بحار الأنوار 2: 272، كتاب العلم، الباب 33، باب ما يمكن أن يستنبط من الآيات والأخبار من متفرّقاتمسائل اُصول الفقه، الحديث 7.
- (2) وسائل الشيعة 29: 20، كتاب القصاص، الباب 3 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.
ج5
لا يجوز للصغير أيضاً أن يتصرّف في ماله.
فحكومة دليل نفي الضرر على قاعدة «السلطنة» غير مربوطة بقاعدة«حرمة مال المسلم».
وثانياً: أنّ القول بانحلال قاعدة «السلطنة» إلى أمر وجودي وسلبي عقلغريب، فإنّها كما لا تكون مركّبة من حكمين، لا تنحلّ أيضاً إلى جزئينعقليّين، بل هي بسيطة، ومعناها تسلّط المالك على ماله، والكثرة إنّما هي فيمتعلّقها، فنقول: «المالك مسلّط على ماله: بالتصرّف فيه بما يشاء، وبمنع الغيرمن التصرّف فيه» فالسلطنة على منع الغير من أنحاء سلطنته على مالهومتعلّقاتها، فلا انحلال.
سلّمنا، لكنّ السلطنة على منع الغير ليست أمراً سلبيّاً، ولو كان متعلّقهـ وهو منع الغير ودفعه ـ سلبيّاً، والحال أنّ متعلّقها أيضاً ليس بسلبي، فإنّ المنعوالدفع أمر وجودي لا سلبي كما هو واضح.
وثالثاً: أنّه يلزم على ما ذهب إليه هذا المحقّق الكبير في معنى الرواية(1) أنّهلو كان لأحد من المسلمين دار في زماننا هذا وكان طريقه إليها في جوف منزلشخص آخر وكان يدخل فيه بلا استئذان وأبى عن الاستئذان لجاز لهذالشخص هدم داره ورميها إليه باستناد حديث «لا ضرر»، لأنّ الضرر وإنكان لأجل الدخول بلا استئذان إلاّ أنّ جواز الدخول بلا استئذان معلول مناستحقاق بقاء داره في ذلك المكان ـ على ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله فدليل نفي الضرر رافع لعلّة العلل، وهو حقّ إبقاء الدار، فيجوز هدمها،ولا أظنّ أنّه رحمهالله يلتزم بمثل هذا مع كونه نظير قصّة سمرة مع الأنصاري.
ورابعاً: أنّا لا نسلّم كون حقّ الطريق معلولاً لاستحقاق إبقاء الملك في
- (1) أي كون النبيّ صلىاللهعليهوآله في مقام بيان حكم اللّه تعالى. م ح ـ ى.
(صفحه444)
مكانه، ألا ترى أنّ زيداً لو اشترى أرضاً من عمرو، وكانت في وسط أراضيه،وقال عمرو: إنّي لم أبعه الطريق، وصدّقه زيد، إلاّ أنّه ادّعى تبعيّة حقّ الطريقلملكيّة الأرض، لم يكن مسموعاً، بل يلزمه اشتراء الطريق مستقلاًّ، وكذا لوكان سمرة بن جندب وهب نخلته لزيد دون حقّ طريقها وصرّح بذلك، كانتالهبة صحيحة، وصار زيد مالكاً لها، ولكنّه لا يجوز له الدخول في منزلالأنصاري لوصوله إليها والتصرّف فيها إلاّ بعد اشتراء الطريق واستحقاقه له.
هذا أوضح شاهد على عدم ترتّب حقّ الطريق على استحقاق إبقاء الملكفي مكانه وعدم معلوليّته له، بخلاف وجوب المقدّمة، فإنّه ـ بناءً على الملازمة معلول لوجوب ذي المقدّمة.
فحديث نفي الضرر لا يرفع إلاّ جواز دخول سمرة بلا استئذان، لأنّهموجب للضرر على الأنصاري من دون أن يكون معلولاً لاستحقاق إبقاءنخلته في البستان، فلِمَ أمر رسول اللّه صلىاللهعليهوآله بقلعها والرمي بها إليه، معلّلاً بحكم اللّهتعالى: «لا ضرر ولا ضرار» على ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله ؟
وأمّا على ما ذهبنا إليه: من كون «لا ضرر ولا ضرار» حكماً صادراً منمقام سلطنة النبيّ صلىاللهعليهوآله تعليلاً لحكم سلطاني آخر، وهو «فاقلعها وارم بها إليه»فالحديث حاكم على قاعدة «السلطنة» في خصوص قصّة سمرة، فإنّ القاعدةتدلّ على سلطنة المالك على منع تصرّف الغير في ماله، وهذا الحديث يرفعهذه السلطنة في خصوص قصّة سمرة بالنسبة إلى قلع الأنصاري النخلةوالرمي بها إليه فقط من دون تصرّف آخر فيها.
فقوله صلىاللهعليهوآله : «لا ضرر ولا ضرار» حكم سلطاني صادر عن النبيّ صلىاللهعليهوآله حاكمعلى قاعدة السلطنة المستفادة من قوله صلىاللهعليهوآله : «الناس مسلّطون على أموالهم».
لكنّه لا يكون حاكماً على سائر أدلّة الأحكام الأوّليّة، فالاستدلال به على