مستقلّة لم يخلّ ورود الإشكال وعدم إمكان الجواب عنه، بالاستدلالبالحديث على قاعدة «لا ضرر».
ولكن هذا الإشكال مندفع على ما اخترناه في معنى الرواية.
توضيح ذلك: أنّ الحديث لو كان في مقام بيان حكم اللّه تعالى ـ سواء كانحكماً ثانويّاً نافياً للأحكام الضرريّة، أو بمعنى النهي الإلهي كما اختاره شيخالشريعة ـ لما أمكن الجواب عن الإشكال، لأنّ حكم اللّه تعالى يعمّ جميعالمسلمين حتّى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، فالحكم الإلهي ـ أعني «لا ضرر ولا ضرار» كما يمنع سمرة بن جندب عن الإضرار بالأنصاري، كذلك يمنع رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عن الإضرار بسمرة، ولكنّه إذا كان حكماً صادراً عنه صلىاللهعليهوآله بما أنّه سلطانوحاكم على الاُمّة فلا إشكال فيه، إذ الحكم لا يعمّ الحاكم، لأنّه صادر عنمقام السلطنة والحكومة، والحاكم لا يعقل أن يكون حاكماً على نفسه، بل هوحاكم على الرعيّة فقط، فحكم النبيّ صلىاللهعليهوآله بقلع الشجرة والرمي بها إلى سمرة وإنكان موجباً للإضرار به، إلاّ أنّه لا يستلزم محذوراً أصلاً.
نعم، لا يجوز للسلطان أن يحكم على الرعيّة اتّباعاً لنفسه، بل لابدّ مناشتمال حكمه على مصلحة كما في هذه القصّة، فإنّه صلىاللهعليهوآله أمر بقلع الشجرة ورميهإلى سمرة ليرى(1) المسلمون تبعة الظلم وعاقبة الطغيان والتخلّف عن حكمالسلطان، فلا يظلمون على الغير ولا يخالفون حكم السلطان.
فلا إشكال في الحديث على المعنى المختار، بخلاف ما ذهب إليه الشيخالأنصاري رحمهالله وباقي الفقهاء في معناه، فإنّ الإشكال وارد على كلّهم وليتمكّنون عن جوابه.
وبطلان غيره من المعاني التي اختارها العلماء.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في دفع الإشكال
ولقد تصدّى المحقّق النائيني رحمهالله للجواب عنه بوجهين:
الأوّل: أنّ «لا ضرر ولا ضرار» ليس علّة للقلع، بل علّة لوجوبالاستئذان، وإنّما أمر بالقلع لسقوط احترام ماله بإصراره على الإضرار، فأمربه من باب السلطنة والولاية العامّة، حسماً للفساد.
الثاني: أنّه لو سلّمنا علّيّته للقلع، إلاّ أنّه لا ينافي القواعد، لحكومة «لضرر» على قاعدة السلطنة التي من فروعها احترام مال المسلم الذي هوعبارة عن سلطنة المالك على منع غيره من التصرّف في ماله.
إن قلت: قاعدة السلطنة مركّبة من أمر وجودي هو كون المالك مسلّطعلى التصرّف في ماله بما يشاء، وأمر سلبي هو سلطنته على منع غيره منه،والضرر يرد على الأنصاري من تصرّف سمرة في ماله بما يشاء، لا من منعالأنصاري عن قلع عذقه، فلابدّ من أن يرفع بدليل «الضرر» ما هو موجبللضرر على الأنصاري، وليس إلاّ دخوله بلا استئذان، لا كون ماله محترماً.
قلت: هذا التركيب انحلالي عقلي، لا أنّها مركّبة من حكمين، فلا معنىلحكومة «لا ضرر» على أحد الجزئين.
على أنّ الدخول بلا استئذان وإن كان هو الجزء الأخير من علّة الضرر، إلأنّه متفرّع على إبقاء النخلة، فالضرر نشأ من علّة العلل، فينفي حقّ الإبقاء،لأنّ سمرة لم يكن مالكاً إلاّ للنخلة، وله حقّ إبقائها في البستان، وهذا علّةلجواز الدخول بلا استئذان، فلو كان المعلول مستلزماً للضرر فدليل الضرررافع لعلّته، لأنّ الضرر في الحقيقة نشأ من استحقاق سمرة لإبقاء عذقه،
(صفحه440)
فقاعدة «الضرر» ترفع هذا الاستحقاق، وله نظائر في الفقه، ألا ترى أنّا لو قلنبوجوب مقدّمة الواجب وكانت المقدّمة ضرريّة فلابدّ إمّا من القول بعدممقدّميّتها في هذا الحال أو بعدم وجوب ذيها، وأمّا سقوط وجوب المقدّمةدون وجوب ذيها مع بقاء المقدّميّة فغير معقول.
إن قلت: هذا منقوض برفع دليل «الضرر» اللزوم في العقد الغبني دونالصحّة مع كون اللزوم متفرّعاً عليها.
قلت: إنّ اللزوم وإن كان مترتّباً على الصحّة، إلاّ أنّه لا يكون معلولاً لهوإلاّ لزم لزوم جميع المعاملات الصحيحة، فالصحّة واللزوم حكمان مستقلاّنملاكاً ودليلاً، ولا علّيّة بينهما، بخلاف جواز الدخول بلا استئذان، فإنّه مع كونهمترتّباً على استحقاق إبقاء العذق يكون من آثاره، فالضرر معلولالاستحقاق.
كما أنّ وجوب المقدّمة أيضاً على القول به معلول لوجوب ذيها، فالضررمعلول لوجوبه، لأنّه علّة العلل، فالحديث يرفعه(1).
هذا حاصل ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله في المقام.
نقد جوابه الأوّل عن الإشكال
ويرد على جوابه الأوّل أنّ الظاهر من الرواية هو كون «لا ضرر»علّة للأمر بالقلع، لا لوجوب الاستئذان، لأجل الفصل الطويل بينهما، فإنّهقال بعد إحضار سمرة وإخباره بقول الأنصاري وما شكا: «إذا أردتالدخول فاستأذن، فأبى فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ من الثمن ما شاء اللّه(2)،
- (1) منية الطالب في حاشية المكاسب 2: 209.
- (2) جملة «حتّى بلغ من الثمن ما شاء اللّه» تدلّ على مكالمة طويلة ومقاولة كثيرة لم تُذكر في الرواية.منه مدّ ظلّه.