فلابدّ من البحث في مفاد صحيحة أبي بصير أوّلاً، وفي مفاد صحيحة زرارةثانياً، وملاحظة النسبة بينهما ثالثاً حتّى يتبيّن الحقّ من بينهما.
والمحقّق الحائري اليزدي رحمهالله قال في كتاب صلاته: لا تتحقّق الزيادة فيالصلاة إلاّ بركعة فما زاد، لأنّ الزيادة لابدّ من أن تكون من سنخ المزيد عليه،والأقلّ من الركعة لا يكون معنوناً بعنوان الصلاة، فلا يكون زيادة فيها، كما إذقلنا: «زاد اللّه في عمرك» تكون الزيادة من سنخ المزيد عليه، أي تكون عمراً،كالمزيد عليه(3).
نقد ما أفاده المحقّق الحائري رحمهالله في المقام
لكنّه لا يتمّ عندنا، فإنّ الشيء إن كان بسيطاً ـ كالعمر الذي مثّل به ـ فلابدّفي تحقّق الزيادة من أن يكون زيادته من سنخه ومعنونةً بعنوانه، وأمّا إذا كانمركّباً ـ كالصلاة ـ لا يشترط في تحقّق الزيادة العرفيّة أن تكون معنونةً بعنوانه،
بل لو كان من سنخ بعض أجزائه ـ كثاني الركوعين في الصلاة ـ تتحقّق الزيادةالعرفيّة، بل قد تتحقّق بإتيان شيء أجنبيّ، كالتكتّف والتأمين بقصد الصلاتيّة،فكما أنّ الزيادة العرفيّة تتحقّق بإتيان ركعة فما زاد، كذلك تتحقّق بتكرارالجزء أو بإتيان أمر أجنبيّ عن الصلاة.
نعم، لابدّ في صدق الزيادة من إتيانها بقصد الصلاتيّة.
وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من تعليل عدم جواز قراءة العزائم فيالصلاة، بأنّ المكلّف لو قرأ هذه السور فلابدّ له من السجود عقيب آيةالسجدة، وهو زيادة في المكتوبة(1).
فمحمول على الزيادة الحكميّة، أي كما أنّ الزيادة مبطلة للصلاة وموجبةللإعادة، هذه السجدة أيضاً مبطلة لها، وإن لم تصدق عليها الزيادة واقعاً، لعدمقصد الصلاتيّة بها.
البحث الثاني: في مفاد حديث «لا تعاد»
ويقع النزاع فيه من جهات ثلاث:
في شمول حديث «لا تعاد» العامد العالم
الجهة الاُولى: أنّ هذا الخبر هل يعمّ العامد العالم أم لا؟
ولابدّ هاهنا من البحث في مقامين:
الأوّل: مقام الثبوت وإمكان أن يعمّ الحديث العامد العالم.
الثاني: مقام الإثبات وظهور الحديث في الشمول بعد فرض إمكانه.
أمّا المقام الأوّل: فقيل: لا يمكن أن يعمّ الخبر العامد العالم، لأنّ الشارع
- (1) وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، الباب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 1.
ج5
جعل الجزئيّة لفاتحة الكتاب مثلاً بقوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» فلو عمّقوله: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة» ترك الفاتحة، سواء كان عن غفلة ونسيانأو عن عمدٍ وعلم لكان جعل الجزئيّة لها لغواً.
لكن يدفع إشكال اللغويّة بأنّه يمكن أن تكون الصلاة المشتملة على الفاتحةذات مصلحة لازمة الاستيفاء، ولهذه الجهة جعل لها الجزئيّة، وإذا تركهالمكلّف في صلاته عالماً عامداً يمكن أن يحصل له مصلحة أضعف من المصلحةالتي تترتّب على الصلاة التامّة وأن لا يكون له مجال لتحصيل باقي المصلحةبالإعادة لجهة لا نعلمها، فهذا الشخص يستحقّ العقوبة، لأنّه بتركه الفاتحةعمداً ترك المصلحة الملزمة، مع أنّه لا يتمكّن من تداركها بالإعادة، فإنّالصلاة الناقصة التي أتى بها مانعة من تداركها بالإعادة، فلا يرد إشكال علىجعل الجزئيّة للفاتحة مع شمول حديث «لا تعاد» العامد العالم.
وأمّا المقام الثاني: فالظاهر أنّ الحديث لا يعمّه وإن كان يمكن عقلاً أنيعمّه، وذلك لنكتة أفادها سيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله في محاضراته الفقهيّة،وأشار إليها المحقّق الحائري في صلاته، وهي أنّ لـ «الإعادة» خصوصيّة عندالعرف بلحاظها لا تشمل العامد إثباتاً ونفياً، فإنّ مَن أراد إقامة صلاةصحيحة، لكنّه ترك الفاتحة مثلاً لأجل النسيان ونحوه، له أن يسأل عنوجوب الإعادة عليه وعدمه، بخلاف من تركها عالماً عامداً، فإنّه لا مجال لهأن يسأل عن وجوب وعدم وجوب الإعادة عليه، لأنّه لم يقصد الامتثال ولميرد الإتيان بصلاة صحيحة من أوّل الأمر كي يصحّ هذا السؤال من قبله، فلتعمّ الإعادة العامد العالم إثباتاً ونفياً.
البحث حول ما يدخل من حالات المكلّف تحت الحديث وما يخرج