ج5
الاحتمالي لصلاة الظهر(1)، إنتهى موضع الحاجة من كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
وفيه: أنّه لا يتقدّم الامتثال التفصيلي على الإجمالي عندنا، فيجوز الاحتياطمع التمكّن من الامتثال التفصيلي ولو كان علميّاً، فضلاً عن كونه ظنّيّاً، فقدمرّ(2) آنفاً أنّه يجوز الاحتياط بإتيان الصلاة في الثياب المتعدّدة التي علمبنجاسة أحدها مع التمكّن من غسل أحدها والصلاة فيه، وهذا تقديم للامتثالالإجمالي على الامتثال التفصيلي العلمي.
وأمّا قوله رحمهالله بأنّ معنى حجّيّة الأمارة هو إلغاء احتمال خلاف مؤدّاها فيمقام العمل، فهو أيضاً باطل، لأنّ دليل حجّيّتها لا يوجب إلاّ العمل بمؤدّاها،سيّما بناء العقلاء الذي كان أهمّ أدلّة حجّيّتها، لأنّ الأدلّة اللفظيّة لو احتملدلالتها على لزوم إلغاء احتمال الخلاف، لا يمكن هذا الاحتمال في بناء العقلاء،لأنّ بنائهم لا يكون إلاّ عملهم بقول الثقة، فمن أين يستفاد لزوم إلغاء احتمالالخلاف؟!
سلّمنا، ولكنّه لا فرق في عدم الإلغاء بين تقديم ما قامت الحجّة على خلافهوبين تأخيره، إذ في كليهما لم يُلغَ احتمال الخلاف في مقام العمل، فلابدّ من تركهرأساً، ولا يتمّ قوله رحمهالله بسقوط دليل حجّيّة الأمارة بمجرّد الإتيان بما يقتضيه،فلا مانع من الاحتياط بعده، وذلك لأنّ دليل الحجّيّة لو اقتضى أمرين:أحدهما: لزوم العمل على مؤدّى الأمارة، والثاني: لزوم إلغاء احتمال الخلافعملاً، فبإتيان صلاة الجمعة في المثال سقط دليل الحجّيّة بالنسبة إلىالأمر
- (1) فوائد الاُصول 4: 265.
(صفحه338)
الأوّل من الأمرين اللذين اقتضاهما، لا بالنسبة إلى الأمر الثاني.
لكنّ الحقّ في معنى حجّيّة الأمارات هو لزوم العمل على مقتضاها فقط، للزوم إلغاء احتمال الخلاف.
هذا تمام الكلام في باب الاحتياط، وثبت أنّه لا يعتبر في حسنه شيء، بلبمجرّد تحقّق الموضوع أعني عنوان «الاحتياط» يحكم العقل بحسنه.
ج5
(صفحه340)
في توقّف إجراء البرائة على وجوب الفحص
القول فيما يعتبر في جريان البراءة
وجوب الفحص في البراءة العقليّة
يتوقّف حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان في الشبهات الحكميّة على الفحصعن الدليل على الحكم الواقعي.
واستدلّ عليه بالأدلّة الأربعة:
الدليل العقلي على وجوب الفحص
أمّا العقل: فهو أنّ المراد بـ «البيان» وإن كان هو البيان الواصل ـ ضرورةأنّ المولى لو كتب وظائف عبده في ورقة وأرسلها إليه، لكنّها ضلّت في الطريققبل أن تصل إلى العبد، فلا يجوز للمولى عقابه على ترك تلك الوظائف، لأنّالبيان وإن صدر من قبل المولى لكنّه حيث لم يصل إلى العبد يحكم العقل بقبحعقابه على ترك الامتثال ـ إلاّ أنّ الوصول في الأحكام المتوجّهة إلى عامّةالناس لا يتوقّف على إعلام كلّ واحد من آحاد المكلّفين على حدة، بلللوصول في هذه الأحكام طرق مألوفة بين العقلاء، فإنّ القوانين المصوّبة فيالسلطة التشريعيّة إذا دوّنت وكتبت في الجرائد الرسميّة وانتشرت في الأخبارمن طريق الإذاعة والتلفاز، صدق عليها أنّها وصلت إلى الناس، ولا تسمع
ج5
دعوى من خالفها معتذراً بعدم العلم بها.
وكذلك الأمر في الأحكام الشرعيّة، فإنّها ـ بعد تشريعها من قبل اللّه تعالىووحيها إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله وتبيين ما كان مجملاً منها من قبل أوصيائه عليهمالسلام وإيصالهم عليهمالسلام إيّاها إلى الفقهاء(1) الذين كانوا بصدد كتابتها لمسلمي العصورالمتأخّرة ـ دوّنت في الاُصول الأوّليّة الكثيرة(2) المشتملة على كلمات الأئمّةالمعصومين عليهمالسلام .
ثمّ انتقلت منها إلى الاُصول الثانويّة، كالكتب الأربعة، ومنها إلى سائرالمجاميع الروائيّة، كوسائل الشيعة ومستدرك الوسائل.
فيصدق على الأحكام المندرجة في الكتاب وفي أحاديث الكتب الأربعةوسائر الاُصول المعتمدة التي بأيدينا أنّها بيان واصل.
فإذا شككنا مثلاً في وجوب شيء وعدمه فلا يجوز التمسّك بأصالة البراءةإلاّ بعد الفحص عن الدليل وعدم وجدانه في مظانّه كي يكون العقاب علىتركه ـ على فرض وجوبه واقعاً ـ عقاباً بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان.
دليل مَن أنكر وجوب الفحص في إجراء البراءة
وربما يستدلّ على عدم لزوم الفحص بأنّ البعث والزجر ما لم يكن معلوملا يصلح لأن يكون محرّكاً وباعثاً إلى المأمور به أو مانعاً وزاجراً عن المنهيّعنه(3).
- (1) كـ «زرارة، ومحمّد بن مسلم، وأبي بصير، وغيرهم» الذين كانوا يسألون الأئمّة عليهمالسلام عن مسائل لم يكونويبتلون بها نوعاً، بل كان غرضهم فهم أحكامها وكتابتها لتنتقل إلى العصور المتأخّرة عنهم. منه مدّ ظلّه.
- (2) واشتهرت بالاُصول الأربعمائة. م ح ـ ى.
- (3) ولذلك لو كان البعث أو الزجر متحقّقاً في الواقع لكنّ العبد كان جاهلاً به أو قاطعاً بعدمه لم يتحقّق منهالتحرّك والانبعاث أو الامتناع والانزجار، مع أنّ الباعثيّة والزاجريّة لو كانت مستندة إلى صرف البعثوالزجر لم يكن بين العلم به والجهل به والعلم بعدمه فرق. منه مدّ ظلّه.