وشيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله عبّر عن الشبهة الموضوعيّة بأن يكونالمأمور به مفهوماً مبيّناً، ومصداقه مردّداً بين الأقلّ والأكثر(2).
ولا بأس بهذا التعبير، فإنّ مصداق الشيء يكون تمام ذلك الشيء، مثل«زيد» الذي هو مصداق الإنسان وتمامه، لكنّه رحمهالله مثّل بمثالين لا إشكال فيأوّلهما، واستشكل الأكابر في ثانيهما.
أو ناقص(1) ـ وفرض أنّ المأمور به صوم مجموع الشهر من حيث هو مجموع،بحيث لو ترك المكلّف صوم يوم واحد منه لم يمتثل أصلاً، وكان الصوم فيالأيّام الاُخر كالمعدوم ـ فإنّ الشهر مفهوم مبيّن، وهو ما بين الهلالين،ومصداقه مردّد بين ثلاثين وبين تسعة وعشرين، لأجل الشكّ في رؤية الهلالوعدمها، وبيان الرؤية ليس وظيفة الشارع.
والمثال الثاني: ما إذا أمر بالطهور لأجل الصلاة، أعني الفعل الرافعللحدث أو المبيح للصلاة، فشكّ في جزئيّة شيء للوضوء والغسل الرافعين(2).
وناقش العلماء في هذا المثال بأنّه من قبيل الشكّ في المحصّل، لا من قبيلالشبهة الموضوعيّة التي هي محلّ البحث.
لكنّ المناقشة غير صحيحة، فإنّه رحمهالله عنى بالطهور نفس الفعل الرافعللحدث كما صرّح به في كلامه، والفعل الرافع هو نفس الوضوء والغسل،فالمأمور به يكون مردّداً بين الأقلّ والأكثر، لا أنّه مسبّب ممّا يردّد بينهما.
نعم، لو قيل: إنّ الطهور هي الطهارة النفسانيّة التي في مقابل الحدثالمتحصّلة من الوضوء والغسل، لكان هذا المثال من قبيل الشكّ في المحصّل،لكنّه لم يرد من الطهور هذا المعنى، فلا يرد عليه الإشكال في هذا المثال(3).
وكيف كان، فما مقتضى حكم العقل في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر فيالشبهة الموضوعيّة؟
تنبيه
- (3) وما ذكره الاُستاذ«مدّ ظلّه» في دفع الإشكال صحيح متين، لكن يمكن المناقشة في هذا المثال بوجهآخر، وهو أنّه من مصاديق الشبهة الحكميّة، لا الموضوعيّة، لأنّ بيان جزئيّة الشيء للوضوء والغسل منوظائف الشارع. م ح ـ ى.
(صفحه222)
وليعلم أنّ النزاع وإن كان في الأقلّ والأكثر الارتباطي، إلاّ أنّه ينبغيالبحث عن الأقلّ والأكثر الاستقلالي أيضاً هاهنا تبعاً، وذلك لأنّ الشبهاتالموضوعيّة الشائعة بينهم من أوّل البراءة إلى هنا ترجع إلى دوران الأمر بينالأقلّ والأكثر الاستقلالي في الشبهة الموضوعيّة، ألا ترى أنّا إذا شككنا فيحلّيّة مايع وحرمته لأجل الشكّ في خمريّته وخلّيّته(1)، شككنا واقعاً في أنّدليل حرمة شرب الخمر هل يختصّ بالأفراد المعلومة من الخمر أو يعمّ مشكّ في فرديّته أيضاً؟
ولأجل رجوع الشبهات الموضوعيّة الشائعة إلى الأقلّ والأكثرالاستقلاليّين لم نتعرّض لها في المباحث السابقة، بل أخّرنا البحث عنها إلىهنا.
وبالجملة: ينبغي تعميم النزاع هاهنا بحيث يعمّ الدوران بين الأقلّ والأكثرالارتباطيّين والاستقلاليّين كليهما، فنقول:
الأقوال في المسألة ثلاثة:
أ ـ جريان البراءة العقليّة مطلقاً.
ب ـ عدم الجريان مطلقاً.
ج ـ التفصيل بين الاستقلاليّين والارتباطيّين، فتجري في الأوّل دون الثاني.
نظريّة المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
اختار المحقّق العراقي رحمهالله القول الأوّل، واستدلّ عليه بأنّا إذا شككنا في خمريّةمايع مثلاً، نشكّ في سعة التكليف المتعلّق بالخمر وضيقه، فلو كان في الواقعخمراً، فالتكليف يشمله، ولو لم يكن خمراً فلا يشمله، وإذا شكّ في سعة الحكموضيقه فالمرجع هو البراءة، كما إذا شكّ في أصل الحكم، فإنّ العقل يحكم في
- (1) وهذا هو المثال المشهور بينهم في الشبهة الموضوعيّة. منه مدّ ظلّه.