(صفحه302)
فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّه لا مجال لاستصحاب الحكم الشخصي من بابالمسامحة العرفيّة في الموضوع.
تقرير جريان استصحاب الوجوب الانبساطي في المقام
الثالث: استصحاب الوجوب النفسي الانبساطي.
توضيح ذلك: أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب ينبسط على جميع أجزاء المركّب،فيتعلّق كلّ جزء منه بجزء من أجزائه، فيصير واجباً بالوجوب الانبساطي،فنحن نعلم أنّ كلّ جزء من الأجزاء الباقية كان واجباً بالوجوب الانبساطي،وبعد تعذّر الفاتحة وارتفاع اتّصافها بالوجوب الانبساطي نشكّ في بقاءاتّصاف سائر الأجزاء به وارتفاعه، فنستصحبه ونحكم ببقاء اتّصاف كلّ واحدمن الركوع والسجود و... بهذا الوجوب.
نقد جريان استصحاب الوجوب الانبساطي في المسألة
وفيه أوّلاً: أنّا نمنع اتّصاف الأجزاء بهذا الوجوب ـ كما قلنا مراراً ـ لأنّصورة الأجزاء في المركّبات الاعتباريّة وإن لم تكن فانيةً واقعاً، بل قد تكونمن مقولات مختلفة، إلاّ أنّ الآمر يلاحظها أمراً واحداً ويأمر به، فلا تكونالأجزاء في نظر الشارع اُموراً متعدّدة كي يتّصف كلّ واحد منها بالوجوبالانبساطي.
على أنّ الإرادة واحدة بسيطة، والبعث الناشئ منها أيضاً واحد بسيط، فليكون للأمر أجزاء حتّى يتعلّق كلّ جزء منها بجزء من المأمور به، فلا أجزاءالمركّب تكون اُموراً متعدّدة ولا البعث مركّب من الأجزاء والأبعاض، فكيفيتحقّق الوجوب الانبساطي؟!
وثانياً: لو سلّمنا كون الوجوب منبسطاً على أجزاء المركّب لكان وجوب
ج5
كلّ جزء معلولاً لتعلّق الأمر بالصلاة التامّة في القضيّة المتيقّنة، وبعد العجز عنالفاتحة لزال تعلّق الأمر بها، فزال معلوله، وهو اتّصاف الأجزاء بذلكالوجوب الانبساطي، ولو كانت متّصفة بالوجوب بعد العجز أيضاً فلا يكونإلاّ وجوباً انبساطيّاً آخر معلولاً لتعلّق الأمر بالصلاة الناقصة، وهو مشكوكالحدوث، فلا يكون الشكّ في الوجوب الضمني التبعي المتعلّق بالأجزاء بعدالعجز شكّاً في البقاء حتّى يجري الاستصحاب، بل شكّ في الحدوث، لمغايرةالقضيّة المتيقّنة مع المشكوكة.
والحاصل: أنّ الاستصحاب لا يجري في المقام بوجه من الوجوه الثلاثةأصلاً.
(صفحه304)
ج5
في قاعدة الميسور
البحث الثالث: في قاعدة «الميسور»
هل يمكن إثبات وجوب سائر الأجزاء ببركة قاعدة «الميسور» أم لا؟
أقول: لا.
وذلك لأنّ دليل «القاعدة» هو النبويّ المشهور: «إذا أمرتكم بشيء فأتومنه ما استطعتم»(1) والعلويّان المشهوران: «الميسور لا يسقط بالمعسور»(2)و«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»(3).
وجميعها مرسلة لا يجوز التمسّك بها.
إن قلت: نعم، ولكن ينجبر ضعف سندها بالشهرة الفتوائيّة على طبقها.
قلت: لا يجبر ضعف السند إلاّ بالشهرة عند القدماء، واشتهار الفتوى علىطبق هذه الروايات إنّما حدث بين المتأخّرين.
وعلى فرض صحّتها فهل تدلّ على وجوب باقي الأجزاء في المقامأم لا؟
لابدّ من إفراد كلّ من النبويّة والعلويّتين ببحث مستقلّ:
البحث حول قوله صلىاللهعليهوآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»
- (1) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 206، باختلاف يسير.
- (2) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 205، وفيه: «لا يترك الميسور بالمعسور». م ح ـ ى.
- (3) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 207.
(صفحه306)
أمّا الحديث النبويّ: فلابدّ قبل البحث فيه من ملاحظة أنّه هل يرتبطبخطبة النبيّ صلىاللهعليهوآله حول مسألة الحجّ أم لا؟
قال المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية: ورد جواباً عن السؤال عن تكرارالحجّ بعد أمره به، فقد روي أنّه خطب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فقال: «إنّ اللّه كتبعليكم الحجّ، فقام عكاشة، ويروى سراقة بن مالك، فقال: في كلّ عاميارسول اللّه؟ فأعرض عنه، حتّى أعاد مرّتين أو ثلاثاً، فقال: ويحك، وميؤمنك أن أقول: نعم، واللّه لو قلت: نعم، لوجب، ولو وجب ما استطعتم، ولوتركتم لكفرتم، فاتركوني ما تركتم، وإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهمواختلافهم إلى أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكمعن شيء فاجتنبوه»(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
ولكن ذكرت القصّة والرواية كلتاهما في كتاب «عوالي اللئالي» من دونربط بينهما(2)، فلا يعلم ورودها جواباً عن السؤال عن تكرار الحجّ.
وعلى أيّ حال فلابدّ من ملاحظة دلالتها تارةً: على فرض ورودهمستقلّة، واُخرى: على فرض صدورها عقيب القصّة.
فأقول: لو لم ترتبط بالقصّة ففيها وجوه نذكرها ونبيّن ما هو الظاهر منها.
توضيح ذلك: أنّ كلمة «شيء» في قوله صلىاللهعليهوآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ماستطعتم» هل هي بمعنى «شيء له أفراد» أو بمعنى «شيء له أجزاء» أو تعمّكليهما؟
الظاهر هو العموم مع قطع النظر عن سائر ألفاظ الرواية، لأنّ كلاًّ ممّا له
- (2) لكن ارتبطت الرواية بالقصّة في مجمع البيان 3: 250 عند ذكر سبب نزول قوله تعالى ـ في سورة المائدة،الآية 101 ـ : «يَـآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْـءَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»، وفي بحار الأنوار22: 31. م ح ـ ى.