(صفحه272)
الخمسة» فزيادة الخمسة تكون داخلةً في المستثنى منه.
الحقّ هو الثاني، لأنّ العرف يفهم منها الإطلاق في المستثنى والمستثنى منهكليهما.
نعم، لا يتصوّر تحقّق الزيادة في الوقت والقبلة، لكنّه لا يوجب الاختصاصبالنقيصة فيما يمكن زيادته(1).
إن قلت: لو كانت الزيادة مبطلة لكان لأجل شرطيّة عدمها في الصلاة،فترجع إلى النقيصة، فإنّ الصلاة تكون ناقصة من جهة عدم تحقّق شرطها،وهو عدم الزيادة، مثلاً من كرّر الركوع فقد نقص من صلاته شيئاً، وهو عدمزيادة الركوع، فالزيادة تكون نقيصةً واقعاً.
قلت: إنّ الزيادة ترجع إلى النقيصة عقلاً لا عرفاً، فإنّ العرف لا يرىالزيادة المعتبر عدمها في الصلاة نقيصة، بل يراها زيادة، والشاهد على هذقوله عليهالسلام : «مَن زاد في صلاته فعليه الإعادة»(2) فإنّ الزيادة لا توجب الإعادةإلاّ إذا كانت الصلاة مشروطة بعدمها، فالإمام عليهالسلام عبّر بالزيادة في هذه الروايةمع أنّها راجعة إلى النقيصة بحسب الدقّة العقليّة، وليس هذا إلاّ لأجل إطلاقالزيادة عليها في نظر العرف.
فقوله عليهالسلام : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة» ظاهر عرفاً في أنّ الزيادةوالنقيصة من قبل الاُمور الخمسة توجبان الإعادة، ومن قبل غيرها لتوجبان، ولا يلاحظ فيه حكم العقل برجوع الزيادة إلى النقيصة، فإنّ الظهورالعرفي هو الملاك في معنى الروايات لا حكم العقل.
البحث الثالث: في ملاحظة النسبة بين الحديثين
- (1) وتتصوّر الزيادة في الطهور ـ كما تتصوّر في الركوع والسجود ـ بناءً على كونه بمعنى مثل الوضوءالمركّب من الأجزاء والشرائط. منه مدّ ظلّه.
- (2) وسائل الشيعة 8 : 231، كتاب الصلاة، الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.
ج5
ولابدّ قبل الشروع في البحث من تقديم مقدّمتين حتّى يتبيّن حكم الزيادةالتي يتعارض الحديثان فيها.
الاُولى: أنّ حديث «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» هل يعمّ الزيادةالعمديّة أم لا؟
قيل: لا، إذ العامد حيث يلتفت إلى أنّ الركوع الزائد مثلاً لا يكون جزءًللصلاة لا يتمشّى منه قصد الصلاتيّة به، وقد عرفت أنّ قصدها شرط فيصدق الزيادة، فالعامد لا يقدر على الزيادة في صلاته كي يعمّه الحديث.
لكن يمكن الجواب عنه بأنّ العامد ـ مع كونه ملتفتاً إلى عدم جزئيّة الركوعالزائد ـ يمكن أن يأتي به بقصد الصلاتيّة تشريعاً، والتشريع وإن كان محرّماً، إلأنّ حرمته وعدم حرمته مسألة، ووجوب إعادة الصلاة وعدم وجوبها مسألةاُخرى يدلّ الحديث عليها.
وكيف كان، نحن نلاحظ النسبة بين حديث «لا تعاد» وحديث «من زاد»بكلا وجهيه، أي نلاحظ النسبة تارةً: على تقدير شمول حديث «من زاد»الزيادة العمديّة، واُخرى: على تقدير عدم شموله لها.
الثانية: أنّ المعارضة تتحقّق بين حديث «من زاد» والمستثنى منه منحديث «لا تعاد» لا المستثنى كما هو ظاهر.
فهل تلاحظ النسبة بين خصوص المستثنى منه بعد ورود الاستثناء عليهوبين حديث «من زاد»؟ بناءً على كون كلّ من المستثنى والمستثنى منه جملةمستقلّة كما هو ظاهر(1)، أو تلاحظ النسبة بين حديث «من زاد» ومجموعحديث «لا تعاد»؟ بناءً على كون المستثنى والمستثنى منه جملة واحدة ولهظهور واحد، بأن تكون الجملة الاستثنائيّة بمنزلة قضيّة لها موضوع واحد
- (1) فإنّ قولنا: «جائني القوم إلاّ زيداً» يكون بمعنى «جائني غير زيد من القوم ولم يجئني زيد». منه مدّ ظلّه.
(صفحه274)
ومحمولان متواليان، أو بمنزلة قضيّة مردّدة المحمول(1).
فلابدّ من ملاحظة النسبة بين الحديثين على كلّ واحد من التقديرين فيهما،فنقول:
صور المسألة بملاحظة المقدّمتين السابقتين أربع:
الاُولى: أن تلاحظ النسبة بين خصوص المستثنى منه من حديث «لا تعاد»بعد ورود الاستثناء عليه، وبين حديث «من زاد» بناءً على أن يعمّ الزيادةالعمديّة.
فالنسبة بينهما في هذه الصورة عموم من وجه، لتصادقهما على زيادة غيرالركن سهواً، ومادّة افتراق حديث «من زاد» هي الزيادة العمديّة وزيادةالركن أيضاً ولو سهواً، ومادّة افتراق حديث «لا تعاد» هي نقيصة غير الركنسهواً.
الثانية: هي الصورة الاُولى، لكن بناءً على أن يختصّ حديث «من زاد»بالزيادة السهويّة.
والنسبة في هذه الصورة أيضاً عموم من وجه، لكن مادّة افتراق حديث«من زاد» تختصّ بزيادة الركن سهواً.
الثالثة: أن يكون حديث «لا تعاد» بمنزلة جملة واحدة وتلاحظ النسبة بينمجموعه وبين حديث «من زاد» على أن يعمّ الزيادة العمديّة.
والنسبة بينهما في هذه الصورة أيضاً عموم من وجه، لتصادقهما على الزيادةالسهويّة، سواء كان ركناً أم لا(2)، ومادّة افتراق حديث «من زاد» هي الزيادة
- (1) فعلى هذا المبنى يكون قولنا: «جائني القوم إلاّ زيداً» بمعنى «القوم جاؤوا ولم يجيئوا» أو بمعنى «القومإمّا جاؤوا وإمّا لم يجيئوا» نظير قولنا: «زيد عالم وشاعر» وقولنا: «الحيوان إمّا إنسان وإمّا غير إنسان». منهمدّ ظلّه.
- (2) لكنّ التعارض بينهما يختصّ بزيادة غير الركن سهواً. م ح ـ ى.
ج5
العمديّة، ومادّة افتراق حديث «لا تعاد» هي النقيصة السهويّة.
الرابعة: هي الصورة الثالثة، لكن بناءً على أن يختصّ حديث «من زاد»بالزيادة السهويّة.
والنسبة في هذه الصورة عموم وخصوص مطلق، لكون حديث «من زاد»أخصّ من حديث «لا تعاد» وهو ظاهر، فيخصّصه ويرتفع التعارض منبينهما، وإن كان نتيجة التخصيص بعيدة على الذهن، لأنّ بطلان الصلاة بسببزيادة غير الركن ـ كالفاتحة ـ سهواً وعدم بطلانها بسبب نقيصته كذلك ـ كمهو مقتضى التخصيص ـ عكس القاعدة العقليّة التي تقتضي البطلان بالنقيصةوعدم البطلان بالزيادة، كما تقدّم(1).
إنّما الإشكال في الصور الثلاثة التي تكون النسبة فيها عموماً من وجه، فإنّالحديثين يتعارضان في مادّة اجتماعهما، وهي زيادة غير الركن سهواً، لأنّحديث «من زاد» يدلّ على كونها مبطلة وموجبة للإعادة، وحديث «لا تعاد»يدلّ على عدم كونها مبطلة، فكيف التوفيق؟
أقول: إن كان أحدهما أقوى دلالةً من الآخر، كان هو المرجع في مادّةالاجتماع، وإلاّ فلابدّ من الرجوع إلى الأدلّة الاُخرى.
كلام الشيخ الأنصاري رحمهالله في المقام
ذهب الشيخ الأعظم رحمهالله إلى أقوائيّة حديث «لا تعاد» وحكومته على رواية«من زاد» حيث قال:
والظاهر حكومة قوله: «لا تعاد» على أخبار الزيادة، لأنّها كأدلّةسائر ما يخلّ فعله أو تركه بالصلاة، كالحدث والتكلّم وترك الفاتحة،
(صفحه276)
وقوله: «لا تعاد» يفيد أنّ الإخلال بما دلّ الدليل على عدم جواز الإخلالبه إذا وقع سهواً لا يوجب الإعادة وإن كان من حقّه أن يوجبها(1)،إنتهى كلامه.
كلام المحقّق الحائري نقداً على الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهماالله
وأورد عليه المحقّق الحائري رحمهالله إشكالاً، ولابدّ من ذكر مقدّمة لإيضاحمراده. وهي أنّ ضابطة الحكومة أن يتصرّف أحد الدليلين بلسانه ـ أيبمدلوله المطابقي ـ في الدليل الآخر، إمّا في موضوعه أو محموله أو سلسلة عللّهأوسلسلة معاليله، ولابدّ من أن يكون التصرّف بالتضييق أو التوسعة، هذا إجمالضابطة الحكومة، وللتفصيل محلّ آخر.
قال المحقّق الحائري رحمهالله ردّاً على كلام الشيخ الأعظم: إنّ حديث «لا تعاد»ينفي نفس ما يثبته حديث «من زاد»(2) وبالعكس، فكأنّه قيل في دليل: «يجبالإعادة على من زاد في صلاته غير الركن سهواً» وفي دليل آخر: «لا يجبالإعادة على من زاد في صلاته غير الركن سهواً» فالموضوع والمحمول في كلالحديثين واحد، فهما متعارضان من دون أن يكون أحدهما حاكماً على الآخر،ولو صحّت الحكومة في مثل هذا لأمكن أن يدّعى العكس، وهو حكومةحديث «من زاد» على حديث «لا تعاد».
وأمّا حكومة حديث «لا تعاد» على أدلّة ما يخلّ فعله أو تركه بالصلاة،كالحدث والتكلّم وترك الفاتحة، فلأنّه يتصرّف بلسانه في معلولاتها، فإنّها تدلّعلى النهي عن التكلّم والحدث وترك الفاتحة في الصلاة، أو(3) تدلّ على بطلان
- (1) فرائد الاُصول 2: 385.
- (2) وهو وجوب الإعادة في زيادة غير الركن سهواً. منه مدّ ظلّه.
- (3) هذا ما أضفناه إلى كلامه رحمهالله ، فإنّه لم يذكر البطلان. منه مدّ ظلّه.