ج5
أحاديث الحلّ، فإنّ بعضها ـ كحديث مسعدة بن صدقة ـ كان مضطربا دلالةً،لعدم إمكان انطباق الحكم الكلّي المستفاد منه على الأمثلة المذكورة فيه،وبعضها الآخر ـ كحديثي معاوية بن عمّار وعبداللّه بن سليمان وصحيحةعبداللّه بن سنان ـ كان محمولاً على غير موارد الشبهة المحصورة، لحكم العرفبأنّ تجويز ارتكاب أطراف الشبهة المحصورة ترخيص في المعصية ومستلزمللتناقض.
على أنّ رواية معاوية بن عمّار وعبداللّه بن سليمان كانت مخدوشة سندأيضاً.
وبالجملة: لا تعمّ أحاديث الحلّ أطراف العلم الإجمالي أصلاً، فلا مجالللقول بتعارض أصالتي الحلّيّة وتساقطهما في المقام.
وأمّا الملاقي: فأصالة الحلّيّة وإن لم تجر فيه أيضاً، لعدم شمول مدركها له، إلأنّه يمكن التمسّك لرفع حرمته المجهولة بحديث الرفع.
والحاصل: أنّا نتمسّك بأصالة الطهارة بالنسبة إلى طهارة الملاقي ونجاسته،وبحديث «الرفع» بالنسبة إلى حلّيّته وحرمته.
ثمّ إنّ الشبهة ـ على فرض تسليمها ـ وإن كانت تجري فيما إذا حصل العلمالإجمالي بعد العلم بالملاقاة(1)، إلاّ أنّها لا تجري فيما إذا كانت الملاقاة بعد العلمإجمالاً بالنجس(2).
أمّا جريانها في الصورة الاُولى: فلأنّ لنا فيها علما إجماليّا واحدا لهطرفان: أحدهما: مجموع الملاقي والملاقى، والطرف الآخر: هو الطرف الآخر،فيجري فيه جميع ما ذكر في الشبهة، وهو تعارض أصالتي الطهارة في ناحية
- (1) وهو الصورة الأخيرة في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله . م ح ـ ى.
- (2) وهو الصورة الاُولى في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله . م ح ـ ى.
(صفحه148)
الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف الآخر أوّلاً، ثمّ تعارض أصالتي الحلّيّة فيهما وأصالةطهارة الملاقي ـ بالكسر ـ في الرتبة الثانية، ويبقى أصالة الحلّيّة في الملاقي سليمةعن المعارض.
والحاصل: أنّ الشبهة المذكورة ـ مع قطع النظر عن المناقشات التيذكرناها ـ تنتج فيما إذا حصل العلم الإجمالي بعد العلم بالملاقاة.
وأمّا عدم جريانها في الصورة الثانية(1): فلأنّ لنا فيها علمين إجماليّين:أحدهما منجّز للتكليف دون الآخر، لأنّ المفروض حصول العلم بنجاسة إناءاليمين أو اليسار أوّلاً، ثمّ بعد ملاقاة اليد مع إناء اليمين حصل العلم ثانيبنجاسة الملاقي أو إناء اليسار، والعلم الأوّل منجّز للتكليف المعلوم بالإجمال،فلا يجري في طرفيه أصالة الطهارة، لأنّ جريان الاُصول مشروط بعدماستلزامه مخالفة عمليّة لتكليف معلوم منجّز، بخلاف العلم الثاني، فإنّه غيرمنجّز للتكليف، لأنّ تنجيز العلم الإجمالي مشروط بكونه مؤثّرا في أيّ طرفكان التكليف واقعا، وأحد طرفي العلم الإجمالي الثاني هو إناء اليسار الذيكان طرفا للعلم الإجمالي الأوّل أيضاً، ولا يمكن أن يتنجّز تكليف مرّتين، فلمنع من جريان أصالة الطهارة في الملاقي، بل لا منع بلحاظ العلم الإجماليالثاني من جريانها في إناء اليسار أيضاً، وإن لم يكن له ثمرة عمليّة لكونه طرفللعلم الإجمالي الأوّل أيضاً الذي كان مانعا من جريان الاُصول في طرفيه.
وبالجملة: لا منع من جريان أصالة الطهارة في الملاقي، لعدم استلزامه مخالفةتكليف معلوم منجّز.
هذا من ناحية العلم الإجمالي.
ولا منع من جريانها من ناحية الأصل السببي أيضاً لو فرض أنّ طهارة
- (1) وهي ما إذا كانت الملاقاة بعد العلم الإجمالي بالنجس. م ح ـ ى.
ج5
الملاقي مسبّبة عن طهارة الملاقى، لما عرفت من ابتلاء الأصل في ناحية السبببالمعارض، فلا منع من جريانه في المسبّب.
والحاصل: أنّ الشبهة المذكورة لو تمّت لما جرت إلاّ في بعض صور ما نحنفيه.
البحث حول ما إذا كان الملاقى ـ بالفتح ـ خارجا عن الابتلاء
كلام صاحب الكفاية في ذلك
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني رحمهالله ـ مضافا إلى الصور الثلاثة المتقدّمة ـ تعرّضلصورة اُخرى، وهي ما إذا علم بالملاقاة، ثمّ حدث العلم الإجمالي بنجاسةمجموع الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر، ولكن كان الملاقى ـ بالفتح ـ خارجعن محلّ الابتلاء في حال حدوث العلم بالنجاسة وصار مبتلى به بعده.
وذهب في هذه الصورة أيضاً ـ كالصورة الثانية ـ إلى لزوم الاجتناب عنالملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر، دون الملاقى ـ بالفتح ـ لأنّه كان خارجا عنمحلّ الابتلاء حين حدوث العلم، ومنجّزيّة العلم الإجمالي تتوقّف على دخولأطرافه في محلّ الابتلاء(1).
هذا توضيح ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله .
نقد كلام صاحب الكفاية رحمهالله في هذه الصورة
لكنّ الحقّ هو وجوب الاجتناب عن الجميع في هذه الصورة.
أمّا بناءً على ما اخترناه تبعا لسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» ـ من عدم
(صفحه150)
تأثير الدخول في محلّ الابتلاء والخروج عنه في منجّزيّة العلم الإجماليوعدمها ـ فواضح، فإنّ العلم الإجمالي على هذا المبنى منجّز للتكليف حتّى فيمإذا كان بعض أطرافه خارجا عن الابتلاء، ففي هذه الصورة يجب الاجتنابعن الملاقي والملاقى والطرف الآخر جميعا.
وأمّا بناءً على ما اختاره المحقّق الخراساني رحمهالله ـ من توقّف منجّزيّة العلمالإجمالي على دخول جميع أطرافه في محلّ الابتلاء ـ فلأنّ خروج بعضالأطراف عن الابتلاء يمنع عن تنجيز العلم الإجمالي فيما إذا لم يكن للطرفالخارج أثر داخل في محلّ الابتلاء، وأمّا إذا كان له أثر كذلك ـ كما في المقام فلا.
بل الأمر كذلك في غير موارد العلم الإجمالي أيضاً، فإنّا لو غسلنا ثوبنالنجس في ماء ثمّ أرقناه ثمّ شككنا في بقاء كرّيّته لجرى استصحاب كرّيّتهوحكم بطهارة الثوب المغسول به.
ولا يمنع من جريان الاستصحاب خروج الماء عن محلّ الابتلاء بإراقتهوانعدامه، لأنّ أثره ـ وهو الثوب المغسول به ـ يكون مبتلى به، فكأنّ الماءيكون باقيا وداخلاً في محلّ الابتلاء.
وكذلك الأمر في المقام، فإنّ الملاقى ـ بالفتح ـ وإن لم يكن مبتلى به عندحدوث العلم الإجمالي، إلاّ أنّ أثره وهو الملاقي ـ بالكسر ـ كان كذلك، فكأنّالملاقى ـ بالفتح ـ أيضاً كان محلاًّ للابتلاء في حال حدوث العلم، فيجبالاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر.
وحاصل جميع ما ذكرناه في المسألة: أنّه يجب الاجتناب عن الملاقىـ بالفتح ـ في صورة، وعن الملاقي ـ بالكسر ـ في صورة اُخرى، وعن مجموعهمفي صورتين اُخريين.
ج5
هذا تمام الكلام في مبحث ملاقي بعض أطراف العلم الإجمالي، وبه تمّ جميعمباحث دوران الأمر بين المتباينين.