ج5
دون ضميمة شيء آخر إليه، فالوفاء بالغرض والمصلحة لا يكون في لسانالدليل.
في دعوى ورود التخصيصات الكثيرة على القاعدة
الثالث: قيل: لا يجوز الاتّكاء على القاعدة، لكثرة التخصيصات الواردةعليها، فلابدّ من ضمّ عمل المشهور إليها ليكون جابراً لضعف دلالتها، ففي كلّمورد أفتى المشهور على طبقها يجوز التمسّك بها، وفي كلّ مورد أعرضالمشهور عنها لا يجوز.
وأراد هذا القائل من التخصيصات الكثيرة التي يدّعي بلوغها إلىالتخصيص الأكثر موردين:
أ ـ الصوم، لأنّ المكلّف لو كان قادراً عليه بعض اليوم دون بعضه الآخر،لجاز له الإفطار أوّل الصبح، وكذا لو كان قادراً على الإمساك من بعضالمفطرات دون بعض، لم يجب عليه ترك ما قدر على تركه.
ب ـ المستحبّات، لأنّه لو كان قادراً على الإتيان ببعض أجزاء المستحبّدون بعض آخر، لسقط رأساً، ولا يستحبّ الإتيان بما هو مقدور له منالأجزاء.
الحقّ في المسألة
أقول: أمّا المستحبّات: فقلنا بخروجها عن تحت حديث «الميسور لا يسقطبالمعسور».
نعم، حديث «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» يعمّها، لأنّا قلنا بأنّ ظهورالموصول في العموم أرجح من ظهور النهي في الحرمة، ولكنّا قلنا بعدم جوازالتمسّك بالحديث في المقام على القول بتقديم ظهور الموصول، فما يجوز
(صفحه326)
الاستدلال به لا يعمّ المستحبّات، وما يعمّها لا يجوز الاستدلال به.
وأمّا الصوم: فهو أمرٌ بسيط، لا مركّب بالنسبة إلى أجزاء الزمان ـ كما هوظاهر ـ ولا بالنسبة إلى المفطرات، لأنّ ترك كلّ مفطر لا يكون جزءً له، إذالترك عَدَمٌ، ولا يكاد يتحقّق شيء بانضمام الأعدام بعضها إلى بعض.
وبالجملة: ترك المفطر لا يكون جزءً للصوم، بل وجوده ضدّ له ومبطل له.فالصوم أمرٌ بسيط خارج عن تحت القاعدة تخصّصاً.
سلّمنا خروجه تخصيصاً، لكنّه مورد واحد، فأين التخصيص الكثيرأو الأكثر مع بقاء الصلاة والحجّ وغيرهما تحت القاعدة؟!
هذا تمام الكلام في قاعدة «الميسور» وقد عرفت عدم جواز التمسّك بها،لضعف سند الروايات الثلاثة الدالّة عليها، فلا يترتّب على المباحث المتقدّمةثمرة عمليّة، إلاّ أنّها مطالب علميّة دقيقة ذات ثمرة عمليّة على فرض تسليمالسند.
وهاهنا تمَّ الكلام في أصالة البراءة والاحتياط والتخيير.
ج5
(صفحه328)
في شرائط جريان الاُصول
خاتمة
في شرائط جريان الاُصول
ثمّ تداول في كلماتهم البحث عن شرائط جريان الاُصول العمليّة عقيبهذه الاُصول الثلاثة، ووجه تقديم هذا البحث على الاستصحاب ـ الذي هوأيضاً من الاُصول ـ أنّ ما هو شرط لجريان البراءة فهو بعينه شرط لجريانالاستصحاب في الشبهات الموضوعيّة والحكميّة، فإذا تبيّن ما يتوقّف عليهأصالة البراءة تبيّن ما يتوقّف عليه الاستصحاب أيضاً.
هل يشترط في جريان «أصالة الاحتياط» شيء أم لا؟
أمّا الاحتياط: فلا يكون مشروطاً بشيء أصلاً، لأنّه حسن على كلّ حال،فكلّما تحقّق عنوان الاحتياط كان حسناً، من دون أن يتوقّف على شيء آخر.
لا يقال: قد يكون الاحتياط موجباً لاختلال النظام، ولا شكّ في عدمحسن اختلال النظام، بل هو قبيح قطعاً، فحسن الاحتياط يتوقّف على عدماستلزامه له.
لأنّه يقال: الاحتياط حسن هاهنا أيضاً، والقبيح إنّما هو اختلال النظام، وليتداخل العنوانان حتّى يسري حكم أحدهما إلى الآخر، بل لو كان الاحتياط
ج5
مستلزماً لاختلال النظام دائماً لكان حسناً، فضلاً عن كونه مستلزماً له أحياناً.
وهذا نظير ما إذا نذر الإتيان بصلاة الليل، فإنّها لا تخرج بذلك عن كونهمستحبّة، لأنّ هاهنا عنوانين: أحدهما مستحبّ، وهو صلاة الليل، والآخرواجب، وهو الوفاء بالنذر.
وتظهر الثمرة في النيّة، فإنّه يجب عليه إتيانها بداعي الأمر الاستحبابيالمتعلّق بصلاة الليل.
إن قلت: يصدق عليها عنوان الوفاء بالنذر أيضاً، فلِمَ لا يأتي بها بداعيالأمر الوجوبي المتعلّق بالوفاء بالنذر؟
قلت: هذا الأمر الوجوبي توصّلي، فلا يصحّ إتيان العبادة بداعيه.
البحث حول ما ادّعي من الشبهات على الاحتياط
واُورد على صحّة العمل بالاحتياط إشكالات: بعضها يرتبط بمطلقالاحتياط حتّى في الشبهة البدويّة، وبعضها الآخر يختصّ بالاحتياط فيأطراف العلم الإجمالي، وبعضها الثالث بكيفيّة الاحتياط فيما قامت الأمارةالمعتبرة على خلافه، كأن قامت الأمارة على عدم وجوب صلاة الجمعة، لكنّالمكلّف يأتي بها، لأجل احتمال مخالفة الأمارة للواقع.
في توقّف العباديّة على صدق عنوان الإطاعة
أمّا الإشكال على مطلق الاحتياط فهو يختصّ بالعبادات، وهو أنّه لابدّ فيالعبادات من تحقّق الإطاعة، وهي عبارة عن الانبعاث الناشئ عن البعث،وبعبارة اُخرى: هي عبارة عن صيرورة العبد متحرّكاً بتحريك المولى، فليمكن أن يكون المأتيّ به احتياطاً عبادةً، لأنّه أتى به بداعي احتمال البعث،لا بداعي نفس البعث، ولا يكون الانبعاث ناشئاً عن البعث، سيّما في الشبهات