قلت: ثمرته هي القطع بخروج المستحبّات عن تحت الحديث على رأيالشيخ رحمهالله والشكّ فيه على المختار.
توضيح ذلك: أنّ الموصول على مذهب الشيخ لم يبق على عمومه، لخروجالأفعال المباحة والمكروهة والمحرّمة عن تحته وتعيّن حمله على الأفعالالراجحة، بقرينة قوله: «لا يترك كلّه» ونفس هذه القرينة تدلّ على خروجالمستحبّ أيضاً، لظهور النهي في الحرمة، وحرمة الترك تساوق وجوب الفعل،فاختصّت الرواية بالواجبات وتمّ الاستدلال بها في المقام.
وأمّا بناءً على المختار من خروج المباح والمكروه والمحرّم عن تحت الموصولبنفسه، فهو ظاهر في العموم الذي له فردان: أحدهما هو الواجب، والآخر هو
المستحبّ، والنهي عن الترك ظاهر في اختصاص الرواية بالواجب.
فهل ظهور الموصول في العموم يتقدّم على ظهور النهي في الحرمة أوبالعكس، أو لا تقديم لأحدهما على الآخر؟ وجوه:
وجه تقديم ظهور النهي أنّ المقصود بالأصالة هو الحكم، وأمّا الموضوع فليقصد إلاّ تبعاً لبيان الحكم، فإنّ المتكلّم في مقام بيان الحكم لا الموضوع.
ويؤيّده أنّ القرينة تذكر بعد ذي القرينة في الأكثر، فجعل ظهور النهي فيالحرمة قرينة على المراد من الموصول أولى من العكس.
ووجه تقديم ظهور الموصول في العموم أنّ الظهور قد انعقد له بمجرّد التلفّظبه قبل التلفّظ بالنهي(1)، فيمنع عن انعقاد ظهوره في الحرمة، وبعبارة اُخرى:تقديم ظهور الموصول دفع لظهور النهي، وتقديم ظهور النهي رفع لظهورالموصول، والدفع أهون من الرفع.
وأمّا تقديم ظهور «يرمي» في الرجل الشجاع على ظهور «الأسد» فيالحيوان المفترس في قولنا: «رأيت أسداً يرمي» فلا يكون إلاّ لأجل تقديمالأظهر على الظاهر، ولا فرق في تقديمه عليه بين أن يكون مقدّماً أو مؤخّراً.
ولا يخفى أنّه لا مجال للتمسّك بالحديث في المقام لو قلنا بتقديم ظهورالموصول في العموم على ظهور النهي في الحرمة، وكذا لو قلنا بعدم تقديمأحدهما على الآخر، وأمّا لو قلنا بتقدّم ظهور النهي على ظهور الموصول فلإشكال في التمسّك به في المقام.
هل لفظة «الكلّ» أفراديّة أو مجموعيّة؟
- (1) لكن يضعّفه أنّ الظهور لا يكاد ينعقد للألفاظ والعبارات ما دام المتكلّم مشتغلاً بالكلام، فالحقّ هو جعلالنهي الظاهر في الحرمة قرينة على كون المراد من الموصول خصوص الواجب، فيتمّ الاستدلالبالحديث في المقام على هذا الوجه أيضاً. م ح ـ ى.
(صفحه318)
الثاني: لا إشكال في أنّ لفظة «كلّه» تدلّ على أنّ الموصول مركّب ذوأجزاء وأبعاض، إنّما الإشكال والنزاع في أنّها مجموعيّة نظير العامّ المجموعي،أو أفراديّة نظير العامّ الأفرادي؟
الوجوه المتصوّرة في المقام أربعة: لأنّ لفظة «كلّ» ذكرت في الحديث مرّتين،وكلّ منهما يحتمل بدواً أن تكون مجموعيّة وأفراديّة.
فلابدّ من البحث في إمكان هذه الصور أوّلاً، وفي أنّ الحديث ظاهر في أيّةصورة منها ثانياً لو كان الممكن أكثر من صورة واحدة.
فنقول: لا يمكن أن يكون لفظة «الكلّ» الأخيرة مجموعيّة، لأنّ النهي عنترك مجموع الأجزاء يوجب لزوم الإتيان بمجموعها، وهو منافٍ لصدرالحديث الدالّ على أنّ هذا الحكم ثابت للمركّب الذي لا يدرك جميع أجزائه،ولا يجوز المنافاة بين الحكم وموضوعه. هذا أوّلاً.
وثانياً: أنّ الإتيان بمجموع أجزاء المركّب الذي لا يدرك كلّه غير مقدور فينفسه، وإن أغمضنا عن تناقض الحكم وموضوعه.
فلابدّ من أن يكون لفظة «الكلّ» الثانية أفراديّةً فقط.
وأمّا لفظة «الكلّ» الاُولى: فقال شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله : لا يمكنأخذها أفراديّةً، لاستلزامه أن يكون الحديث بمعنى «ما لا يدرك شيء منأجزائه لا يترك شيء منها» وفساده ظاهر، فتعيّن كون «الكلّ» الاُولىمجموعيّة، والثانية أفراديّة(1). هذا حاصل ما أفاده الشيخ رحمهالله .
لكنّه مردود، لأنّ المولى إذا قال: «أكرم كلّ عالم» بنحو العامّ الاستغراقي فلمانع من أن يقول: «إذا لم تدرك إكرام كلّ عالم فلا تترك إكرام كلّهم»، لأنّ عدمالقدرة على إكرام كلّ عالم كما يتحقّق بعدم القدرة مطلقاً، يتحقّق أيضاً بعدم
- (1) فرائد الاُصول 2: 394.