(صفحه230)
بحسب مقام الإثبات ـ كما هو ظاهر كلامه ـ أي بحسب مقام البيان وإفهامالمخاطب، فإنّا لا نسلّم أنّ المولى يحتاج إلى خطابين: أحدهما في حالالالتفات، والآخر في حال الغفلة كي يصحّ القول بأنّ الخطاب الثاني مستلزملرفع غفلة الغافل، فإنّ المولى إن أراد جزئيّة السورة للصلاة في خصوص حالالالتفات يتمكّن من أن يوجّه خطاباً واحداً إلى عامّة المكلّفين بقوله: «يا أيّهالذين آمنوا أقيموا الصلاة، والصلاة عشرة أجزاء: تكبيرة الإحرام، والحمد،والسورة، و...» لكنّه يعلم أنّ المتذكّر يأتي بها مع السورة، والناسي ـ حيث ليقدر على السورة ـ يأتي بها بدونها، وهذا هو غرضه من خطابه(1).
فلو أراد عدم جزئيّة المنسيّ بالنسبة إلى الغافل لم يحتج إلى توجيه خطابينإليه.
لكن إذا زالت غفلة المكلّف لا يعلم أنّ السورة المنسيّة كانت جزءً للصلاةبالنسبة إليه أم لا، فيحتاج إلى التمسّك بالأصل، والأصل يقتضي البراءة، لأنّالعقل كما يحكم بقبح العقاب بلا بيان فيما إذا شككنا في أصل الجزئيّة يحكم بهأيضاً فيما إذا علمنا الجزئيّة إجمالاً، لكن شككنا في أنّه جزء مطلقاً أو فيخصوص حال الالتفات، فإنّ الجزئيّة في حال الالتفات معلومة تفصيلاً، وفيحال النسيان مشكوكة بدواً.
فما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله غير صحيح.
بل استشكل عليه أكثر المتأخّرين عنه حتّى بعض الفضلاء من تلامذتهبوجوه:
البحث حول كلام الميرزا الشيرازي رحمهالله في المسألة
- (1) أي غرضه تعلّق بأنّ الذاكرين يأتون بالصلاة مع السورة، والناسين يأتون بها بدونها. منه مدّ ظلّه.
ج5
منها: ما أفاده الميرزا حسن الشيرازي «أعلى اللّه مقامه» فإنّه بعدالالتزام بما ذكره الشيخ سلك طريقاً آخر لإثبات البراءة العقليّة، وهو أنّالغافل عن الجزء لا تكليف له أصلاً، أمّا عدم تكليفه بالصلاة مع السورة فلأنّهلا يقدر عليها، وأمّا عدم تكليفه بالصلاة بدون السورة فلأنّه لابدّ للمولى منتوجيه هذا التكليف إليه بعنوان أنّه غافل، لعدم شموله للملتفت، مع أنّه ليتوجّه إلى غفلته، فيستحيل تكليفه بهذا العنوان، وإلاّ تبدّل غفلته إلىالالتفات كما قال الشيخ الأعظم قدسسره فليس الغافل عن السورة مكلّفاً بالصلاةأصلاً ما دام غافلاً.
ثمّ إذا أتى بالصلاة الفاقدة للسورة وزالت غفلته، يشكّ في أنّ التكليفبالصلاة هل حدث بالنسبة إليه أم لا؟ فيحكم العقل بقبح العقاب بلا بيانوالمؤاخذة بلا حجّة وبرهان.
وهذا بخلاف الغافل عن أصل الصلاة، فإنّه وإن لم يكن أيضاً حين غفلتهمكلّفاً بالصلاة، إلاّ أنّه بعد زوال الغفلة يعلم بصيرورته مكلّفاً بها، فلابدّ له منالإتيان بها.
والفارق بينهما أنّ الغافل عن السورة أتى بصلاة فاقدة لها، والغافل عنأصل الصلاة لم يأت بها أصلاً(1).
هذا حاصل ما أفاده الميرزا الشيرازي رحمهالله في مقام الإشكال على بيان الشيخالأنصاري رحمهالله .
نقد كلام الميرزا الشيرازي قدسسره
وهو وإن كان كلاماً جيّداً يمكن به المناقشة في نظريّة الشيخ رحمهالله وإثبات
- (1) نقل كلام الميرزا رحمهالله في نهاية الدراية 4: 339، وفي درر الفوائد: 491.
(صفحه232)
البراءة العقليّة، إلاّ أنّه رحمهالله أخطأ في الالتزام بما أفاده الشيخ من عدم إمكانتوجّه التكليف بالصلاة بدون السورة المنسيّة إلى الناسي، لما عرفت من تمكّنالمولى من توجيه خطاب واحد إلى جميع المكلّفين، لكنّه يعلم أنّ الناسيللسورة يأتي بها بدونها، وهذا هو مقصوده وغرضه.
البحث حول ما حكي عن بعض تلامذة الشيخ رحمهالله
ومنها: ما نقله المحقّق النائيني رحمهالله عن بعض تلامذة الشيخ الأعظم المقرّرلبحثه في مسائل الخلل، ثمّ أجاب عنه:
أمّا الإشكال: فهو ـ مع توضيح منّا ـ أنّ بيان الشيخ رحمهالله يتوقّف على انحصارتوجيه الخطاب إلى الغافل بلفظ الخطاب، بأن يقال: «أيّها الغافل عن السورةيجب عليك الصلاة بدونها» مع أنّه يمكن توجيه التكليف إليه بلفظ آخر، مثلإذا كانت الصلاة التامّة مركّبة من عشرة أجزاء يتمكّن المولى من أن يقول:«يجب على الملتفت عشرة أجزاء وعلى الغافل تسعة أجزاء» والغافل يأتيعملاً بالأجزاء التسعة التي تكون مأموراً بها بالنسبة إليه، غاية الأمر أنّهأخطأ في التطبيق، فإنّه حيث لم يكن متوجِّهاً إلى غفلته أتى بالأجزاء التسعةبخيال أنّه متذكّر مع كونه في الواقع غافلاً، والخطأ في التطبيق لا يكون مضرّاً،ألا ترى أنّ الرجل قد يصلّي أداءً بخيال أنّه في الوقت مع كونه في خارجهواقعاً، أو قضاءً بخيال كونه في خارج الوقت مع أنّه فيه حقيقةً، وصلاتهصحيحة في كلتا الصورتين، فهذا شاهد على أنّ الخطأ في التطبيق لا يوجببطلان العمل.
هذا ما استفيد من تقريرات بعض الأجلّة لبحث الشيخ العلاّمة «أعلى اللّهمقامه» في باب الخلل الواقع في الصلاة على ما نقله المحقّق النائيني رحمهالله (1).
ج5
وأمّا الجواب: فهو قوله قدسسره :
هذا، ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّه يعتبر في صحّة البعث والطلب أن يكونقابلاً للانبعاث عنه، بحيث يمكن أن يصير داعياً لانقداح الإرادة وحركةالعضلات نحو المأمور به ولو في الجملة، وأمّا التكليف الذي لا يصلح لأنيصير داعياً ومحرّكاً للإرادة في وقت من الأوقات، فهو قبيح مستهجن.
ومن المعلوم: أنّ التكليف بعنوان «الناسي» غير قابل لأن يصير داعيلانقداح الإرادة، لأنّ الناسي لا يلتفت إلى نسيانه في جميع الموارد، فيلزم أنيكون التكليف بما يكون امتثاله دائماً من باب الخطأ في التطبيق، وهو كما ترىممّا لا يمكن الالتزام به.
وهذا بخلاف الأمر بالأداء والقضاء، فإنّ الأمر بهما قابل لأن يصير داعيومحرّكاً للإرادة بعنوان الأداء والقضاء، لإمكان الالتفات إلى كون الأمر أداءً أوقضاءً، ويمكن امتثالهما بما لهما من العنوان.
نعم، قد يتّفق الخطأ في التطبيق فيهما، وأين هذا من التكليف بما يكونامتثاله دائماً من باب الخطأ في التطبيق؟ كما فيما نحن فيه، فقياس المقام بالأمربالأداء أو القضاء ليس على ما ينبغي(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
ويمكن المناقشة فيه، فلا يرد على المقرّر ما أورده عليه.
نعم، يرد عليه أنّ المولى لا يحتاج إلى إنشاء تكليفين مستقلّين: أحدهمللذاكر والآخر للناسي فيما إذا أراد اختصاص الجزئيّة بحال الذكر، بل يمكن لهإنشاء تكليف واحد لجميع المكلّفين، وهو أن يقول: «يا أيّها الناس تجبعليكم الصلاة، وهي مركّبة من عشرة أجزاء: تكبيرة الإحرام، والحمد،
- (1) فوائد الاُصول 4: 211.
(صفحه234)
والسورة، و...» لكنّه حيث يعلم أنّ الناسي يترك السورة أراد في الواقع أنّوظيفته هي الصلاة بدون السورة.
والشاهد على هذا أنّ الناسي يأتي بالمأمور به بداعي الأمر الذي يكونداعياً للمتذكّر، لأنّه يرى نفسه متذكّراً، لا غافلاً، فتكليفهما تكليف واحد، وهوبوحدته يكون داعياً لهما.
وبالجملة: ما وجه الحاجة إلى تكليف ثانٍ متوجّه إلى الناسي بعد أنّه يرىنفسه ذاكراً ويأتي بالمأمور به بداعي الأمر الذي يكون داعياً للذاكر؟!
كلام صاحب الكفاية رحمهالله في المقام
ومنها: ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّه يمكن التفكيك بين ناسي الجزءوالملتفت إليه في الواجب بأن وجّه الخطاب على نحو يعمّ(1) الذاكر والناسيبالخالي عمّا شكّ في دخله مطلقاً، وقد دلّ دليل آخر على دخله في حقّ الذاكر،أو وجّه إلى الناسي خطاب يخصّه بوجوب الخالي بعنوان آخر عامّ(2)أو خاصّ، لا بعنوان الناسي كي يلزم استحالة إيجاب ذلك عليه بهذا العنوان،لخروجه عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة كما توهّم لذلك استحالة تخصيصالجزئيّة أو الشرطيّة بحال الذكر وإيجاب العمل الخالي عن المنسيّ علىالناسي(3)، إنتهى كلامه رحمهالله .
- (1) كما إذا قال الشارع: «يا أيّها الذين آمنوا أقيموا الصلاة، وهي تسعة أجزاء: تكبيرة الإحرام، والحمد، و...»ثمّ قال: «يجب على المتذكّر للسورة الإتيان بها أيضاً في صلاته». م ح ـ ى.
- (2) أراد رحمهالله بـ «العنوان العامّ» هاهنا ـ كما يستفاد عن حاشية المشكيني في كفاية الاُصول المحشّى 4: 272 عنواناً مختصّاً بالناسي عامّاً لجميع مصاديقه، كما إذا اُخذ في الخطاب عنوان كلّي ملازم لعنوان «الناسي»كعنوان «بلغمي المزاج» أو «ضعيف الدماغ» أو نحوهما، وقيل مثلاً: «يا بلغمي المزاج افعل كذا». وأرادبـ «العنوان الخاصّ» العناوين المختصّة بكلّ واحد واحد من الناسين، كما إذا قيل: «يا زيد افعل كذا» و«يعمرو افعل كذا» و«يا بكر افعل كذا» وهكذا. م ح ـ ى.