(صفحه292)
أيضاً، والشاهد على هذا أنّا لو سألنا العاجز عن تكليفه على فرض قدرتهلأجاب بأنّي حينئذٍ كنت مكلّفاً بالصلاة المشتملة على عشرة أجزاء،والمشكوك هو التكليف بالصلاة المشتملة على تسعة أجزاء، وهو لم يكنمعلوماً، بل مشكوك حين القدرة أيضاً، والشاهد على هذا أنّا لو سألنا القادرعن تكليفه على فرض عجزه لأجاب بأنّي أشكّ في أنّي مكلّف حينئذٍ بالصلاةالفاقدة للجزء المتعذّر فيه أم لا؟
فالتكليفان متغايران، والعلم بذاك التكليف لا يقدح في جريان البراءة فيهذا التكليف المشكوك.
لا يقال: لا فرق بين ما نحن فيه وبين الشكّ في القدرة، لاشتراكهما في الشكّفي ثبوت التكليف، مع أنّ الأكابر يقولون بالاحتياط عقلاً في الشكّ في القدرة،بأن ينبعث نحو العمل، فإن تبيّن أنّه قادر أتمّه، وإن تبيّن أنّه عاجز تركه منحين ظهور العجز، فيجب الاحتياط في المقام أيضاً.
فإنّه يقال: ليس الشكّ في القدرة شكّاً في ثبوت التكليف، بل في سقوطه،لأنّ القدرة ـ على ما هو التحقيق عندنا ـ لا تكون شرطاً للتكليف كي يستلزمالشكّ فيها الشكّ فيه لأجل استلزام الشكّ في الشرط الشكّ في المشروط، بلالتكليف يعمّ القادر والعاجز، ولكنّ عدم القدرة عذر عقلي لمخالفته، فالشاكّ فيالقدرة يعلم بتوجّه التكليف إليه، ويشكّ في ثبوت العذر على المخالفة، فيجبعليه الاحتياط.
بخلاف المقام، فإنّ العاجز عن القيد يشكّ في أصل توجّه التكليف بسائرالأجزاء والشرائط إليه، فقياسه بالشكّ في القدرة مع الفارق.
نعم، لو قلنا بكون القدرة شرطاً للتكليف ـ كما عليه المشهور ـ لكانالقياس في محلّه، لكنّا لا نقول به، وقولهم بلزوم الاحتياط دليل على صحّة م
ج5
اخترناه، لأنّ القدرة لو كانت شرطاً للتكليف لكان مجرى البراءة، لالاحتياط، لاستلزام الشكّ في الشرط الشكّ في المشروط.
إن قلت: لا فرق بين المقام وبين ما إذا اضطرّ إلى ارتكاب بعض الأطرافمن المعلوم إجمالاً، حيث يجب فيه الاجتناب عن الطرف الآخر، لحكم العقلبحرمة المخالفة القطعيّة عند عدم إمكان الموافقة القطعيّة، فليكن المقام أيضمثله، لأنّه كما لا يوجب الاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف في المعلومإجمالاً جواز ارتكاب سائر الأطراف، لا يوجب العجز عن بعض القيود فيمنحن فيه أيضاً جواز ترك ما تمكّن منه.
قلت: الفرق بين المقامين أنّ للعقل حكمين منجّزين عقيب العلم الإجمالي:
أحدهما: وجوب الموافقة القطعيّة. ثانيهما: حرمة المخالفة القطعيّة،والاضطرار إلى بعض الأطراف يرفع الحكم الأوّل فقط، لمخالفته إيّاه، وأمّالحكم الثاني فلا يكون الاضطرار مخالفاً له، فلا يجوّز المخالفة القطعيّة.
هذا في باب الاضطرار إلى بعض أطراف العلم الإجمالي.
وأمّا فيما نحن فيه فالعاجز يكون عالماً تفصيلاً بأنّ التكليف بالصلاةالمشتملة على عشرة أجزاء توجّه إليه أوّل الوقت، ولكنّه ارتفع من حينالعجز قطعاً، ويكون شاكّاً في أنّ التكليف بالصلاة المشتملة على تسعة أجزاءهل توجّه إليه أم لا؟ فلا يجوز قياس المقام بباب الاضطرار إلى بعض أطرافالعلم الإجمالي، لأنّه مع الفارق.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه: أنّه لا فرق في جريان البراءة العقليّة بين كونهعاجزاً عن القيد من قبل البلوغ وبين صيرورته عاجزاً بعده، سواء كانمستوعباً لجميع الوقت أو عرض عليه في الأثناء.
هذا تمام الكلام في المقام الأوّل، أعني الحكم العقلي في المسألة.
(صفحه294)
وأمّا المقام الثاني: ـ أعني القواعد الشرعيّة ـ ففيه ثلاثة مباحث:
ج5
في مقتضى البرائة الشرعيّة عند الاضطرار إلى ترك أحد القيود
البحث الأوّل: في البراءة الشرعيّة
نظريّة صاحب الكفاية رحمهالله فيه
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية إلى عدم جريانها، لأنّ حديث الرفعورد في مقام الامتنان، فيختصّ بما يوجب نفي التكليف، لا إثباته، مع أنّه لو عمّالمقام ورفع الجزئيّة المشكوكة حال العجز لأوجب إثبات التكليف، وهو لزومالإتيان بالباقي(1). هذا حاصل كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله
واُورد عليه بأنّ للبحث حيثيّتين: إحداهما: جزئيّة الجزء المتعذّر فيهللعاجز، والثانية: لزوم الإتيان ببقيّة الأجزاء.
والتمسّك بحديث الرفع في الحيثيّة الثانية وإن لم يمكن، لكونه خلافالامتنان، إلاّ أنّه لا مانع من التمسّك به في الحيثيّة الاُولى، فنحكم بمقتضاه أنّالجزء المتعذّر فيه ليس جزءً للعاجز ولا يجب عليه إتيانه، من دون أن نحكمبلزوم إتيان الباقي.
أقول: إنّ الحديث مشتمل على فقرتين مرتبطتين بالمقام:
(صفحه296)
إحداهما: قوله صلىاللهعليهوآله : «ما لا يطيقون»، والثانية: قوله صلىاللهعليهوآله : «ما لا يعلمون».
فبالاُولى نحكم بعدم وجوب الجزء المتعذّر فيه على العاجز، وبالثانية نحكمبعدم وجوب إتيان الباقي عليه.
فلا إشكال في جريان البراءة الشرعيّة بهذا التقرير في المقام.