طبيعة الركوع في جعل ماهيّة الصلاة، لأنّ الوحدة إمّا قيد أو لا، فعلى الأوّليرجع إلى أخذه بشرط لا، وعلى الثاني يرجع إلى اللابشرط بالمعنى الثاني.
وهو رحمهالله اعترف بعدم صدق الزيادة على الركوع الثاني بالنسبة إلى المأموربه بما هو مأمور به فيما إذا كان الجزء مأخوذاً في مقام الأمر والطلب بشرط لا،أو على نحو لا بشرط بالمعنى الأوّل الذي لازمه هو خروج الوجود الثاني عندائرة المطلوبيّة.
وأمّا إذا كان الجزء مأخوذاً في مقام تعلّق الأمر لا بشرط بالمعنى الثانيالراجع إلى كون المطلوب هو صرف وجود الطبيعي فهو رحمهالله ذهب إلى صدقعنوان الزيادة على الوجود الثاني بالنسبة إلى المركّب والمأمور به كليهما،بدعوى أنّ انطباق صرف الطبيعي على الوجود الأوّل في الوجودات المتعاقبةيوجب تحدّد دائرة المركّب والمأمور به قهراً بحدّ يكون الوجود الثاني بالقياسإليه من الزيادة في المركّب والمأمور به.
وهذه الدعوى باطلة عندنا، لأنّ الأمر إذا تعلّق بالصلاة التي أحد أجزائههو طبيعة الركوع ـ الجامعة بين الواحد والمتعدّد ـ لم يصدق الزيادة في المأموربه على الركوع الثاني، لأنّ جزء المأمور به حينئذٍ هو مجموع الركوعين،لا الركوع الأوّل فقط، إذ الطبيعة تتحقّق حينئذٍ في ضمن مجموعهما.
نعم، لو اكتفى بركوع واحد لتحقّقت الطبيعة به فقط.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ الزيادة الحقيقيّة في الجزء والشرط لا تكونمتصوّرة، وإنّما تتصوّر الزيادة العرفيّة في بعض الموارد، وهو ما إذا كان الجزءوالشرط مأخوذين في المأمور به لا بشرط.
مقتضى الأصل في الزيادة الحقيقيّة
ولو سلّمنا تحقّق الزيادة الحقيقيّة في المأمور به وأغمضنا عمّا أوردنا علىالمحقّقالعراقي رحمهالله فهل يقتضي الأصلالأوّلي(1) بطلان العمل بسبب الزيادة أملا؟
الحقّ هو الثاني؛ لأنّ العقل لا يحكم ببطلان المأتيّ به إلاّ فيما إذا لم يطابقالمأمور به.
وعدم المطابقة يتحقّق في النقيصة دون الزيادة، لأنّ المصلّي إذا لم يركع فيصلاته كان المأتيّ به غير ما هو المأمور به، بخلاف ما إذا ركع ركوعين، فإنّ مأتى به حينئذٍ هو المأمور به مع زيادة، فلا يكون مغايراً له.
نعم، لو اُخذ الركوع بنحو الماهيّة بشرط لا في الصلاة لبطلت بإتيانركوعين، لكنّه خارج عن محلّ النزاع، لرجوعه إلى النقيصة، فإنّه لم يأتبالركوع الواحد من دون زيادة الذي هو جزء للصلاة، فإنّ الجزء هو الركوعبشرط لا فرضاً، أي بشرط عدم الزيادة على الواحد.
والحاصل: أنّ الأصل في النقيصة هو بطلان العمل، دون الزيادة، لعدم كونالزائد مانعاً، فالعمل المشتمل على الزيادة يكون صحيحاً.
البحث حول الاستصحابات التي ادّعي جريانها في المقام
ولا نحتاج إلى التمسّك بالاستصحاب لإثبات صحّة العمل، لكن ربميستدلّ به من وجوه:
الأوّل: استصحاب عدم مانعيّة الزيادة.
وهو من قبيل استصحاب عدم قرشيّة المرأة، وقلنا سابقاً: أحسن
- (1) أي القاعدة العقليّة مع قطع النظر عن الأخبار التي سيجيء البحث عنها في ص270. م ح ـ ى.
ج5
التقريبات لجريان هذه الاستصحابات أن نقول: ماهيّة الزيادة قبل وجودها لمتكن مانعة، فبعد وجودها إذا شككنا في أنّها هل هي مانعة أم لا؟ يستصحبعدم مانعيّتها.
لكن يرد عليه ـ كما قلنا كراراً ـ أنّ جريان الاستصحاب مشروط باتّحادالقضيّة المتيقّنة مع المشكوكة، وهاهنا لم تكونا متّحدتين، فإنّ الموضوع فيالقضيّة المتيقّنة هو ماهيّة الزيادة التي لا تكون موجودة، وفي المشكوكة ماهيّةالزيادة الموجودة، فأين الاتّحاد؟
وبعبارة اُخرى: القضيّة المتيقّنة سالبة بانتفاء الموضوع، والمشكوكة سالبةمع وجوده، فإنّ المانعيّة المشكوكة إنّما هي أثر الزيادة الموجودة لو كانتالزيادة مانعة في الواقع، لا أثر الماهيّة حتّى مع عدم وجودها، فالاتّحاد بينهما ليكون إلاّ صوريّاً، كاتّحاد قولنا: «ليس زيد بقائم» إذا أردنا عدم وجود زيدحتّى يكون قائماً مع قولنا: «ليس زيد بقائم» إذا أردنا أنّه موجود لكنّه ليسبقائم، والاتّحاد الصوري بين القضيّتين لا يكفي في جريان الاستصحاب، بللابدّ من الاتّحاد الحقيقي.
الثاني: استصحاب عدم وقوع المانع في الصلاة مثلاً.
واُورد عليه بأنّه مثبت، فإنّ الأثر الشرعي لا يترتّب على نفس هذالمستصحب، بل يترتّب على كون الصلاة بلا مانع، فلابدّ من واسطة عقليّة.
لكن يمكن أن يُجاب عنه بأنّا نستصحب نفس كون الصلاة بلا مانع، فإنّهقبل تحقّق الزيادة كانت بلا مانع، فيستصحب.
إن قلت: هذا الاستصحاب مبنيّ على أن تكون مانعيّة الشيء للصلاة عبارةًعن أخذ عدمه فيها، بحيث يكون المأمور به هو الصلاة المقيّدة بعدمه.
وأمّا لو قلنا بأنّها عبارة عن كون وجوده مضادّاً للصلاة ومانعاً عن تحقّق