ج5
الملاقي مسبّبة عن طهارة الملاقى، لما عرفت من ابتلاء الأصل في ناحية السبببالمعارض، فلا منع من جريانه في المسبّب.
والحاصل: أنّ الشبهة المذكورة لو تمّت لما جرت إلاّ في بعض صور ما نحنفيه.
البحث حول ما إذا كان الملاقى ـ بالفتح ـ خارجا عن الابتلاء
كلام صاحب الكفاية في ذلك
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني رحمهالله ـ مضافا إلى الصور الثلاثة المتقدّمة ـ تعرّضلصورة اُخرى، وهي ما إذا علم بالملاقاة، ثمّ حدث العلم الإجمالي بنجاسةمجموع الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر، ولكن كان الملاقى ـ بالفتح ـ خارجعن محلّ الابتلاء في حال حدوث العلم بالنجاسة وصار مبتلى به بعده.
وذهب في هذه الصورة أيضاً ـ كالصورة الثانية ـ إلى لزوم الاجتناب عنالملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر، دون الملاقى ـ بالفتح ـ لأنّه كان خارجا عنمحلّ الابتلاء حين حدوث العلم، ومنجّزيّة العلم الإجمالي تتوقّف على دخولأطرافه في محلّ الابتلاء(1).
هذا توضيح ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله .
نقد كلام صاحب الكفاية رحمهالله في هذه الصورة
لكنّ الحقّ هو وجوب الاجتناب عن الجميع في هذه الصورة.
أمّا بناءً على ما اخترناه تبعا لسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» ـ من عدم
(صفحه150)
تأثير الدخول في محلّ الابتلاء والخروج عنه في منجّزيّة العلم الإجماليوعدمها ـ فواضح، فإنّ العلم الإجمالي على هذا المبنى منجّز للتكليف حتّى فيمإذا كان بعض أطرافه خارجا عن الابتلاء، ففي هذه الصورة يجب الاجتنابعن الملاقي والملاقى والطرف الآخر جميعا.
وأمّا بناءً على ما اختاره المحقّق الخراساني رحمهالله ـ من توقّف منجّزيّة العلمالإجمالي على دخول جميع أطرافه في محلّ الابتلاء ـ فلأنّ خروج بعضالأطراف عن الابتلاء يمنع عن تنجيز العلم الإجمالي فيما إذا لم يكن للطرفالخارج أثر داخل في محلّ الابتلاء، وأمّا إذا كان له أثر كذلك ـ كما في المقام فلا.
بل الأمر كذلك في غير موارد العلم الإجمالي أيضاً، فإنّا لو غسلنا ثوبنالنجس في ماء ثمّ أرقناه ثمّ شككنا في بقاء كرّيّته لجرى استصحاب كرّيّتهوحكم بطهارة الثوب المغسول به.
ولا يمنع من جريان الاستصحاب خروج الماء عن محلّ الابتلاء بإراقتهوانعدامه، لأنّ أثره ـ وهو الثوب المغسول به ـ يكون مبتلى به، فكأنّ الماءيكون باقيا وداخلاً في محلّ الابتلاء.
وكذلك الأمر في المقام، فإنّ الملاقى ـ بالفتح ـ وإن لم يكن مبتلى به عندحدوث العلم الإجمالي، إلاّ أنّ أثره وهو الملاقي ـ بالكسر ـ كان كذلك، فكأنّالملاقى ـ بالفتح ـ أيضاً كان محلاًّ للابتلاء في حال حدوث العلم، فيجبالاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر.
وحاصل جميع ما ذكرناه في المسألة: أنّه يجب الاجتناب عن الملاقىـ بالفتح ـ في صورة، وعن الملاقي ـ بالكسر ـ في صورة اُخرى، وعن مجموعهمفي صورتين اُخريين.
ج5
هذا تمام الكلام في مبحث ملاقي بعض أطراف العلم الإجمالي، وبه تمّ جميعمباحث دوران الأمر بين المتباينين.
(صفحه152)
ج5
في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر
المقام الثاني: في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر
إذا دار الأمر بين الأقلّ والأكثر فهل العقل يحكم بجريان البراءة أو بلزومالاحتياط؟ وماذا يقتضيه الاُصول الشرعيّة؟
قبل الشروع في البحث لابدّ من ذكر مقدّمتين لتحرير محلّ النزاع.
الفرق بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين والاستقلاليّين
الاُولى: الأقلّ والأكثر على قسمين: ارتباطي واستقلالي:
أمّا الأوّل: فهو أن يلاحظ الآمر مجموع اُمور منضمّة بعضها إلى بعضويأمر بها، بحيث يكون كلّ واحدٍ من هذه الاُمور مؤثّراً في تحقّق غرضالمولى حالة انضمامه مع الاُمور الاُخر، ولا يكون وحده ذا أثر أصلاً، كالصلاة،فإذا شككنا في جزئيّة شيء للصلاة يكون من مصاديق دوران الأمر بينالأقل والأكثر الارتباطيّين.
وأمّا الثاني: فهو أن يلاحظ اُموراً ويأمر بإتيانها، لكن لا يلاحظ الانضمام،بل كلّ واحد من هذه الاُمور يكون مأموراً به مستقلاًّ وذا أثر مستقلّ، بحيثلو أتى المكلّف ببعضها دون بعض آخر لأطاع بالنسبة إلى ما أتى به وعصىبالنسبة إلى ما تركه، مثل الصلوات المتعدّدة المأمور بها، فلو شككنا فيالصلوات الفائتة بين الخمس والستّ يكون من مصاديق الأقلّ والأكثرالاستقلاليّين.