هذا كلّه فيما إذا كان الدليل على عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غيرالمحصورة هو الروايات التي عمدتها صحيحة عبداللّه بن سنان.
وأمّا بناءً على كون الدليل هو الوجه المذكور في كلام المحقّق الحائري رحمهالله فهليجب الاحتياط في موارد الشكّ أم لا؟
الحقّ هو التفصيل بين الشبهة المفهوميّة والمصداقيّة.
وحينئذٍ فلو شككنا في مورد هل بلغت كثرة أطرافه إلى هذا الحدّ أم لا؟فإن كان بنحو الشبهة المفهوميّة(1) كان المرجع هو العمومات والإطلاقاتالأوّليّة الدالّة على وجوب الاجتناب، إذ كان أمر المخصّص دائرا بين الأقلّوالأكثر، فكان هو المرجع في القدر المتيقّن، وبقي مازاد عليه تحت العموماتوالإطلاقات الأوّليّة.
والإطلاقات في مورد الشكّ، كما لا يجوز التمسّك بالمخصّص.
فلا يجب الاحتياط فيه، لعدم تحقّق ما يُلزمه بعد عدم صلاحيّة الأدلّةالأوّليّة للتمسّك بها فيه.
هذا تمام الكلام في الشبهة غير المحصورة.
ولكن ينبغي ذكر نكتتين في خاتمة هذا البحث، لاشتمالهما على ثمرة فقهيّة:
الاُولى: أنّه لا ريب في عدم صحّة الوضوء بمايع مردّد بين الماء والبول،وإن كان يجري فيه أصالة الطهارة والحلّيّة لكونه من مصاديق الشبهةالبدويّة.
وذلك لأنّ ما يتوضّأ به لابدّ من أن يكون ماءً، فلابدّ من إحراز كونه ماءًوجدانا أو من قيام دليل معتبر على ذلك، وأصالة الطهارة والحلّيّة وإن كانتتحكم بطهارته وحلّيّته، إلاّ أنّها لا تثبت كونه ماءً.
إنّما الكلام في أنّ خمرا إذا تردّدت بين أطراف غير محصورة وقلنا بعدموجوب الاجتناب فيها فهل يجوز التوضّي بأحد هذه الأطراف أم لا؟
الحقّ هو الجواز، بناءً على كون الدليل على عدم وجوب الاحتياط ما ذكرهالمحقّق الحائري في كتاب «الدرر»، وعدمه بناءً على كون الدليل على ذلك هوالروايات.
توضيح ذلك: أنّ صحيحة عبداللّه بن سنان تكون في مقام بيان حكمالأطراف، وهو حلّيّتها، وليست في مقام بيان الموضوع من كونه خمرا أو ماءً،بخلاف الأمارة العقلائيّة المذكورة في كلام المحقّق الحائري رحمهالله ، فإنّها تحكم فيكلّ طرف بعدم كونه خمرا، وهو عبارة اُخرى عن الحكم بكونه ماءً.
وبالجملة: الفرق بين هذين الدليلين أنّ الروايات تكون بصدد بيان حكم
(صفحه130)
أطراف الشبهة غير المحصورة، وما ذكره المحقّق الحائري رحمهالله بصدد بيانموضوعها.
وأمّا بناءً على ما اختاره المحقّق النائيني رحمهالله ـ من ضبط غير المحصور ببلوغكثرة الأطراف إلى حدّ لا يتمكّن المكلّف عادةً من جمعها في الاستعمال، ثمّاستنتاج(1) عدم حرمة المخالفة القطعيّة اللازم منه عدم وجوب الموافقةالقطعيّة ـ فلا يجوز التوضّي بأحد الأطراف، لأنّ عدم حرمة المخالفة القطعيّةالناشئة من عدم إمكان الجمع في الاستعمال لا يقتضي إحراز المائيّة.
لكنّ الفاضل المقرّر قال: إنّه رحمهالله كان يميل إلى سقوط حكم الشبهة عن كلّطرف وصحّة التوضّي به(2).
وهذا لا يلائم مبناه رحمهالله فيما به يمتاز المحصور عن غيره.
والحاصل: أنّه يجوز التوضّي بأحد أطراف الشبهة غير المحصورة بناءً علىما ذكره المحقّق الحائري رحمهالله ، ولا يجوز بناءً على ما اختاره المحقّق النائيني، كما ليجوز أيضاً بناءً على صحيحة عبداللّه بن سنان.
الثانية: أنّ عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة هل يختصّبالشبهات التحريميّة أو تعمّ الوجوبيّة؟(3)
الحقّ أنّ صحيحة عبداللّه بن سنان لا تعمّها، لاختصاص قوله عليهالسلام : «كلّشيء فيه حلال وحرام» بالشبهات التحريميّة، فلا يمكن إثبات عدم وجوبالاحتياط بها في الشبهات الوجوبيّة، إلاّ بضميمة عدم القول بالفصل.
لكنّ الدليل المذكور في كلام المحقّق الحائري رحمهالله يعمّها بلفظه ولسانه،
- (1) عطف على «ضبط غير المحصور». م ح ـ ى.
- (2) فوائد الاُصول 4: 122.
- (3) ويمكن التمثيل للشبهة الوجوبيّة غير المحصورة بما إذا نذر ـ بنذر صحيح ـ شرب ما في إناء خاصّ،وكان ذلك الإناء مردّدا بين أطراف غير محصورة.منه مدّ ظلّه.
ج5
ضرورة أنّ الأمارة العقلائيّة كما تدلّ في كلّ طرف من أطراف الشبهة التحريميّةغير المحصورة على عدم كونه هو الحرام، كذلك تدلّ في كلّ من أطراف الشبهةالوجوبيّة غير المحصورة على عدم كونه هو الواجب.