ج5
عنهما بـ «الصغرى» و«الكبرى» ولا تتمّ الحجّة إلاّ بتماميّتهما، فإذا قال المولى:«أكرم كلّ عالم» بنحو العامّ الاستغراقي، كانت الحجّة تامّة بالنسبة إلى معلومالعالميّة، لأنّا نتمكّن من تشكيل القياس ونقول: «هذا عالم وكلّ عالم يجبإكرامه فهذا يجب إكرامه» بخلاف مشكوك العالميّة، لعدم تماميّة الصغرىبالنسبة إليه كي ينضمّ إليها الكبرى الكلّيّة ويتمّ القياس المنتج، فالعقاب علىترك إكرامه يكون عقاباً بلا حجّة وبيان، وهو قبيح عقلاً.
وأمّا إذا شككنا في عالميّة زيد في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين، فحيث إنّلفظ «المجموع» في قول المولى: «أكرم مجموع العلماء» اُخذ بنحو الموضوعيّةفلم يحرز العنوان المأمور به ـ وهو إكرام مجموع العلماء ـ فيما إذا تركنا إكرامه،مع أنّ إحراز العنوان ممّا لابدّ منه(1)، وبدونه لا تكاد تجري البراءة العقليّة.
تتمّة
قد يتعلّق التكليف بنفس الطبيعة، مثل «لا تشرب الخمر» فإذا شككنا فيخمريّة مايع فهل تجري البراءة مثل تعلّق التكليف بنحو العموم الاستغراقي، أويجب الاحتياط، مثل تعلّقه بنحو العموم المجموعي؟ وبعبارة اُخرى: هل هومن مصاديق الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين أو الارتباطيّين؟
الظاهر أنّه نظير العامّ الاستغراقي، فإنّ الظاهر من قول المولى: «لا تشربالخمر» أنّ كلّ فرد من أفراد شرب الخمر حرام، فإذا شككنا في خمريّة مايعفلم نحرز صغرى القياس بالنسبة إليه، فالعقاب على شربه كان عقاباً بلا حجّةوبيان، وهو قبيح.
- (1) ولذا قلنا عند التكلّم في الأقلّ والأكثر في الأجزاء: البحث مبنيّ على كون ألفاظ العبادات موضوعةللأعمّ، وأمّا على القول بأنّها موضوعة للصحيح فلا خلاف في عدم جريان البراءة، لأنّه إذا أخلّ المكلّفبالجزء المشكوك شكّ في تحقّق العنوان المأمور به. منه مدّ ظلّه.
(صفحه226)
فتلخّص من جميع ما ذكرناه في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشبهةالموضوعيّة أنّ البراءة العقليّة تجري في الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين دونالارتباطيّين.
ج5
(صفحه228)
في نسيان الجزء أو الشرط
تنبيهات الأقلّ والأكثر
ينبغي أن يذكر عقيب البحث عن الأقلّ والأكثر مسائل بعضها اُصوليّةوبعضها فقهيّة، ولكن كلّها تكون محلّ الابتلاء ويحتاج المكلّف كثيراً ما إليها:
المسألة الاُولى: في نسيان الجزء أو الشرط
إذا دلّ دليل على جزئيّة شيء أو شرطيّته للمأمور به إجمالاً ولم يكن لهإطلاق، فشككنا في أنّه جزء أو شرط له مطلقاً ـ سواء كان المكلّف ملتفتاً أوناسياً(1) ـ أو انحصر جزئيّته وشرطيّته بحال الالتفات(2)، فماذا يقتضيه القواعدوالاُصول؟ هل تجري البراءة العقليّة أم يجب الاحتياط؟
نظريّة الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله في المسألة
قال شيخنا العلاّمة «أعلى اللّه مقامه» في الرسائل:
الأقوى أصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهواً، إلاّ أن يقوم دليل عامّ أوخاصّ على الصحّة، لأنّ ما كان جزءً في حال العمد كان جزءً في حال الغفلة،
- (1) فكما يجب عليه الإعادة والقضاء لو تركه عمداً كذلك يجبان عليه لو تركه غفلةً ونسياناً، إلاّ أن يقوم دليلعلى عدم وجوبهما. منه مدّ ظلّه.
- (2) فلو تركه نسياناً كان صحيحاً ولا يجب عليه الإعادة ولا القضاء، إلاّ أن يقوم دليل على وجوبهما.منه مدّ ظلّه.
ج5
فإذا انتفى انتفى المركّب، فلم يكن المأتيّ به موافقاً للمأمور به، وهو معنىفساده(1).
ثمّ استدلّ على قوله: «ما كان جزءً في حال العمد كان جزءً في حال الغفلة»بأنّ المكلّف الذي يعلم جزئيّة السورة للصلاة في حال الالتفات ويشكّ فيجزئيّتها لها في حال النسيان يتوجّه إليه التكليف بالصلاة مع السورة ابتداءًقبل الغفلة، وإذا غفل عنها في أثناء الصلاة لم يتغيّر التكليف ولم يحدث بالنسبةإليه من الشارع أمر آخر حين الغفلة، بأن يقول: «أيّها الغافل لا تجب عليكالسورة» لأنّه مستلزم لرفع غفلته، فالصلاة المأتيّ بها من غير سورة غيرمأمور بها أصلاً، غاية الأمر عدم توجّه الأمر بالصلاة مع السورة إليه،لاستحالة تكليف الغافل، فالتكليف ساقط عنه ما دام الغفلة، فإذا التفت إليهيجب عليه الإتيان بالصلاة المشتملة لها(2). هذا محصّل كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده الشيخ الأعظم قدسسره
أقول: لو أراد بقوله: «ما كان جزءً في حال العمد كان جزءً في حال الغفلة»أنّ بين الجزئيّة في حال العمد والجزئيّة في حال النسيان ملازمةً بحسب مقامالثبوت، فهو باطل، إذ لا مانع من أن يكون شيء جزءً للمركّب ومؤثّراً فيحصول الغرض منه في حال العمد بدون جزئيّته له في حال النسيان، فإنّا نعلمأنّ الركوع مثلاً جزء للصلاة حتّى في حال النسيان، ولكنّ السورة لا تكونجزءً لها ومؤثّرة في حصول الغرض منها إلاّ في حال العمد.
وإن أراد به أنّ بين الجزئيّة في حال العمد والجزئيّة في حال النسيان ملازمةً
- (1) فرائد الاُصول 2: 363.