ثمّ استدلّ على قوله: «ما كان جزءً في حال العمد كان جزءً في حال الغفلة»بأنّ المكلّف الذي يعلم جزئيّة السورة للصلاة في حال الالتفات ويشكّ فيجزئيّتها لها في حال النسيان يتوجّه إليه التكليف بالصلاة مع السورة ابتداءًقبل الغفلة، وإذا غفل عنها في أثناء الصلاة لم يتغيّر التكليف ولم يحدث بالنسبةإليه من الشارع أمر آخر حين الغفلة، بأن يقول: «أيّها الغافل لا تجب عليكالسورة» لأنّه مستلزم لرفع غفلته، فالصلاة المأتيّ بها من غير سورة غيرمأمور بها أصلاً، غاية الأمر عدم توجّه الأمر بالصلاة مع السورة إليه،لاستحالة تكليف الغافل، فالتكليف ساقط عنه ما دام الغفلة، فإذا التفت إليهيجب عليه الإتيان بالصلاة المشتملة لها(2). هذا محصّل كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده الشيخ الأعظم قدسسره
بحسب مقام الإثبات ـ كما هو ظاهر كلامه ـ أي بحسب مقام البيان وإفهامالمخاطب، فإنّا لا نسلّم أنّ المولى يحتاج إلى خطابين: أحدهما في حالالالتفات، والآخر في حال الغفلة كي يصحّ القول بأنّ الخطاب الثاني مستلزملرفع غفلة الغافل، فإنّ المولى إن أراد جزئيّة السورة للصلاة في خصوص حالالالتفات يتمكّن من أن يوجّه خطاباً واحداً إلى عامّة المكلّفين بقوله: «يا أيّهالذين آمنوا أقيموا الصلاة، والصلاة عشرة أجزاء: تكبيرة الإحرام، والحمد،والسورة، و...» لكنّه يعلم أنّ المتذكّر يأتي بها مع السورة، والناسي ـ حيث ليقدر على السورة ـ يأتي بها بدونها، وهذا هو غرضه من خطابه(1).
فلو أراد عدم جزئيّة المنسيّ بالنسبة إلى الغافل لم يحتج إلى توجيه خطابينإليه.
لكن إذا زالت غفلة المكلّف لا يعلم أنّ السورة المنسيّة كانت جزءً للصلاةبالنسبة إليه أم لا، فيحتاج إلى التمسّك بالأصل، والأصل يقتضي البراءة، لأنّالعقل كما يحكم بقبح العقاب بلا بيان فيما إذا شككنا في أصل الجزئيّة يحكم بهأيضاً فيما إذا علمنا الجزئيّة إجمالاً، لكن شككنا في أنّه جزء مطلقاً أو فيخصوص حال الالتفات، فإنّ الجزئيّة في حال الالتفات معلومة تفصيلاً، وفيحال النسيان مشكوكة بدواً.
فما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله غير صحيح.
بل استشكل عليه أكثر المتأخّرين عنه حتّى بعض الفضلاء من تلامذتهبوجوه:
البحث حول كلام الميرزا الشيرازي رحمهالله في المسألة
- (1) أي غرضه تعلّق بأنّ الذاكرين يأتون بالصلاة مع السورة، والناسين يأتون بها بدونها. منه مدّ ظلّه.
ج5
منها: ما أفاده الميرزا حسن الشيرازي «أعلى اللّه مقامه» فإنّه بعدالالتزام بما ذكره الشيخ سلك طريقاً آخر لإثبات البراءة العقليّة، وهو أنّالغافل عن الجزء لا تكليف له أصلاً، أمّا عدم تكليفه بالصلاة مع السورة فلأنّهلا يقدر عليها، وأمّا عدم تكليفه بالصلاة بدون السورة فلأنّه لابدّ للمولى منتوجيه هذا التكليف إليه بعنوان أنّه غافل، لعدم شموله للملتفت، مع أنّه ليتوجّه إلى غفلته، فيستحيل تكليفه بهذا العنوان، وإلاّ تبدّل غفلته إلىالالتفات كما قال الشيخ الأعظم قدسسره فليس الغافل عن السورة مكلّفاً بالصلاةأصلاً ما دام غافلاً.
ثمّ إذا أتى بالصلاة الفاقدة للسورة وزالت غفلته، يشكّ في أنّ التكليفبالصلاة هل حدث بالنسبة إليه أم لا؟ فيحكم العقل بقبح العقاب بلا بيانوالمؤاخذة بلا حجّة وبرهان.
وهذا بخلاف الغافل عن أصل الصلاة، فإنّه وإن لم يكن أيضاً حين غفلتهمكلّفاً بالصلاة، إلاّ أنّه بعد زوال الغفلة يعلم بصيرورته مكلّفاً بها، فلابدّ له منالإتيان بها.
والفارق بينهما أنّ الغافل عن السورة أتى بصلاة فاقدة لها، والغافل عنأصل الصلاة لم يأت بها أصلاً(1).
هذا حاصل ما أفاده الميرزا الشيرازي رحمهالله في مقام الإشكال على بيان الشيخالأنصاري رحمهالله .
نقد كلام الميرزا الشيرازي قدسسره
وهو وإن كان كلاماً جيّداً يمكن به المناقشة في نظريّة الشيخ رحمهالله وإثبات
- (1) نقل كلام الميرزا رحمهالله في نهاية الدراية 4: 339، وفي درر الفوائد: 491.