ج5
فلا يجوز للمكلّف أن يدخل في الصلاة تاركاً للفاتحة عمداً باستناد هذهالرواية، وكذلك الشاكّ في الحكم أو الموضوع، لأنّه يستلزم الاستناد إلىالرواية وقت الدخول في الصلاة، مع أنّا قلنا في المقدّمة الثانية: إنّها لا تكونمرجعاً وقت الدخول.
وأمّا خروج من نسي الحكم ـ أي الجزئيّة أو الشرطيّة ـ ومن جهل بهجهلاً مركّباً عن تحتها، فلأنّه لو قلنا بدخوله في الرواية للزم عدم كون الجزءوالشرط جزءً وشرطاً بالنسبة إليه واقعاً، ولزم أن تكون صلاته مشتملةً علىالمصلحة التي اشتملت عليها صلاة الذاكر العالم بمقتضى المقدّمة الاُولى، وهذتصويب مجمع على بطلانه، فإنّ التصويب عبارة عن كون الجهل أو النسياندخيلاً في المصلحة الواقعيّة.
فالجاهل البسيط بالحكم لابدّ له من التعلّم، والجاهل البسيط بالموضوعلابدّ له من الرجوع إلى القواعد المقرّرة للشاكّ، مثلاً لو شكّ في طهارة ثوبهوقد كان طاهراً فيما سبق استصحب طهارته السابقة.
فظهر أنّ حديث «لا تعاد» ظاهر في نسيان الموضوع والجهل المركّب بهفقط(1).
هذا حاصل كلامه رحمهالله في كتاب صلاته.
نقد ما أفاده المحقّق الحائري رحمهالله في المقام
لكن يرد عليه أنّا نمنع المقدّمة الاُولى، فإنّ قوله في ذيل الرواية: «القراءةسنّة والتشهّد سنّة والتكبير سنّة ولا ينقض السنّة الفريضة»(2) ظاهر في أنّ
- (1) كتاب الصلاة ـ للمحقّق الحائري ـ : 315.
- (2) وسائل الشيعة 5: 470، كتاب الصلاة، الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 14.
(صفحه270)
وجه عدم الإعادة هو أنّ السنن لا تنقض الفرائض، يعني أنّ الصلاة الفاقدةللقراءة والتشهّد مع كونها ناقصة مسقطة للأمر، فالحديث لا يدلّ على تماميّةالصلاة الفاقدة للجزء أو الشرط واقعاً، بل يدلّ على تقبّل الصلاة الناقصةمكان الكاملة، فشموله لناسي الحكم والجاهل المركّب به لا يستلزمالتصويب.
ولو كان بصدد بيان التماميّة والصحّة الواقعيّة لقال في مقام التعليل: «إنّالصلاة الفاقدة للقراءة والتشهّد لا تكون ناقصة، بل تامّة صحيحة واقعاً» بدلقوله: «القراءة سنّة والتشهّد سنّة ولا تنقض السنّة الفريضة».
والظاهر أنّ المراد بـ «السنّة» ما ثبت وجوبه بعمل النبيّ صلىاللهعليهوآله وبـ «الفريضة»ما ثبت وجوبه من قبل اللّه تعالى، كما أنّ الركعتين الاُوليين في الصلاة تسمّىفرض اللّه، والأخيرتين تسمّى فرض النبيّ، ولأجل هذا تبطل الصلاة بالشكّفي الاُوليين دون الأخيرتين.
فالرواية تدلّ على أنّ وجوب مثل القراءة والتشهّد ثبت بعمل النبيّ صلىاللهعليهوآله ووجوب الخمسة المذكورة في صدر الرواية ثبت من قبل اللّه تعالى، وإذا كانتالصلاة مشتملة على ما وجب من قبله تعالى لا ينقضها فقدان ما وجب بعملالنبيّ صلىاللهعليهوآله ، فيكتفى بها وإن كانت ناقصة.
فأين دلالة الرواية على التماميّة والصحّة الواقعيّة التي ادّعاها المحقّقالحائري رحمهالله في المقدّمة الاُولى؟!
فلا إشكال في شمول الرواية للجهل والنسيان، سواء تعلّقا بالحكم أوالموضوع.
نعم، الظاهر خروج الجاهل المقصّر عن الرواية، لكن لا لأجل الإجماع
ج5
على خروجه كما قيل، فإنّه لا إجماع عليه.
بل للجهة التي ذكرناها لإثبات خروج العامد العالم ـ وإن كانت هذه الجهةفي العامد أوضح من الجاهل المقصّر ـ وهي أنّ الإعادة لا تشمله عرفاً، لإثباتاً ولا نفياً، فلا يشمله «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة» لأنّ من أراد الإتيانبصلاة صحيحة، ومع ذلك وقع خلل في صلاته يمكن توجيه وجوب وعدموجوب الإعادة إليه، وأمّا مَن شكّ في جزئيّة الفاتحة مثلاً وأمكن له أن يتعلّم،لكنّه لم يتعلّم ودخل في الصلاة تاركاً لها لم يرد الإتيان بصلاة صحيحة، فلميكد يقع المأتيّ به بقصد القربة وداعي امتثال الأمر، فلا يصحّ توجيه الإعادةوعدمها إليه بقولنا: «تجب عليك الإعادة» أو «لا تجب عليك الإعادة».
وقال بعضهم بعدم خروج الجاهل المقصّر، وهو ظاهر كلام سيّدنا الاُستاذالإمام«مدّ ظلّه» فإنّه وسّع في معنى الرواية بما تعمّ الجاهل المقصّر(1).
والحاصل: أنّ الحديث لا يعمّ العالم العامد والجاهل المقصّر، لكن خروجالأوّل عن تحته قطعي وخروج الثاني على الأقوى، وبقيّة الأقسام داخلة فيه.
البحث حول شمول الحديث للزيادة وعدمه
الجهة الثالثة: هل تختصّ الرواية بالنقيصة في جانب المستثنى والمستثنىمنه؟ فيكون معناها «لا تعاد الصلاة من نقيصة شيء إلاّ نقيصة هذه الأشياءالخمسة» أو تعمّ النقيصة والزيادة في كليهما؟ فيكون معناها «لا تعاد الصلاةمن نقيصة شيء ولا من زيادته إلاّ نقيصة هذه الخمسة وزيادتها» أو تختصّفي ناحية المستثنى بالنقيصة وفي ناحية المستثنى منه تشمل الزيادة أيضاً؟فيكون معناها «لا تعاد الصلاة من نقيصة شيء ولا من زيادتها إلاّ نقيصة هذه
- (1) راجع أنوار الهداية 2: 362.
(صفحه272)
الخمسة» فزيادة الخمسة تكون داخلةً في المستثنى منه.
الحقّ هو الثاني، لأنّ العرف يفهم منها الإطلاق في المستثنى والمستثنى منهكليهما.
نعم، لا يتصوّر تحقّق الزيادة في الوقت والقبلة، لكنّه لا يوجب الاختصاصبالنقيصة فيما يمكن زيادته(1).
إن قلت: لو كانت الزيادة مبطلة لكان لأجل شرطيّة عدمها في الصلاة،فترجع إلى النقيصة، فإنّ الصلاة تكون ناقصة من جهة عدم تحقّق شرطها،وهو عدم الزيادة، مثلاً من كرّر الركوع فقد نقص من صلاته شيئاً، وهو عدمزيادة الركوع، فالزيادة تكون نقيصةً واقعاً.
قلت: إنّ الزيادة ترجع إلى النقيصة عقلاً لا عرفاً، فإنّ العرف لا يرىالزيادة المعتبر عدمها في الصلاة نقيصة، بل يراها زيادة، والشاهد على هذقوله عليهالسلام : «مَن زاد في صلاته فعليه الإعادة»(2) فإنّ الزيادة لا توجب الإعادةإلاّ إذا كانت الصلاة مشروطة بعدمها، فالإمام عليهالسلام عبّر بالزيادة في هذه الروايةمع أنّها راجعة إلى النقيصة بحسب الدقّة العقليّة، وليس هذا إلاّ لأجل إطلاقالزيادة عليها في نظر العرف.
فقوله عليهالسلام : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة» ظاهر عرفاً في أنّ الزيادةوالنقيصة من قبل الاُمور الخمسة توجبان الإعادة، ومن قبل غيرها لتوجبان، ولا يلاحظ فيه حكم العقل برجوع الزيادة إلى النقيصة، فإنّ الظهورالعرفي هو الملاك في معنى الروايات لا حكم العقل.
البحث الثالث: في ملاحظة النسبة بين الحديثين
- (1) وتتصوّر الزيادة في الطهور ـ كما تتصوّر في الركوع والسجود ـ بناءً على كونه بمعنى مثل الوضوءالمركّب من الأجزاء والشرائط. منه مدّ ظلّه.
- (2) وسائل الشيعة 8 : 231، كتاب الصلاة، الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.
ج5
ولابدّ قبل الشروع في البحث من تقديم مقدّمتين حتّى يتبيّن حكم الزيادةالتي يتعارض الحديثان فيها.
الاُولى: أنّ حديث «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» هل يعمّ الزيادةالعمديّة أم لا؟
قيل: لا، إذ العامد حيث يلتفت إلى أنّ الركوع الزائد مثلاً لا يكون جزءًللصلاة لا يتمشّى منه قصد الصلاتيّة به، وقد عرفت أنّ قصدها شرط فيصدق الزيادة، فالعامد لا يقدر على الزيادة في صلاته كي يعمّه الحديث.
لكن يمكن الجواب عنه بأنّ العامد ـ مع كونه ملتفتاً إلى عدم جزئيّة الركوعالزائد ـ يمكن أن يأتي به بقصد الصلاتيّة تشريعاً، والتشريع وإن كان محرّماً، إلأنّ حرمته وعدم حرمته مسألة، ووجوب إعادة الصلاة وعدم وجوبها مسألةاُخرى يدلّ الحديث عليها.
وكيف كان، نحن نلاحظ النسبة بين حديث «لا تعاد» وحديث «من زاد»بكلا وجهيه، أي نلاحظ النسبة تارةً: على تقدير شمول حديث «من زاد»الزيادة العمديّة، واُخرى: على تقدير عدم شموله لها.
الثانية: أنّ المعارضة تتحقّق بين حديث «من زاد» والمستثنى منه منحديث «لا تعاد» لا المستثنى كما هو ظاهر.
فهل تلاحظ النسبة بين خصوص المستثنى منه بعد ورود الاستثناء عليهوبين حديث «من زاد»؟ بناءً على كون كلّ من المستثنى والمستثنى منه جملةمستقلّة كما هو ظاهر(1)، أو تلاحظ النسبة بين حديث «من زاد» ومجموعحديث «لا تعاد»؟ بناءً على كون المستثنى والمستثنى منه جملة واحدة ولهظهور واحد، بأن تكون الجملة الاستثنائيّة بمنزلة قضيّة لها موضوع واحد
- (1) فإنّ قولنا: «جائني القوم إلاّ زيداً» يكون بمعنى «جائني غير زيد من القوم ولم يجئني زيد». منه مدّ ظلّه.