ج5
الصلاة بمثل هذه الاُمور، ولا ريب في أنّ وجوب الإعادة معلول لهذه الأدلّة،لأنّه لازم للنهي عن تلك الاُمور في الصلاة، أو بطلان الصلاة بها، وحديث «لتعاد» يتصرّف في هذا المعلول ويضيّق دائرته.
فلا يجوز قياس حديث «من زاد» على أدلّة ما يخلّ فعله أو تركهبالصلاة(1).
هذا حاصل ما أورده المحقّق الحائري رحمهالله على الشيخ الأعظم الأنصاري،وهو صحيح متين.
كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في المسألة
ويمكن تقديم حديث «لا تعاد» على رواية «من زاد» بطريق آخر سلكهسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه».
وهو أنّ دلالة الأوّل على مادّة الاجتماع أقوى من دلالة الثاني عليهبوجهين:
أ ـ أنّ حديث «لا تعاد» مشتمل على الاستثناء، بخلاف حديث «من زاد»ولا ريب في أنّ ظهور الجملة الاستثنائيّة على ما بقي تحت المستثنى منه أقوىمن ظهور الجملة الفاقدة للاستثناء، لأنّه مشتمل على الحصر الموجب لقوّةالدلالة.
ب ـ أنّه مشتمل على ذكر العلّة، وهي قوله عليهالسلام : «القراءة سنّة والتشهّد سنّةولا تنقض السنّة الفريضة» بخلاف حديث «من زاد» وهو موجب لقوّة دلالةحديث «لا تعاد» لأنّ شمول حديث «من زاد» لمادّة الاجتماع يوجب التقييد في
- (1) كتاب الصلاة ـ للمحقّق الحائري ـ : 320.
(صفحه278)
علّة حديث «لا تعاد» والعلّة لا تصلح لأن تقيّد(1).
هذا حاصل كلام سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام «حفظه اللّه تعالى» وهودقيق متين.
والحاصل: أنّا وافقنا الشيخ الأعظم رحمهالله في تقديم حديث «لا تعاد» علىرواية «من زاد» في مادّة الاجتماع، لكن خالفناه في الطريق الذي سلكه لإثباتهذا المدّعى.
نعم، هاهنا إشكال، وهو أنّه لو قدّم حديث «لا تعاد» على حديث «منزاد» في مادّة الاجتماع لاختصّ حديث «من زاد» بالزيادة العمديّة، وهي قليلةجدّاً، وصدور الحديث لأجل هذه الموارد القليلة بعيد، فلابدّ من القولبشموله لمادّة الاجتماع.
إلاّ أن يقال: لا نسلّم قلّة الزيادة العمديّة، فإنّ المتشرّعة كثيراً ما يزيدونفي صلاتهم عمداً.
أو يقال: إنّ صدق الزيادة يتوقّف على تحقّق ركعة، فما زاد، لأنّ الزيادة لتصدق على شيء إلاّ إذا كان ذلك الشيء من سنخ المزيد عليه ومعنوناً بعنوانه،كما قال به المحقّق الحائري رحمهالله في كتاب صلاته.
لكن قد عرفت(2) الإشكال فيه أوّلاً، وتتغيّر حينئذٍ النسبة بين الحديثينبحيث لا يبقى مجال لما ذكرناه من المباحث بتلك المثابة التي ذكرناها ثانياً.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في معنى الزيادة
وينبغي هاهنا من ذكر مقالة المحقّق النائيني رحمهالله في معنى الزيادة ختاماً لهذ
- (1) أنوار الهداية 2: 366، وتهذيب الاُصول 3: 383.
ج5
البحث.
قال رحمهالله : تكملة:
لا إشكال في عدم تحقّق معنى الزيادة بفعل ما لا يكون من سنخ أجزاءالمركّب قولاً وفعلاً، كحركة اليد في الصلاة إذا لم يأت بها بقصد الجزئيّة.
وأمّا لو قصد بها الجزئيّة ـ سواء كان للجهل بالحكم أو للتشريع ـ ففيبطلان الصلاة وعدمه وجهان: أقواهما البطلان، لصدق الزيادة على ذلك،فيندرج فيما تقدّم من أدلّة الزيادة.
فما في بعض الكلمات: من أنّ الزيادة التشريعيّة لا تقتضي البطلان واضحالفساد، لصدق الزيادة على الزيادة التشريعيّة، فيعمّها قوله عليهالسلام : «من زاد فيالمكتوبة(1) فعليه الإعادة».
هذا إذا لم يقصد الامتثال بمجموع الزائد والمزيد فيه، وإلاّ فلا إشكال فيالبطلان، لعدم قصد امتثال الأمر.
هذا إذا لم تكن الزيادة من سنخ الأجزاء.
وإن كانت من سنخها، فإن كانت من سنخ الأقوال ـ كالقراءة والتسبيح فيعتبر في صدق الزيادة عليها قصد الجزئيّة بها، وإلاّ كان ذلك من الذكروالقرآن الغير المبطل.
وإن كان من سنخ الأفعال ـ كالقيام والسجود ـ فالظاهر أنّه لا يعتبر فيصدق الزيادة عليها قصد الجزئيّة، فإنّ السجود الثالث يكون زيادة في العددالمعتبر من السجود في الصلاة في كلّ ركعة، ولو لم يقصد بالسجود الثالثالجزئيّة.
- (1) لم أجد هذه اللفظة في حديث، بل فيما تقدّم من رواية أبي بصير «في صلاته» بدل «في المكتوبة» لكنّهمبمعنى واحد. م ح ـ ى.
(صفحه280)
نعم، لا يبعد عدم صدق الزيادة مع قصد الخلاف، كما إذا قصد بالسجودالثالث سجدة العزيمة أو سجدة الشكر، فإنّه لا يقال: إنّ المكلّف زاد في صلاتهسجدة الشكر، بل يُقال: إنّه سجد سجدة الشكر أو العزيمة في أثناء صلاته.
هذا، ولكن يظهر من التعليل الوارد في بعض الأخبار الناهية عن قراءةالعزيمة في الصلاة، من أنّ «السجود زيادة في المكتوبة»(1)، أنّه لا يعتبر فيصدق الزيادة عدم قصد الخلاف، بل الإتيان بمطلق ما كان من سنخ أفعالالصلاة يكون زيادة في المكتوبة، فيكون المنهيّ عنه في باب الزيادة معنى أعمّمن الزيادة العرفيّة.
ولكن يمكن أن يقال: إنّ المقدار الذي يستفاد من التعليل هو صدق الزيادةعلى الفعل الذي لا يكون له حافظ وحدة ولم يكن بنفسه من العناوينالمستقلّة، وأمّا إذا كان المأتيّ به في أثناء الصلاة من العناوين المستقلّة بنفسهـ كما إذا أتى المكلّف بصلاة اُخرى في أثناء صلاة الظهر ـ فالظاهر أنّه لا يندرجفي التعليل، لأنّ السجود والركوع المأتيّ بهما لصلاة اُخرى لا دخل لهما بصلاةالظهر ولا يصدق على ذلك أنّه زيادة في صلاة الظهر.
ويؤيّد ذلك، بل يدلّ عليه ما ورد في بعض الأخبار: من أنّه لو ضاق وقتصلاة الآيات وخاف المكلّف أنّه لو أخّرها إلى أن يفرغ من الصلاة اليوميّةيفوت وقتها صلّى الآيات في أثناء صلاة اليوميّة، ولا يجب عليه استئنافها بعدالفراغ من صلاة الآيات، بل يبني عليها ويتمّها، وليس ذلك إلاّ من جهة عدمكون ذلك زيادة في الصلاة اليوميّة.
وحينئذٍ يمكن التعدّي عن مورد النصّ إلى عكس المسألة، وهو ما إذتضيّق وقت صلاة اليوميّة في أثناء صلاة الآيات، فيمكن أن يقال: إنّه يأتي
- (1) وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، الباب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 1.
ج5
باليوميّة في أثناء صلاة الآيات ولا تبطل بذلك، فإنّ بطلان صلاة الآيات إمّأن يكون لأجل الزيادة، وإمّا لأجل فوات الموالاة، أمّا الزيادة: فالمفروضعدم صدقها على ما كان له عنوان مستقلّ، وأمّا فوات الموالاة: فلا ضير فيهإذا كان لأجل تحصيل واجب أهمّ.
وعلى هذا يبتني جواز الإتيان بسجدتي السهو من صلاة في أثناء صلاةاُخرى إذا سها المكلّف عنهما في محلّهما وتذكّر بعدما شرع في صلاة اُخرى، بناءًعلى وجوب سجود السهو فوراً(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله حول الزيادة
ويرد عليه أوّلاً: أنّ القول بتحقّق الزيادة بسجدة العزيمة وأمثالها وعدمتحقّقها بإتيان صلاة كاملة لا دليل عليه، لأنّه لو استند في ذلك إلى شهادةالعرف فصدق الزيادة على الصلاة الكاملة المشتملة على أربع سجدات، فأكثر،أولى عند العرف من صدقها على سجدة واحدة، كسجدة العزيمة، وإن استندفيه إلى التعليل الوارد في الرواية، فهو يدلّ على أنّ سجدة العزيمة زيادة فيالمكتوبة إذا وقعت في أثنائها، ولكنّه لا يدلّ على أنّ الصلاة الكاملة ليستبزيادة فيها إذا وقعت في أثنائها.
فلا دليل على التفصيل بين سجدة العزيمة ونحوها وبين الصلاة الكاملةبصدق الزيادة على الاُولى وعدم صدقها على الثانية أصلاً، لا من العرف، ولمن الرواية.
وثانياً: أنّ القول بكون الصلاة الكاملة من العناوين المستقلّة، بخلاف سجدةالعزيمة ونحوها لا يتمّ، لأنّ لكلّ واحد من السجدات عنواناً مستقلاًّ، يقال:
- (1) فوائد الاُصول 4: 240.