وهذا بخلاف الخطابات الغيريّة المتعلّقة بالأجزاء والشرائط، فإنّه يمكن أنيقال: إنّ مفادها ليس إلاّ الإرشاد وبيان دخل متعلّق الخطاب الغيري فيمتعلّق الخطاب النفسي ـ كما هو الشأن في الخطابات الغيريّة في باب الوضعوالأسباب والمسبّبات ـ حيث إنّ مفادها ليس إلاّ الإرشاد إلى دخل المتعلّق فيحصول المسبّب، ففي الحقيقة الخطابات الغيريّة في باب التكاليف وفي بابالوضع تكون بمنزلة الأخبار، من دون أن يكون فيها بعث وتحريك للإرادةحتّى تقتضي القدرة على المتعلّق.
ثمّ إنّه لو سلّم الفرق بين الخطابات الغيريّة في باب متعلّقات التكاليف وفيباب الوضعيّات وأنّها في التكاليف تتضمّن البعث والتحريك، فلا إشكال فيأنّه ليس في آحاد الخطابات الغيريّة ملاك البعث المولوي، وإلاّ خرجت عنكونها غيريّة، بل ملاك البعث المولوي قائم بالمجموع، فالقدرة إنّما تعتبر أيضفي المجموع لا في الآحاد، وتعذّر البعض يوجب سلب القدرة عن المجموع،ولازم ذلك سقوط الأمر من المجموع، لا من خصوص ذلك البعض، لأنّ تعذّرالبعض يقتضي تعذّر استيفاء الملاك القائم بالمجموع، فلا فرق بين القيديّةالمستفادة من مثل قوله عليهالسلام : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» والقيديّة المستفادة
من الأمر أو النهي الغيري(1)، إنتهى كلامه.
نقد ما أفاده المحقّق النائيني حول كلام الوحيد البهبهاني رحمهماالله
وما ذكره من توجيه كلام الوحيد ضعيف، والحقّ ما ذكره سيّدنا الاُستاذالأعظم الإمام «حفظه اللّه» من كون كلام الوحيد موافقاً لما اخترناه.
ولو سلّم ما ذكره من التوجيه فلا يرد عليه ما أورده من الإشكالين،لإمكان الجواب عنهما.
أمّا الإشكال الأوّل: فلأنّه لا فرق بين الأوامر النفسيّة والغيريّة في اقتضائهالقدرة على متعلّقاتها، فإنّ الأمر وضع للبعث والتحريك، واستعمل في هذالمعنى، سواء كان نفسيّاً أو غيريّاً، مولويّاً أو إرشاديّاً، فالأمر وإن كان غيريّإرشاديّاً يقتضي القدرة على متعلّقه، ألا ترى أنّ الطبيب لو أمر المريضباستعمال دواء مع علمه بعدم قدرة المريض على استعماله كان قبيحاً عند العقلوالعقلاء، مع أنّ أمر الطبيب إرشادي بلا ريب؟
ومن هنا يظهر الجواب عن الإشكال الثاني، فإنّ آحاد الأوامر الغيريّة إذوضعت للبعث والتحريك واستعملت فيه فلابدّ من القدرة على متعلّقاتها، لأنّكلّ أمر يقتضي القدرة على متعلّقه.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه أنّ محلّ النزاع موضعان:
أحدهما: أن يكون دليل القيد والمقيّد فاقدين للإطلاق.
ثانيهما: أن يكون لكليهما إطلاق من دون أن يكون أحد الإطلاقين حاكمعلى الآخر.في حكم العقل عند الاضطرار إلى ترك أحد القيود
بيان الحقّ في المسألة
- (1) فوائد الاُصول 4: 251.
ج5
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يقع الكلام في مقامين:
أحدهما: في مقتضى الأصل العقلي والقاعدة الأوّليّة.
وثانيهما: في مقتضى القواعد الاُخر.
أمّا المقام الأوّل: فنقول فيه: إذا عجز المكلّف عن القيد فهل تجري البراءةالعقليّة مطلقاً، أو لا تجري مطلقاً، أو تجري في بعض الصور دون بعض آخر؟فيه وجوه.
ولا إشكال في جريانها إذا كان عاجزاً قبل البلوغ، كما إذا كان أخرس، لميقدر على قراءة الفاتحة قبل البلوغ، وكان الفاتحة بعنوان القراءة جزءً للصلاة،لأنّه يشكّ في توجّه التكليف بالصلاة إليه، وهذه شبهة بدويّة حكميّة، نظيرالشكّ في حرمة شرب التتن.
وكذا لا إشكال في جريانها إذا كان عجزه مستوعباً لجميع الوقت، كما إذصار عاجزاً عن قراءة الفاتحة أوّل الزوال واستدام إلى آخر النهار، ولا يضرّبجريان البراءة أنّه كان قادراً أمس وسيصير قادراً غداً، لأنّ لكلّ يوم تكليفمستقلاًّ لا يرتبط بعضها بالبعض.
إنّما الإشكال فيما إذا صار عاجزاً في أثناء الوقت، والظاهر جريان البراءة فيهذه الصورة أيضاً وإن كان أخفى بالنسبة إلى الصورتين الاُوليين.
وذلك لأنّه إذا عرض عليه العجز شكّ في توجّه التكليف بالصلاة الفاقدةللقيد المتعذّر فيه، وهو مجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
إن قلت: لا يجري البراءة إلاّ في موارد الشكّ في التكليف، والتكليف هاهنصار مشكوكاً بعد أن كان معلوماً، فلا يكون مجرى البراءة.
قلت: التكليف المعلوم مغاير للمشكوك، لأنّ المعلوم هو التكليف بالصلاةالمشتملة على عشرة أجزاء مثلاً، وهو لم يصر مشكوكاً، بل معلوم بعد العجز