في قاعدة الميسور
البحث الثالث: في قاعدة «الميسور»
هل يمكن إثبات وجوب سائر الأجزاء ببركة قاعدة «الميسور» أم لا؟
أقول: لا.
وذلك لأنّ دليل «القاعدة» هو النبويّ المشهور: «إذا أمرتكم بشيء فأتومنه ما استطعتم»(1) والعلويّان المشهوران: «الميسور لا يسقط بالمعسور»(2)و«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»(3).
وجميعها مرسلة لا يجوز التمسّك بها.
إن قلت: نعم، ولكن ينجبر ضعف سندها بالشهرة الفتوائيّة على طبقها.
قلت: لا يجبر ضعف السند إلاّ بالشهرة عند القدماء، واشتهار الفتوى علىطبق هذه الروايات إنّما حدث بين المتأخّرين.
وعلى فرض صحّتها فهل تدلّ على وجوب باقي الأجزاء في المقامأم لا؟
لابدّ من إفراد كلّ من النبويّة والعلويّتين ببحث مستقلّ:
البحث حول قوله صلىاللهعليهوآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»
- (1) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 206، باختلاف يسير.
- (2) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 205، وفيه: «لا يترك الميسور بالمعسور». م ح ـ ى.
- (3) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 207.
(صفحه306)
أمّا الحديث النبويّ: فلابدّ قبل البحث فيه من ملاحظة أنّه هل يرتبطبخطبة النبيّ صلىاللهعليهوآله حول مسألة الحجّ أم لا؟
قال المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية: ورد جواباً عن السؤال عن تكرارالحجّ بعد أمره به، فقد روي أنّه خطب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فقال: «إنّ اللّه كتبعليكم الحجّ، فقام عكاشة، ويروى سراقة بن مالك، فقال: في كلّ عاميارسول اللّه؟ فأعرض عنه، حتّى أعاد مرّتين أو ثلاثاً، فقال: ويحك، وميؤمنك أن أقول: نعم، واللّه لو قلت: نعم، لوجب، ولو وجب ما استطعتم، ولوتركتم لكفرتم، فاتركوني ما تركتم، وإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهمواختلافهم إلى أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكمعن شيء فاجتنبوه»(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
ولكن ذكرت القصّة والرواية كلتاهما في كتاب «عوالي اللئالي» من دونربط بينهما(2)، فلا يعلم ورودها جواباً عن السؤال عن تكرار الحجّ.
وعلى أيّ حال فلابدّ من ملاحظة دلالتها تارةً: على فرض ورودهمستقلّة، واُخرى: على فرض صدورها عقيب القصّة.
فأقول: لو لم ترتبط بالقصّة ففيها وجوه نذكرها ونبيّن ما هو الظاهر منها.
توضيح ذلك: أنّ كلمة «شيء» في قوله صلىاللهعليهوآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ماستطعتم» هل هي بمعنى «شيء له أفراد» أو بمعنى «شيء له أجزاء» أو تعمّكليهما؟
الظاهر هو العموم مع قطع النظر عن سائر ألفاظ الرواية، لأنّ كلاًّ ممّا له
- (2) لكن ارتبطت الرواية بالقصّة في مجمع البيان 3: 250 عند ذكر سبب نزول قوله تعالى ـ في سورة المائدة،الآية 101 ـ : «يَـآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْـءَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»، وفي بحار الأنوار22: 31. م ح ـ ى.
ج5
أفراد وممّا له أجزاء يصدق عليه لفظ «شيء» فلا مانع من شموله لهما من جهةمدلوله اللغوي.
وأيضاً كلمة «من» في قوله صلىاللهعليهوآله : «فأتوا منه» هل هي للتبعيض أو للتبيين أوبمعنى الباء؟
الظاهر أنّها للتبعيض، لأنّ كونها بمعنى الباء يستلزم أن تكون زائدة(1)، ولمعنى لكونها بمعنى التبيين أيضاً، لأنّ البيان لا يؤتى به إلاّ لإيضاح أمر مجهول،وليس في الحديث أمر مجهول.
وأيضاً كلمة «ما» في قوله صلىاللهعليهوآله : «ما استطعتم» هل هي موصولة أو مصدريّةزمانيّة؟
الظاهر أنّها موصولة، لأنّه الأصل في معناها والمتعارف من موارد استعمالها،على أنّ كونها مصدريّة توقيتيّة لا يناسب التبعيض المستفاد من كلمة «من» إذلا يناسب أن يأمرنا بإتيان بعض أفراد المأمور به أو أجزائه في زمناستطاعتنا وقدرتنا، بل المناسب هو الأمر بإتيان بعض أفراده أو أجزائه بقدرالاستطاعة، وهو مقتضى كون «ما» موصولة.
إشكال وجواب
ثمّ إنّه أورد سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» شبهة وأجاب عنها:
أمّا الشبهة: فهي أنّ إرادة العموم من كلمة «شيء» لا تلائم إرادة التبعيضمن كلمة «من» لأنّها ظاهرة في كون مدخولها مركّباً ذا أجزاء وأبعاض، لا ذأفراد ومصاديق، إذ يصدق على الجزء أنّه بعض المركّب، ولا يصدق على الفرد
- (1) ولا معنى لكونها بمعنى الباء مع زيادتها أوّلاً، ويشترط في زيادتها تقدّم نفي أو نهي أو استفهام ودخولهعلى النكرة ثانياً. م ح ـ ى.