وهكذا القول في العلويّة الاُولى، أعني قوله عليهالسلام : «الميسور لا يسقطبالمعسور»، فإنّ لها أيضاً معنيين:
معناها عندنا المتعيّن عند الشيخ الأعظم رحمهالله ، من كون «الكلّ» في ناحيةالموضوع مجموعيّةً وفي ناحية الحكم أفراديّةً، لأنّها ـ بناءً عليه ـ تكون بمعنىأنّ «المركّب الذي لا يدرك مجموع أجزائه لا يجوز أن يترك كلّها» وهذا ليستلزم صدق عنوان الطبيعة المركبّة على ما يمكن دركه من الأجزاء، بل لو لميقدر من الصلاة إلاّ على خصوص تكبيرة الإحرام لعمّها الرواية ووجبالإتيان بها.
فظهر أنّ اشتراط صدق عنوان الطبيعة المركّبة على الأجزاء المقدورة فيجريان قاعدة «الميسور» في المقام، لا يتمّ.
لكنّه متداول في كلماتهم، مشهور عندهم، بنحو جعلوه من المسلّمات، ولميبحثوا في صحّته وسقمه، بل يبحثون فيما يتفرّع عليه، من أنّ الحاكم علىصدق عنوان المركّب على الباقي هل هو العرف أو الشرع؟
وبعبارة اُخرى: تعيين كون الميسور من أفراد الطبيعة هل هو بيد العرف أوبيد الشارع؟
أقول: لا مجال لهذا السؤال على ما اخترناه، من جريان القاعدة وإن لميصدق على الباقي عنوان الطبيعة المأمور بها.
ولكنّ الحاكم في تعيين كون «الميسور» مصداقاً لها لا يكون إلاّ العرف لوقلنا بمقالة المشهور، لأنّه هو الواقف على الموضوعات.
نعم، يجوز للشارع توسعة المعنى العرفي أو تضييقه، مثل أن يقول: «الصلاةالمشتملة على خمسة أجزاء صلاة» مع عدم كونها صلاةً عرفاً، أو يقول:«الصلاة المشتملة على خمسة أجزاء ليست بصلاة» مع كونها صلاة عندالعرف، ولكنّ القاعدة في تعيين الموضوعات هي نظر العرف بلا إشكال.
وينبغي التنبيه على اُمور:
ج5
البحث حول شمول قاعدة «الميسور» للشرائط
الأوّل: أنّ القاعدة هل تختصّ بالأجزاء أو تجري بالنسبة إلى الشرائطأيضاً؟
لا شكّ في عدم جريان العلويّة الثانية ـ أعني قوله عليهالسلام : «ما لا يدرك كلّه ليترك كلّه» ـ في الشرائط، لأنّ معناها: «المركّب الذي لا يدرك مجموع أجزائهلا يترك كلّها» والشرائط لا تدخل تحت الأجزاء لكي يشملها الرواية.
إن قلت: نفس الشرط وإن لم يكن جزءً إلاّ أنّ التقيّد به جزء للمركّب.
قلت: نعم، ولكنّ التقيّد جزء عقلي لا عرفي، والملاك في فهم معنى الرواياتهو نظر العرف لا العقل.
وأمّا العلويّة الاُولى: ـ أعني قوله عليهالسلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» ـ فلهمعنييان، كما قلنا آنفاً:
أ ـ «الميسور من أجزاء المركّب لا يسقط بالمعسور منها» فلا تجري بهذالمعنى في الشرائط، لما ذكرناه في العلويّة الثانية.
ب ـ «الميسور من أفراد الطبيعة لا يسقط بالمعسور منها» فتجري فيالشرائط أيضاً، بناءً على أن يكون الضابط في فرديّة شيء للمأمور به نظرالعرف ـ كما هو الحقّ ـ فإنّه كما يرى الصلاة مع الوضوء فرداً لطبيعة الصلاةالمأمور بها يرى الصلاة بدونه أيضاً فرداً لها، غاية الأمر أنّ الأوّل فرد تامّوالثاني فرد ناقص.
وأمّا لو قلنا بأنّ الضابط هو العقل، فتختصّ بالأجزاء، لأنّ الصلاة معالوضوء مغايرة للصلاة بدونه عقلاً، ولا يكون النسبة بينهما بالتماميّة والنقصانمع اشتراكهما في الفرديّة للطبيعة المأمور بها، بل الأوّل فرد لها دون الثاني في
(صفحه324)
نظر العقل.
البحث حول مرجع تشخيص «الميسور» من «المعسور»
الثاني: هل تشخيص «الميسور» من «المعسور» بيد العرف أو بيد الشرع؟
الحقّ عندنا هو الأوّل.
أمّا في الأجزاء: فظاهر، إذ يمكن أن يكون جزء واحد من المأمور بهميسوراً بالنسبة إلى شخص ومعسوراً بالنسبة إلى شخص آخر، فلا يكونتحت ضابطة كلّيّة كي يبيّنها الشارع، بل العرف هو الذي يحكم بأنّ هذا الجزءميسور لزيد وذلك الجزء معسور عليه.
وأمّا في أفراد الطبيعة: فلأنّ بيان الموضوعات الشرعيّة ـ مثل الصلاة ـ وإنكان بيد الشارع، ولو لم يبيّن أنّها ما هي لم يكن للعرف إليها سبيل، فلم يتمكّنمن تشخيص فردها، إلاّ أنّ الشارع إذا بيّن الموضوع بقوله: «الصلاة عشرةأجزاء: التكبير، والفاتحة، والركوع، و... والتسليم» فالمرجع لتشخيص أنّالصلاة بأيّ مقدار منها تتحقّق، هو العرف، فيحكم بأنّ المركّب من ثمانيةأجزاء منها فرد للصلاة مثلاً، والمركّب من سبعة أجزاء منها ليس بفرد لهأصلاً، فلا يرد الإشكال بأنّ بيان الموضوعات الشرعيّة بيد الشارع، وليكون للعرف إليها سبيل.
إن قلت: إنّا لا نعلم بكون الميسور العرفي وافياً بالغرض أو بعضه، والوفاءبالغرض أو بعض الغرض ممّا لابدَّ منه، فتعيين «الميسور» من الطبيعة لابدّ منأن يكون بيد الشارع العالم بالغرض والمصلحة.
قلت: لا دلالة في الحديث على أنّ المراد بـ «الميسور» ما كان مشتملاً علىالمصلحة أو بعضها، لأنّ موضوع الحكم بعدم السقوط هو نفس «الميسور» من