والترديد تارةً: يكون بين المتباينين، واُخرى: بين الأقلّ والأكثر.
وقد يكون معلوما بجنسه فقط، كما إذا شكّ في أنّ صلاة الجمعة واجبة أوالغصب حرام؟ أو شكّ في أنّ الزوجة الصغيرة يجب وطئها أو الكبيرة يحرموطئها؟ فأصل التكلف الإلزامي في هذين المثالين معلوم، لكن لا يعلم أنّهالوجوب أو الحرمة، كما أنّه لا يعلم أنّه تعلّق بصلاة الجمعة أو الغصب،أو بوطىء الزوجة الصغيرة أو الكبيرة.
ومحل البحث كما يعمّ موارد العلم بنوع التكليف، كذلك يعمّ موارد العلمبجنسه فقط، لأنّ «التكليف المعلوم» مطلق شامل لكلا النوعين.
وليعلم أيضاً أنّ البحث يعمّ موارد الشبهة الحكميّة، كما إذا شكّ في وجوبصلاة الظهر أو الجمعة، والموضوعيّة، كما إذا شكّ في خمريّة هذا الإناء أو ذلكالإناء الآخر.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّهم اختلفوا في وجوب الموافقة القطعيّة وعدمه،وعلى فرض عدم وجوبها فهل تحرم المخالفة القطعيّة أم لا؟
ثمّ إنّ العقل هو الحاكم في باب الاشتغال، فلابدّ من ملاحظة مقدار دلالته،فنقول:
نسب إلى المحقّق الخوانساري والقمي رحمهماالله أنّهما قالا بعدم حرمة المخالفةالقطعيّة.
الحقّ في المسألة
لكنّ الحقّ أنّ التكليف المعلوم بالإجمال على نوعين:
أحدهما: أن يكون تكليفا جدّيّا قطعيّا بحيث يتعلّق غرض المولى به بأيّنحو كان ولا يرضى بمخالفته بوجه من الوجوه حتّى في صورة كونه معلومبالإجمال، كحرمة قتل ولده، فإنّه لا يرضى به وإن كان الولد مردّدا بين أفرادغير محصورة.
ولا ريب في وجوب الموافقة القطعيّة في هذه الصورة فضلاً عن جوازالمخالفة القطعيّة، فلايجوز قتل فرد واحد من ملايين شخص أحدهم ابن المولى.
وذلك لوضوح التناقض بين عدم الرضا بقتل ولده بوجه من الوجوه وبينإجازة قتل شخص يحتمل كونه ولده.
(صفحه38)
والحكم بالاحتياط في هذه المسألة بمثابة من الوضوح يدركه أصاغرالطلبة فضلاً عن مثل هذين المحقّقين الكبيرين رحمهماالله ، فلابدّ من حمل كلامهما علىغير هذه الصورة.
الثاني: أن لا نعلم بتكليف قطعي فعلي من جميع الجهات، لكن نعلم إجمالبقيام أمارة معتبرة على التكليف، كما إذا علمنا بخمريّة هذا الإناء أو ذلك الإناءوفرضنا أنّ آية «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاْءَنصَابُ وَالاْءَزْلَـمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِالشَّيْطَـنِ»(1) تعمّ بإطلاقها الخمر المعلومة بالإجمال أيضاً.
وكما إذا قام خبر معتبر على وجوب صلاة في يوم الجمعة، لكن لم تتّضحدلالته على أنّ الواجب هو صلاة الظهر أو صلاة الجمعة.
ففي هذا الفرض لم يحصل لنا علم إجمالي بالتكليف، بل حصل العلم بقيامحجّة معتبرة عليه.
وهذه الصورة على نوعين:
الأوّل: أنّا نعلم بأنّ الأمارة لو كانت مطابقة للواقع لما رضي المولى بمخالفتهبوجه من الوجوه حتّى في صورة تردّده بين أمرين أو أكثر.
ولا يخفى لزوم الاحتياط التامّ والموافقة القطعيّة في هذه الصورة أيضاً؛ لأنّالفرق بينها وبين الصورة السابقة إنّما هو أنّ الترخيص في الصورة السابقة كانيستلزم القطع باجتماع النقيضين، وفي هذه الصورة يستلزم احتمال اجتماعهما، أمّالقطع باجتماع النقيضين في الصورة الاُولى فلأنّا نقطع فرضا أنّ المولى حرّمقتل ابنه مثلاً مطلقا وبأيّ وجه من الوجوه، ثمّ أجاز قتله إذا كان مردّدا بينشخصين أو أشخاص، وهذا تناقض ظاهر مقطوع به.
وأمّا احتمال الاجتماع في الصورة الثانية فلأنّ الخبر الدالّ على وجوب