ظاهر رواية عقبة بن خالد التي نقلناها تحت الرقم 4 صدور «لا ضرر ولضرار» مرتبطاً بقصّة «فضل الماء والكلاء» لأجل «الفاء» التي تدلّ علىالتعليل، لكن في بعض النسخ روي «وقال» بدل «فقال»، وعليه فلا دليل علىصدورها مرتبطةً بالقصّة.
على أنّ القول بكون الضرر على الشريك موجباً للشفعة يستلزم فقهجديداً وإشكالات متعدّدة، فإنّه لو كان بمنزلة العلّة للحكم لزم كونها معمّمة
ومخصّصة، فيلزم من تعليل الشفعة بـ «لا ضرر ولا ضرار»:
أوّلاً: اختصاصها بما إذا كان بيع الشريك حصّته ضرراً على الشريكالآخر، وهذا لا يقول به أحد، فإنّهم اتّفقوا على ثبوت حقّ الشفعة للشريك،وإن لم يتضرّر ببيع الشريك الآخر حصّته.
وثانياً: ثبوت حقّ الشفعة للشريك في موارد توجّه الضرر إليه من البيع،وإن كانت الشركة بين ثلاثة أو أكثر، مع أنّهم اتّفقوا على اختصاص الشفعة بمإذا كانت الشركة بين اثنين، وأنّه لو باع واحد من الشركاء الثلاثة رابعاً حصّتهلا يثبت للشريكين الآخرين حقّ الشفعة.
وثالثاً: ثبوت حقّ الشفعة في غير البيع من المعاملات أيضاً فيما إذا تضرّرالشريك الآخر بتلك المعاملة، ولم يقل به أحد.
ورابعاً: أن يثبت حقّ الشفعة وإن لم يكن شركة في البين إذا كان البيعموجباً لضرر الجار، كما إذا باع زيداً داره وهو فاسق معتاد بشرب الخمروغيره ويؤذي جيرانه، فقضيّة كون «لا ضرر ولا ضرار» تعليلاً للشفعةثبوتها هاهنا أيضاً، فلابدّ من القول بجواز تملّك الجار الدار وإعطائه زيداً ثمنها،مع أنّه لم يقل به أحد.
وخامساً: أن لا يجوز للرجل بيع داره مثلاً لو لم يرتض به أهله وكان عدمرضايتهم بحيث يوجب المرض أو الهمّ الشديد، ولو باع فلابدّ من القول بجوازالفسخ لأهله، فإنّ المرض والهمّ ضرر عليهم، ولم يقل أحد في هذا الموردوأمثاله بعدم جواز البيع، ولا بجواز الفسخ للأهل على تقدير تحقّقه.
وسادساً: أن لا يجوز للإنسان إعطاء أكثر أمواله أحد أولاده بهبة أو صلحأو غيرهما، لأنّه ضرر على سائر الأولاد، ولو فعل فلابدّ من القول بجوازالفسخ لهم، مع أنّه لم يقل أحد بعدم جواز الإعطاء، ولا بجواز الفسخ لسائر
(صفحه396)
الأولاد على تقدير تحقّق الإعطاء.
إلى غير ذلك من الإشكالات التي يوجب الالتزام بها فقهاً جديداً.
وهذه الإشكالات ناشئة عن كون العلّة معمّمة ومخصّصة، فلا يجوز القولبكون «لا ضرر ولا ضرار» مرتبطاً بالشفعة وعلّة لثبوتها.
أضف إلى ذلك: أنّ الضرر الناشئ عن الشركة الثانية يندفع بجواز الفسخوالردّ إلى الشركة الاُولى، فلِمَ يجوز له تملّك حصّة الشريك؟
وبعبارة اُخرى: إنّ لحقّ الشفعة مرحلتين:
أ ـ تزلزل البيع بجواز فسخه من قبل الشريك، مع قطع النظر برجوع المبيعبعد الفسخ إلى البائع أو إلى الشريك الفاسخ.
ب ـ رجوع المبيع بالفسخ إلى الشريك الفاسخ.
والذي يرتبط بـ «لا ضرر ولا ضرار» هو المرحلة الاُولى، لا الثانية، لأنّالضرر المتوجّه من الشركة الثانية إلى الشريك الأوّل يندفع بمجرّد تزلزلالبيع، بجعل الخيار له وإن رجع المبيع إلى البائع وتحقّقت الشركة الاُولى، فلمجال لكون قوله صلىاللهعليهوآله : «لا ضرر ولا ضرار» علّة لجواز إرجاع الشريك الأوّلالمبيع إلى نفسه الذي به قوام حقّ الشفعة.
كلام شيخ الشريعة الاصفهاني رحمهالله في المسألة
ولقد أصرَّ العلاّمة شيخ الشريعة الاصفهاني قدسسره بأنّ الحديثين(1) لم يكونحال صدورهما عن النبيّ صلىاللهعليهوآله مذيّلين بحديث «الضرر» وأنّ الجمع بينهما وبينهوقع من الراوي بعد صدور كلّ في وقت خاصّ به.
وعمدة ما استدلّ به لهذه الدعوى هو أنّه يظهر بعد التروّي والتأمّل التامّ في
- (1) أي ما ورد من طريق عقبة بن خالد في قضيّة «الشفعة» وقضيّة «عدم منع فضل الماء». م ح ـ ى.