ج5
النبيّ صلىاللهعليهوآله في ذيل حديث «لا ضرر».
كلام حول مفردات الحديث
هل «الضرر» و«الضرار» بمعنى واحد، والتكرار للتأكيد، أو بينهما فرق؟
وعلى الثاني فهل الفرق ذاتي وجوهري، أو ما هو بين الثلاثي والمفاعلة؟فيكون «الضرار» بين اثنين دون «الضرر».
ولابدّ من النظر إلى قول اللغويّين فيهما أوّلاً، ثمّ إلى موارد استعمالات«الضرار» في الكتاب والسنّة ثانياً، ليتّضح الحال، وإن كان المعتمد ما استعملفيه في الكتاب والسنّة، سواء كان مطابقاً لقول أرباب اللغة أم لا.
أمّا قول اللغويّين: فإليك نمازج منه:
1ـ ففي الصحاح: الضرّ: خلاف النفع، وقد ضرّه وضارّه بمعنى، والاسم:الضرر، ثمّ قال: والضرار: المضارّة(1).
هذا ظاهر في كونهما بمعنى واحد من جميع الجهات، ويحتمل أن يكون مرادهمن قوله: «بمعنى» عدم فرق جوهري بينهما، وإن كان «الضرار» بين اثنينوبمعنى مجازاة ضرر الغير، دون «الضرر» فإنّه ابتداء الفعل، ولكنّه خلافالظاهر، فإنّ ظاهر كلامه عدم الفرق بينهما أصلاً.
2ـ وفي القاموس: الضرر: ضدّ النفع، وضارّه يضارّه ضراراً، ثمّ قال:والضرر: سوء الحال، ثمّ قال: والضرار: الضيق.
ولا يبعد أن يكون مراده من «سوء الحال» الضرر المالي والجسمي، ومن«الضيق» الضرر الروحي.
ويؤيّده أنّه لو أراد من الأوّل مطلق سوء الحال، ولو كان روحيّاً، ومن
- (1) الصحاح: مادّة «الضرّ».
(صفحه402)
الثاني مطلق الضيق، ولو كان ماليّاً وجسميّاً، لم يظهر بينهما فرق، وظاهرهالفرق بينهما.
وعلى هذا فكان الفرق بينهما ذاتيّاً وجوهريّاً، وهذا هو الذي يستفاد منالقرآن والأحاديث كما سيأتي.
3ـ وفي المصباح المنير: ضرّه، يضرّه، من باب قتل إذا فعل به مكروهاً،وأضرَّ به، يتعدّى بنفسه ثلاثيّاً، وبالباء رباعيّاً، والاسم: «الضرر»، وقد اُطلقعلى نقص يدخل الأعيان، وضارّه مضارّة وضراراً: بمعنى «ضرّه»(1).
وهذا صريح في كونهما بمعنى واحد، وأنّه لا فرق بينهما أصلاً.
وقوله: «يتعدّى بنفسه ثلاثيّاً، وبالباء رباعيّاً» يعني لو بقي على كونه ثلاثيّمجرّداً لكان متعديّاً بنفسه، فيقال: «ضرّه» ولو كان من باب الإفعال الذي هوعلى أربعة أحرف لكان لازماً ومحتاجاً لتعديته إلى الباء، بخلاف ما هو الغالبفي باب الإفعال، فيقال: «أضرّ به» ولا يقال: «أضرّه».
4ـ وفي النهاية لابن الأثير: في الحديث: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»،الضرّ: ضدّ النفع، ضرّه يضرّه ضرّاً وضراراً، وأضرَّ به يضرّ إضراراً، فمعنىقوله: «لا ضرر» أي لا يضرّ الرجل أخاه فينقصه شيئاً من حقّه، والضرار:فِعال(2)، من «الضرّ»: أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه،والضرر: فعل الواحد، والضرار: فعل الاثنين، والضرر: ابتداء الفعل، والضرار:الجزاء عليه، وقيل: الضرر: ما تضرّ به صاحبك وتنتفع به أنت، والضرار: أنتضرّه من غير أن تنتفع به، وقيل: هما بمعنى، وتكرارهما للتأكيد.
فالفرق بينهما ـ على ما اختاره ابن الأثير ـ أنّ الضرر: فعل الواحد وابتداء
- (1) المصباح المنير: مادّة «الضرّ».
- (2) أي من باب المفاعلة. منه مدّ ظلّه.
ج5
الفعل، والضرار: فعل الاثنين والجزاء عليه من دون أن يكون بينهما فرق فيأصل المعنى.
وقوله: «فمعنى قوله: لا ضرر: أي لا يضرّ الرجل أخاه فينقصه شيئاً منحقّه» صريح في كون «لا» في الحديث بمعنى النهي، مع أنّ المشهور أنّه لنفيالجنس، لا للنهي.
وأمّا الآيات والأخبار: فيستفاد منهما أنّ «الضرار» هو الضرر الاعتقاديوالعرضي والروحي، لا الضرر المالي والجسمي الذي هو معنى «الضرر»، ولهو بين الاثنين، في مقابل «الضرر».
1ـ قال اللّه تعالى: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدا ضِرَارا وَكُفْرا وَتَفْرِيقا بَيْنَالْمُؤْمِنِينَ»(1).
لا ريب في أنّ المنافقين كانوا بصدد إيجاد الضرر الاعتقادي على المؤمنينوالتفريق بينهم وجعلهم في تزلزل روحي بعمارتهم هذا المسجد الذي سمّي فيالقرآن ضراراً، ولم يصل إلى المؤمنين ضرر مالي ولا جسمي بعمارة هذالمسجد، ولا أنّ المؤمنين أضرّوا بالمنافقين كي يكون الضرار في الآية بينالاثنين.
2ـ وقال تعالى أيضاً: «وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا»(2).
في تفسير هذه الآية روايات نذكر إحداها، وهي:
ما عن أبي عبداللّه عليهالسلام أنّه قال: «لا ينبغي للرجل أن يطلّق امرأته ثمّيراجعها وليس له فيها حاجة، ثمّ يطلّقها، فهذا الضرار الذي نهى اللّه عزّ وجلّعنه، إلاّ أن يطلّق ثمّ يراجع، وهو ينوي الإمساك»(3).
(صفحه404)
فالمراد من «الضرار» في الآية أن يراجع الرجل زوجته المطلّقة، لا بقصدالإمساك، بل بقصد أن يطلّقها ويراجعها ثانياً ويجعلها في معرض الطلاقالثالث الذي يحرم فيه المراجعة، أو الطلاق التاسع الموجب لتحريمها عليه أبداً.
ولا ريب في أنّ هذا ضرر روحي، لا ضرر مالي ولا جسمي، فإنّ الرجلإنّما يجعلها بهذا العمل في الاضطراب وتشويش الخاطر.
ولا ريب أيضاً في عدم كونه بين الاثنين، ولا جزاءً على ضرر، لأنّه لميتضرّر من قبل المرأة أصلاً.
3ـ وقال أيضاً: «لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ»(1).
وفيه تفسيران:
أ ـ لا يضارّ الأب الاُمّ بنزع الولد عنها، ولا تضارّ الاُمّ الأب فلا ترضعه(2).
ب ـ ما روي عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: «لا ينبغي للرجل أن يمتنع من جماعالمرأة، فيضارّ بها إذا كان لها ولد مرضع، ويقول لها: لا أقربك، فإنّي أخافعليك الحبل فتقتلي(3) ولدي، وكذلك المرأة لا يحلّ لها أن تمتنع على الرجل،فتقول: إنّي أخاف أن أحبل، فأقتل(4) ولدي، وهذه المضارّة في الجماع علىالرجل والمرأة»(5). الحديث.
ونحوه ما روي عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: سألته عن
- (1) وسائل الشيعة 22: 171، كتاب الطلاق، الباب 34 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الحديث 1.
- (3) مجمع البحرين: مادّة «ضرر».
- (4 ، 4) في الوسائل: «فتغيلي» و«فأغيل» ـ غالت المرأة ولدها: أرضعته وهي حامل ـ لكن في تفسير القميالذي هو المصدر الأصلي «فتقتلي» و «فأقتل». م ح ـ ى.
- (5) وسائل الشيعة 21: 458، كتاب النكاح، الباب 72 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2، وتفسير القمي1: 76.
ج5
قول اللّه عزّ وجلّ: «لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» فقال: «كانتالمراضع ممّا تدفع إحداهنّ الرجل إذا أراد الجماع، تقول: لا أدعك، إنّي أخافأن أحبل فأقتل ولدي هذا الذي اُرضعه، وكان الرجل تدعوه المرأة، فيقول:أخاف أن اُجامعك فأقتل ولدي، فيدعها، فلا يجامعها، فنهى اللّه عزّ وجلّ عنذلك، أن يضارّ الرجل المرأة والمرأة الرجل»(1).
وعلى أيّ حال لا يكون «الضرار» في الآية بين الاثنين، لأنّه إن كان منقبل المرأة لا يتوجّه إليها من قبل الرجل ضرر أصلاً، وإن كان العكسفالعكس، سواء قلنا بالتفسير الأوّل، أو الثاني، ولا يكون أيضاً بمعنى الضررالمالي أو الجسمي، لأنّه على التفسير الأوّل: تضييق روحي إمّا على المرأة بنزعالرجل ولدها عنها، وإمّا على الرجل بعدم إرضاع المرأة إيّاه، ولا ريب في أنّهذا يرتبط بالعاطفة، لا المال أو النفس، وعلى الثاني: تضييق يرتبط بإطفاءالغريزة الشهويّة إمّا عليها بأن لا يجامعها الرجل، وإمّا عليه بامتناعها عنه.
وهاهنا آيات اُخر استعمل فيها أيضاً «الضرار» الذي هو مفاعلةالضرر(2).
فاتّضح من الآيات والروايات وكلام بعض أرباب اللغة(3) أنّ غالب موارداستعمال «الضرار» وتصاريفه هو التضييق وإيصال المكروه والحرج والتكلّفوأمثالها، كما أنّ الشائع في الضرر والضرّ والإضرار هو استعمالها في المالوالنفس، فبينهما تفاوت معنوي، فلا يكون «لا ضرار» في الحديث تأكيد
- (1) الكافي 6: 41، كتاب العقيقة، باب الرضاع، الحديث 6، ووسائل الشيعة 21: 457، كتاب النكاح، الباب 72من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.
- (2) كقوله تعالى في سورة البقرة، الآية 282: «وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ» وقوله في سورة النساء، الآية12: «مِنم بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ». م، ح ـ ى.
- (3) مثل ما ذكر من القاموس. م ح ـ ى.