(صفحه416)
المعلول عن علّته التامّة محال.
وإن أراد: العلّيّة الناقصة، فهو أيضاً باطل، لأنّ الوجدان قاضٍ بأنّ الإطاعةمعلولة لتصوّر المكلّف أمر المولى، وتصوّره الثواب المترتّب على إيجاد المأموربه، والعقاب المترتّب على تركه، والعصيان معلول لتوانيه وجرأته على المولى،إمّا لرجاء عفوه، أو استخفاف عقابه، أو غير ذلك، لا أنّ الأمر والتكليفسبب ناقص للإطاعة، والمطيع يكمّله والعاصي يمنع عن تأثيره.
نعم، هو موضوع للإطاعة والعصيان، لأنّه لو لم يكن لم يتحقّق إطاعة ولعصيان أصلاً، وهذا القدر من الارتباط لا يكفي في العلّيّة، وإلاّ لكان نفسالمولى أيضاً علّةً، لأنّه لو لم يكن لم يأمر، فلم يتحقّق إطاعة ولا عصيان.
بل هذا القدر من الارتباط أضعف من ارتباط المعدّ بالنسبة إلى المعلول،لأنّ المعدّ يعين السبب في التأثير بإيجاد شرائطه ورفع موانعه، بخلاف الحكمالصادر من المولى، فإنّه لم يكن دخيلاً في تحقّق الإطاعة أصلاً.
مجازيّة إطلاق أحد العنوانين المتّحدين في الوجود على الآخر
الرابع: ما أفاده: من أنّ العنوانين إذا اتّحدا في الوجود ـ كالضرب والإيلام يطلق أحدهما على الآخر حقيقةً.
فإنّ اتّحاد العنوانين في الوجود لا يستلزم الاتّحاد في مفهومهما، مع أنّ مسألةالحقيقة والمجاز مرتبطة باستعمال اللفظ في مفهومه وفي غير مفهومه.
ولو كان الاتّحاد في الوجود مصحّحاً لإطلاق أحد اللفظين على الآخرحقيقةً لجاز إطلاق «الإنسان» وإرادة «الضاحك» كذلك، لكونهما متّحدينوجوداً دائماً، مع أنّه لا يجوز قطعاً، ألا ترى أنّ تفسير قوله تعالى: «لَيْسَلِلاْءِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى»(1) بقولك: «ليسللضاحك(2) إلاّ ماسعى» كاذب وخطأ؟
ج5
وأيضاً لو كان الاتّحاد في الوجود ـ ولو أحياناً ـ كذلك، لجاز إطلاق لفظ«الصلاة» وإرادة «الغصب» حقيقةً، لاتّحادهما وجوداً أحياناً، مع أنّ بطلانهواضح، ألا ترى أنّ تفسير قوله عليهالسلام : «الصلاة معراج المؤمن»(1) بقولك:«الغصب معراج المؤمن» مضحك غير معقول؟
فلا يوجب الاتّحاد في الوجود صحّة إطلاق أحد العنوانين على الآخرحقيقةً، سواء كانا متّحدين دائماً أو أحياناً.
وأمّا قوله رحمهالله في طيّ كلامه: «وأمّا مثل القتل أو الإيلام المترتّب علىالضرب فإطلاق أحدهما على الآخر شائع متعارف»(2) فجوابه أنّ الإطلاقوالاستعمال أعمّ من الحقيقة، فلا يثبت به مدّعاه.
وبالجملة: لا يمكن القول بالحقيقة في حديث «لا ضرر».
القول في كيفيّة المجاز في الحديث
فلابدّ من القول بالمجاز، إمّا بنحو الحقيقة الادّعائيّة، أو إطلاق المسبّب علىالسبب، أو بنحو المجاز في الحذف، فينبغي البحث في أنّ أيّ وجه من هذهالوجوه الثلاثة صحيح.
كلام صاحب الكفاية رحمهالله في توجيه الحقيقة الادّعائيّة في الحديث
- (2) أقول: في قياس المقام بهذا المثال وما سيأتي من مسألة «الصلاة» و«الغصب» إشكال، لأنّ المحقّقالنائيني شرط أن يكون أحد العنوانين سبباً للآخر، والمثالان ليسا كذلك، ولكنّ المناقشة في المثال ليسمن دأب المحصّلين، بعد أن كان أصل الإشكال ـ وهو أنّ الاتّحاد في الوجود لا يصحّح إطلاق أحدالعنوانين على الآخر حقيقةً ـ دقيقاً متيناً. م ح ـ ى.
- (3) بحار الأنوار 81 : 255، كتاب الصلاة، الباب 38، باب آداب الصلاة، ذيل الحديث 52.
- (4) منية الطالب في حاشية المكاسب 2: 208.
(صفحه418)
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى الأوّل حيث قال: الظاهر أن يكون «لا» لنفيالحقيقة كما هو الأصل في هذا التركيب، لكن نفي الحقيقة تارةً يكون بنحوالحقيقة، مثل «لا رجل في الدار» واُخرى بنحو الادّعاء كناية عن نفي الآثار،كما هو الظاهر من مثل «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»(1) و«يا أشباهالرجال ولا رجال»(2)، فالمنفيّ في هذين الخبرين نفس «الصلاة» و«الرجال»لكن ادّعاءً بملاك نفي الآثار، إذ لا تكون الصلاة في الدار معراجاً ومقرّبةً إلى اللّهبالمرتبة الكاملة لجار المسجد، فليست منشأً للآثار المترتّبة على الصلاة، وهيكونها «معراج المؤمن» و«قربان كلّ تقيّ» و«ناهية عن الفحشاء والمنكر»بالمرتبة الكاملة، والرجال الذين يفرّون من الحرب وقتال العدوّ أيضاً ليسومنشأً للآثار المترقّبة من الرجل، وهي الشجاعة والشهامة والمقاومة أمامالعدوّ ونحوها.
فالمنفيّ هو نفس الصلاة والرجال، لكن ادّعاءً بملاك فقدان الآثار.
إن قلت: ما الفرق بين نفي الآثار مجازاً ونفي ذيها ادّعاءً بملاكهوكناية عنها؟
قلت: الفرق بينهما أنّ الثاني آكد من الأوّل وأنسب بالبلاغة، فإنّ قضيّةالبلاغة في الكلام هو إرادة نفي الحقيقة ادّعاءً، لا نفي الحكم والصفة كما لا يخفى،ونفي الحقيقة ادّعاءً بلحاظ الحكم أو الصفة غير نفي أحدهما ابتداءً مجازاً فيالتقدير أو في الكلمة ممّا لا يخفى على مَن له معرفة بالبلاغة(3).
هذا محصّل كلامه رحمهالله مع توضيح منّا.
وزاد على ذلك في حاشيته على الرسائل: أنّ قوله صلىاللهعليهوآله : «لا ضرر ول
- (1) مستدرك الوسائل 3: 356، كتاب الصلاة، الباب 2 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1.
- (2) نهج البلاغة: 70، الخطبة 27.
ج5
ضرار» مثل أن يقال: «لا قمار ولا سرقة ولا أكل أموال الناس بالباطل فيالإسلام»(1).
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
أقول: كلامه قدسسره بالنسبة إلى الخبرين: «لا صلاة لجار المسجد إلاّ فيالمسجد» و«يا أشباه الرجال ولا رجال»، متين، لكنّه لا ينطبق على المقام، إذلا أثر للضرر حتّى يكون نفي الحقيقة بلحاظه.
نعم، لو قيل: «لا وضوء ضرريّاً» و«لا بيع غبنيّاً» وأمثال ذلك ممّا له أثرشرعي، لأمكن القول بكون لاء النفي متوجّهاً إلى نفس مدخوله بنحو الحقيقةالادّعائيّة بلحاظ نفي أثره، وهو في المثال الأوّل «الوجوب» وفي المثال الثاني«اللزوم»، وأمّا نفس الضرر فليس موضوعاً لأثر حتّى يتوجّه إليه النفيبلحاظ نفيه، فلا يصحّ القول بالحقيقة الادّعائيّة فيما نحن فيه.
وكذلك القول بالمجاز بعلاقة ذكر المسبّب وإرادة السبب، إذ لم يكن الحكمالضرري سبباً للضرر، كما عرفت(2) آنفاً في الجواب الثالث عن كلام المحقّقالنائيني رحمهالله .
البحث حول كون المقام من قبيل المجاز في الحذف
وأمّا المجاز في الحذف: فتقريره أنّ المنفيّ كلّ حكم يرتبط بالضرر، وإن كانهذا الارتباط من قبيل المعدّ، بل أضعف منه، فالتقدير «لا حكم مرتبطبالضرر ولا حكم مرتبطاً بالضرار»، فوجوب الوضوء الضرري ولزوم البيع
- (1) حاشية كتاب فرائد الاُصول: 168.
(صفحه420)
الغبني مثلاً منفيّان، لأنّهما يكونان منشأً للضرر.
الإشكال في المقام بلزوم تخصيص الأكثر
واُورد عليه بأنّ في الإسلام أحكاماً ضرريّة تكليفيّة ووضعيّة، ولا يمكنشمول الحديث لها، مثل وجوب الخمس، والزكاة، والجهاد، والحكم بالضمان إذأتلف مال الغير، بل إذا تلف من غير إفراط وتفريط فيما إذا كانت يده عدوانيّة،والحكم بكون تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه ـ مع أنّه لا شكّ في أنّالحكم بانفساخ البيع بمجرّد تلف المبيع في يد البائع من دون إفراط وتفريطوبكون التلف من ماله لا يكون إلاّ ضرريّاً، فإنّ البايع يتضرّر من ناحية هذالحكم ـ والحكم بعدم ماليّة الخمر والخنزير وحرمة التجارة بهما مع أنّ فيهممنافع كثيرة للناس، والحكم بإجراء الحدود والتعزيرات، وغير ذلك منالأحكام الضرريّة التي لا يمكن نفيها بحديث «لا ضرر».
وتخصيص الحديث بها يستلزم تخصيص الأكثر وهو مستهجن.
كلام الشيخ الأنصاري رحمهالله في حلّ الإشكال
وأجاب الشيخ الأعظم قدسسره عنه بأنّ تخصيص الأكثر على قسمين:
أ ـ أن يكون الإخراج بعنوان عامّ جامع للأفراد الخارجة، نحو «أكرمالناس» و«لا تكرم الفسّاق».
ب ـ أن لا يكون كذلك، بل كان كلّ فرد خارجاً بعنوان خاصّ، كما إذقال: «أكرم العلماء» وكان كلّهم خمسين مثلاً، ثمّ أخرج منه زيداً وعمراً و...حتّى لا يبقى تحته إلاّ عشرون، والمستهجن من تخصيص الأكثر هو هذا القسمالثاني، لا الأوّل.
إن قلت: ما الجامع بين هذه الأحكام الكثيرة الخارجة عن تحت حديث