متعدّدة، ألا ترى أنّ الوجدان حاكم باستهجان قول المولى: «لا تكرم غيرالمراجع من الروحانيّين» عقيب قوله: «أكرم كلّ روحاني» مع كون التخصيصبعنوان واحد؟
نعم، لو قال: «أكرم كلّ روحاني مرجع» فلا استهجان فيه، لكنّه خارج عمّنحن فيه، لأنّ القيد فيه متّصل، ولا إشكال في عدم استهجان تخصيص الأكثرإذا كان المخصّص متّصلاً، لأنّا قلنا في مبحث العامّ والخاصّ بعدم كونه مخصّصواقعاً، والتعبير بالتخصيص فيه تعبير مسامحي.
وحاصل البحث إلى هنا: أنّ الإشكال بقي على حاله، لعدم تماميّة ما أفادهالشيخ رحمهالله في حلّه.
وبالجملة: لسان حديث الضرر لسان الحكومة على وجه التخصيص،فيكون ناظراً إلى أدلّة الأحكام التي تكون ضرريّة أحياناً، وأمّا بالنسبة إلىأدلّة الأحكام التي تكون طبعها ضرريّة فهو معارض لها، لا حاكم عليها.
الثاني: أنّا لا نسلّم تخصيص الأكثر في المقام، لأنّ غالب ما ذكره منالأحكام وادّعى خروجها عن تحت الحديث تخصيصاً لا يكون ضرريّاً، فلميكن داخلاً فيه من أوّل الأمر.
فإنّ الحكم بالضمان المستفاد من قاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن»لم يكن ضرريّاً، لأنّ تأدية المتلِف المثل أو القيمة إلى صاحب المال تكون جبرللمتلَف، لا ضرراً على المتلِف، وهكذا الحكم بلزوم إعطاء الدية في القتلخطأً، أو عمداً مع اختيار أولياء المقتول الدية، لم يكن ضرريّاً، لأنّ القتلمستند إلى القاتل، فلابدّ له من جبرانه.
وكذلك الحكم بوجوب الزكاة والخمس، إذ أربابهما شركاء المالك في المالالمتعلّق لهما، وأداء سهم الشريك من المال المشترك فيه لا يكون ضرراً كما هوواضح، وهكذا الموارد الاُخر.
نعم، بعض الأحكام يكون ضرريّاً ومخصّصاً لحديث الضرر ـ مثل الجهادوالحجّ ـ لكن تخصيصه بها لا يستلزم تخصيص الأكثر، لأنّها قليلة(1). هذحاصل كلامه قدسسره .
نقد كلام المحقّق النائيني رحمهالله في الجواب عن الإشكال
واستشكل سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» على جوابه الثاني بوجهين:
أ ـ أنّ بعض الأحكام التي أنكر كونها ضرريّة يكون ضرريّاً، مثلالحكم بالضمان في الإتلاف إذا كان عن غفلة، كما إذا كان نائماً وأتلفمال الغير بتحريك رجله من دون التفات وشعور، نعم، إذا كان الإتلاف عنعلم وعمد والتفات فالحكم بالضمان لم يكن ضرريّاً، والحكم بوجوب الزكاة
- (1) منية الطالب في حاشية المكاسب 2: 211.
ج5
والخمس أيضاً ضرري، لأنّ أدائهما وإن كان لأجل الشركة ومن موارد تسليممال الغير إليه، لكن جعل أربابهما شركاء المالك في المال يكون حكماً ضرريّاً،لأنّ رأس المال كان للمالك، وازدياده أيضاً تحقّق بعمله من دون أن يكونأرباب الزكاة والخمس شركاء في رأس المال أو في العمل، فمن أين جاءالشركة؟!
وبعبارة اُخرى: في باب الزكاة مثلاً حكمان للشارع: أحدهما: الحكم بأنّالفقراء مثلاً شركاء المالك إذا بلغ المال إلى النصاب، والثاني: الحكم بأنّه يجبعليه أداء سهمهم، وهو العشر أو نصف العشر، والحكم الثاني وإن لم يكنضرريّاً، لكنّ الأوّل ضرري بلا ريب، وهكذا في باب الخمس.
فقوله رحمهالله : «غالب ما ذكره من الأحكام وادّعى خروجها عن تحت الحديثتخصيصاً لا يكون ضرريّاً، فلم يكن داخلاً فيه من أوّل الأمر» غير تامّ، بلموارد التخصيص كثيرة جدّاً بحيث يتحقّق تخصيص الأكثر وهو قبيح.
ب ـ أنّ الاستهجان في المقام لا يتوقّف على تخصيص الأكثر، لأنّ الحديثورد في مقام الامتنان، وما كان كذلك لسانه آبٍ عن التخصيص، كما أنّ قاعدة«الحرج» المستفادة من قوله تعالى: «مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»(1)آبية عن التخصيص، لكونها واردة في مقام الامتنان، وهكذا حديث «الرفع»وغير ذلك من الآيات والروايات الواردة لأجل التوسعة والامتنان على الاُمّة.
فإنكار تخصيص الأكثر فيما نحن فيه لا يجدي في دفع الإشكال، إذالتخصيص في الجملة ولو كان مورداً واحداً مستهجن في المقام(2).
هذا ما أفاده سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» مع توضيحاتنا، مستشكلاً على المحقّق
- (2) الرسائل، قاعدة «لا ضرر»: 43، وتهذيب الاُصول 3: 517.