ج5
تحقّقت المخالفة بتركها في الاُسبوع الثاني وإن كانت محرّمة تحقّقت بفعلها فيالاُسبوع الأوّل.
وكذلك فيما إذا لم يقبل التكرار ولكن كان الوجوب والحرمة أو أحدهمأمرا تعبّديّا، فإنّ صيام يوم معيّن مثلاً إذا دار أمره بين الوجوب والحرمة، فإنصام المكلّف بدون قصد القربة، تحقّقت المخالفة القطعيّة، لأنّه لو كان حراملخالفه بفعل الصيام ولو كان واجبا لخالفه بالإخلال بقصد القربة الذي يتوقّفعليه صحّة الواجبات التعبّديّة.
وأمّا إذا لم يقبل التكرار وكان الوجوب والحرمة كلاهما توصّليّين(1)، فليتمكّن المكلّف من المخالفة القطعيّة كما لا يخفى.
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ هاهنا صورا ينبغي إفراد كلّ منها ببحث مستقلّ.
- (1) كما أنّ الحرمة غالبا تكون كذلك. منه مدّ ظلّه.
(صفحه8)
دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التوصّليّين
الصورة الاُولى: ما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة التوصّليّين، ولم يكنأحدهما أهمّ ولا محتمل الأهمّيّة ولم يتمكّن المكلّف من المخالفة القطعيّة(1)،وهذا هو القدر المتيقّن من محلّ النزاع.
لاينبغي الإشكال في أنّ العقل يحكم في هذه الصورة بالتخيير بين الفعلوالترك.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
لكنّ المحقّق النائيني رحمهالله ذهب إلى عدم جريان أصالة التخيير في مواردالدوران بين المحذورين، فإليك نصّ كلامه رحمهالله :
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ في موارد دوران الأمر بين المحذورين لا يمكنجعل التخيير الشرعي الواقعي ولا جعل التخيير الظاهري ـ كالتخيير في بابتعارض الطرق والأمارات ـ فإنّ التخيير بين فعل الشيء وتركه حاصل بنفسهتكوينا، فلايمكن جعل ما هو الحاصل بنفسه، سواء كان جعلاً واقعيّاً أو جعلظاهريّاً، فما قيل: من أنّ الأصل في دوران الأمر بين المحذورين هو التخيير،
- (1) كما إذا شكّ في وجوب السفر إلى طهران مثلاً وحرمته، للشكّ في أمر الوالد ونهيه، وكما إذا شكّ فيوجوب إنقاذ غريق وحرمته، للشكّ في كونه مسلما عاديّا أو كافرا حربيّا. م ح ـ ى.
ج5
ليس على ما ينبغي إن كان المراد منه الأصل العملي المجعول وظيفة في حالالشكّ، لما عرفت: من أنّه لا يمكن جعل الوظيفة في باب دوران الأمر بينالمحذورين، من غير فرق بين الوظيفة الشرعيّة والعقليّة.
أمّا الوظيفة الشرعيّة: فواضح بالبيان المتقدّم.
وأمّا الوظيفة العقليّة: فلأنّ التخيير العقلي إنّما هو فيما إذا كان في طرفيالتخيير ملاك يلزم استيفائه ولم يتمكّن المكلّف من الجمع بين الطرفين،كالتخيير الذي يحكم به في باب التزاحم، وفي دوران الأمر بين المحذورين ليسكذلك، لعدم ثبوت الملاك في كلّ من طرفي الفعل والترك، فالتخيير العقلي فيباب دوران الأمر بين المحذورين إنّما هو من التخيير التكويني، حيث إنّالشخص لايخلو بحسب الخلقة من الأكوان الأربعة(1)، لا التخيير الناشئ عنملاك يقتضيه، فأصالة التخيير عند دوران الأمر بين وجوب الفعل وتركهساقطة(2)، إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
والمحقّق العراقي رحمهالله أنكر جريان أصالة التخيير في موارد الدوران بينالمحذورين ببيان آخر، حيث قال:
لايصلح المقام للحكم التخييري، فإنّ الحكم التخييري شرعيّاً كان، كما فيباب الخصال، أو عقليّا، كما في المتزاحمين، إنّما يكون في مورد يكون المكلّفقادرا على المخالفة، بترك كلا طرفي التخيير، فكان الأمر التخييري باعثا علىالإتيان بأحدهما وعدم تركهما معا، لا في مثل المقام الذي هو من التخيير بين
- (1) الأكوان الأربعة: هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق. م ح ـ ى.
- (2) فوائد الاُصول 3: 444.
(صفحه10)
النقيضين، فإنّه بعد عدم خلوّ المكلّف تكوينا عن الفعل أو الترك، لا مجالللأمر التخييري بينهما وإعمال المولويّة فيه، لكونه لغوا محضا(1)، إنتهى موضعالحاجة من كلامه رحمهالله .
نقد كلام العلمين: النائيني والعراقي رحمهماالله في المسألة
وفيهما: أنّه لا دليل على اختصاص التخيير بباب المتزاحمين، كما قال المحقّقالنائيني رحمهالله ، ولا بما إذا تمكّن المكلّف من المخالفة القطعيّة، كما عبّر به المحقّقالعراقي رحمهالله ، بل كما أنّ المكلّف مخيّر شرعا في باب خصال الكفّارة، وعقلاً فيباب المتزاحمين، كذلك يحكم العقل بكونه مخيّرا عند الدوران بين المحذورين،فإنّ ملاك حكم العقل في موارد الدوران هو ملاحظة أنّ الطرفين متساويانمن دون أن يكون أحدهما أهمّ، مع كون المكلّف غير قادر على الموافقةالقطعيّة، ولا على المخالفة القطعيّة، فيحكم حينئذٍ بأنّ المكلّف لا يمكن أن يكونموظّفا إلاّ بالتخيير.
- (1) نهاية الأفكار 3: 293.
ج5