(الصفحة 103)بينهما ، فلا تتحقّق الشركة بذلك ، بل يختصّ كلّ منهما باُجرته وبما حازه .
نعم ، لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدّة ـ كسنة أو سنتين ـ على نصف منفعة الآخر إلى تلك المدّة وقبِلَ الآخر صحّ ، واشترك كلّ منهما فيما يحصّله الآخر في تلك المدّة بالأجر والحيازة ، وكذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدّة بعوض معيّن ـ كدينار مثلاً ـ وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته في تلك المدّة بذلك العوض .
ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه ، وأشهر معانيها على المحكيّ أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس ـ لا مال لهما ـ على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ، ويكون ذلك بينهما فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما ، ولو أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع وكَّل كلٌّ منهما الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه; بأن يشتري لهما وفي ذمّتهما ، فيكون حينئذ الربح والخسران بينهما .
ولا تصحّ أيضاً شركة المفاوضة; وهي أن يعقد اثنان على أن يكون كلّ ما يحصل لكلّ منهما ـ من ربح تجّارة أو فائدة زراعة ، أو اكتساب ، أو إرث ، أو وصيّة ، أو غير ذلك ـ شاركه فيه الآخر ، وكذا كلّ غرامة وخسارة ترد على أحدهما تكون عليهما ، فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بشركة العنان1.
1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان انحصار الشركة المسبّبة عن المعاقدة بالشركة العقدية المذكورة المعبّر عنها بشركة العنان ، وهنا بعض العناوين الاُخر من الشركة ولكنّها غير صحيحة :
منها : شركة الأبدان; بأن أوقع العقد إثنان على أن تكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركة بينهما; سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين ، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج ، أو
(الصفحة 104)
تعاقدا على أنّ كلّ ما يحصل كلّ منهما بالحيازة يكون مشتركاً بينهما ، فإنّه لا تتحقّق الشركة بذلك بل يختصّ كلّ منهما باُجرته وما حازه ، ولعلّ من هذا القبيل الشركة المتعارفة في هذه الأزمنة ، من أن يتعهّد صاحب السيّارة مثلاً لأن يجعل سيّارته تحت اختيار الآخر على أن يكون ما يعمله الآخر بها ـ من حمل متاع أو نقل مسافر ـ ويأخذ من الأجر لهما على طبق ما اتّفقا عليه من النسبة .
هذا ، ولكن حكي عن المحقّق الأردبيلي (قدس سره) صحّة شركة الأعمال ما لم يتحقّق إجماع على خلافه(1) .
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّه إن أرادوا بذلك ـ أي بشركة الأعمال ـ عقد الشركة في الاُجرتين اللتين تحصل لهما من عملهما ، كما هو غير بعيد من ظاهر كلماتهم ، فلا ينبغي الإشكال في بطلانها; لعدم الدليل على صحة تمليك المعدوم ، وإن أرادوا بها الشركة في نفس المنفعة; بأن يملّك كلّ منهما نصف خياطته مثلاً في ذلك اليوم لصاحبه في قبال تمليك صاحبه كذلك ، فلا نعلم وجهاً لبطلانها ، فإنّها من شركة المنافع(2) .
أقول : هذا يرجع إلى المصالحة المذكورة في المتن ; لأنّ تمليك المنفعة في مقابل تمليك المنفعة لا ينطبق عليه عنوان غير عنوان المصالحة ، فمرجع ما أفاده إلى تلك المصالحة ، وهي قد تقع بنحو مذكور ، وقد تقع بنحو تمليك المنفعة بعوض معيّن ـ كدينار مثلاً ـ في مقابل تمليك الآخر كذلك بالعوض المذكور .
ومنها: شركة الوجوه; وهي على أشهرمعانيها ـ كمايظهرمن عنوانها ـ أن يشترك
- (1) مجمع الفائدة و البرهان: 10/193 .
- (2) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 190 ـ 191 .
(الصفحة 105)مسألة 6 : لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باُجرة معيّنة ، كانت الاُجرة مشتركة بينهما . وكذا لو حاز اثنان معاً مباحاً ، كما لو اقتلعا معاً شجرة ، أو اغترفا ماءً دفعةً بآنية واحدة ، كان ما حازاه مشتركاً بينهما . وليس ذلك من شركة الأبدان حتّى تكون باطلة ، وتقسّم الاُجرة و ماحازاه بنسبة عملهما ، ولو لم تعلم النسبة فالأحوط التصالح1.
اثنان وجيهان لا مال لهما على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ، ويكون ما يبتاعه بينهما فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما ، ولو أرادا الوصول إلى مثل هذه النتيجة وكَّل كلّ منهما الآخر في أن يبتاع النصف له في ذمّته فتكون أيضاً الربح والخسران بينهما ، لتحقّق الشركة بالابتياع كذلك ، وإلاّ ففي الصورة الاُولى ليس هناك شيء يشتركان فيه بالفعل ، ولا معنى لتمليك المعدوم ، وقد تقرّر في محلّه أنّ التمليك في باب الإجارة يغاير هذا .
ومنها : شركة المفاوضة; وهي أن يعقد اثنان على أنّ كلّ ربح يحصل له من أمر اختياري كالزراعة والتجارة ، أو غير اختياري كالإرث والوصيّة مشترك بينه وبين الآخر ، وكلّ خسارة ترد عليه من أيّ سبب وأيّة ناحية تكون بينهما ، والسرّ في البطلان ما أشرنا إليه من أنّه تمليك معدوم ، فانحصرت الشركة الصحيحة بشركة العنان المسمّـاة بالشركة العقدية .
1 ـ لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باُجرة معيّنة كانت الاُجرة مشتركة بينهما ، وليس ذلك من شركة الأبدان ; لأنّ الملكيّة للاُجرة قد حصلت بنفس الإجارة ، غاية الأمر أنّهما يستحقّان على المستأجر تمام الاُجرة بنفس عقد الإجارة ، وهو يستحقّ عليهما العمل ، فتعدّد الأجير ووحدة المستأجر في عمل
(الصفحة 106)مسألة 7 : يشترط في عقد الشركة العنانية أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجاً امتزاجاً رافعاً للتميّز قبل العقد أو بعده; سواء كان المالان من النقود أم العروض ، حصل به الشركة كالمائعات أم لا ، كالدراهم والدنانير ، كانا مثليين أم قيميين ، وفي الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتميّز ، لابدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة على الأحوط ، ولو كان المال مشتركاً كالمورّث يجوز إيقاع العقد عليه ، وفائدته الإذن في التجارة في مثله1.
واحد لا يكون من الشركة في الأبدان ، واستحقاقهما الاُجرة إنّما هو بنسبة عملهما . وكذا لو حاز اثنان معاً شيئاً واحداً مباحاً ، كما إذا اقتلعا معاً شجرة مباحة ، أو اغترفا ماءً دفعة واحدة بآنية واحدة من البحر أو البئر ، يكون ما حازاه مشتركاً بينهما ، لا لأجل شركة الأبدان الباطلة ، بل لأجل كون الحيازة كذلك موجبة للملكيّة بنسبة الحيازة ، ولو لم تعلم النسبة في المثالين فمقتضى الاحتياط التصالح .
1 ـ يشترط في عقد الشركة العنانية الصحيحة أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجاً امتزاجاً رافعاً للتميّز قبل العقد أو بعده; سواء كان المالان من النقود أم العروض ، حصل به الشركة القهريّة كالمائعات ، أم لا كالدراهم والدنانير; سواء كانا مثليين أم قيميين، فصاحباالدارين إذاأراداالشركة بهذاالنحولابدّ من التنصيف، مثلاً; بأن يملّك كلّ واحد منهما نصف داره إلى الآخر; لتتحقّق الشركة بالإضافة إلى كلّ واحد منهما ، والدليل على اعتبار الامتزاج بهذا النحو على ما ورد في بعض الكلمات هو الإجماع على ما ادّعاه جماعة(1) ، مع أنّ الفقهاء (قدس سرهم) بين من لم يتعرّض
- (1) تذكرة الفقهاء: 2/221 ، الركن الثالث ، الوسيلة: 262 ، رياض المسائل: 9/55 .
(الصفحة 107)مسألة 8 : لا يقتضي عقد الشركة ولا إطلاقه جواز تصرّف كلّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسّب إلاّ إذا دلّت قرينة حاليّة أو مقاليّة عليه ، كما إذا كانت الشركة حاصلة كالمورّث فأوقعا العقد ، ومع عدم الدلالة لابدّ من إذن صاحب المال ، ويتّبع في الإطلاق والتقييد ، وإذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما معاً فهو المتّبع . هذا من حيث العامل ، وأمّا من حيث العمل والتكسّب ، فمع إطلاق الإذن يجوز مطلقه ممّا يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة ، ولو عيّنا جهة خاصّة ـ كبيع الأغنام أو الطعام وشرائهما أو البزازة أو غير ذلك ـ اقتصر عليه ولا يتعدّى إلى غيره1.
لهذه الجهة أصلاً كالمحقّق(1) والشهيد (قدس سرهما)(2) ، وبين من كان معقد إجماعه أمراً آخر(3) .
وعليه: فالظاهر عدم تحقّق انعقاد الإجماع على اعتبار الامتزاج الذي هو الأعمّ من الامتزاج المعتبر في الشركة القهرية على ما عرفت في أوّل بحث الشركة(4) ، ضرورة أنّه مع الاتّحاد لا يبقى حاجة إلى الشركة العنانية .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لابدّ في الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتمييز لابدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة ، كما مثّلنا بالدارين اللذين يكون كلّ واحد منهما لشخص واحد ، فتدبّر في هذا المقام حتّى لا يختلط عليك الأمر .
1 ـ قد عرفت(5) أنّه في موارد تحقّق الشركة القهريّة لا يجوز لأحد الشريكين
- (1) شرائع الإسلام: 2/129 ـ 130 .
- (2) اللمعة الدمشقيّة: 22 .
- (3) الخلاف: 3/327 ـ 328 ، السرائر: 2/399 ، جواهر الفقه: 73 ، المؤتلف من المختلف: 1/588 مسألة 2 .
- (4) في ص 94 ـ 95 .
- (5) في ص98 .