(الصفحة 52)فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما ، والأحوط احتسابها على نفسه . وإن لم يتوقّف الإتمام على البقاء ، وإنّما بقي لغرض آخر فنفقة البقاء على نفسه ، ونفقة الرجوع على مال القراض لو سافر للتجارة به وإن عرض في الأثناء غرض آخر، وإن كان الأحوط التوزيع في هذه الصورة ، وأحوط منه الاحتساب على نفسه1.
1 ـ لا ريب في أنّ المراد بالسفر العرفي، لا الشرعي الذي يعتبر فيه خصوصيّات دخيلة في القصر; أي قصر الصلاة وترك الصيام ونحوهما; لأنّه قد وقع في مقابل كونه في البلد، مضافاً إلى اقتضاء مناسبة الحكم والموضوع ذلك ، وعليه: فيشمل ما دون المسافة الشرعيّة ، كما أنّه يشمل إقامة عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد ، كما هو الغالب في الأسفار في تلك البلاد خصوصاً السفر للتجارة .
نعم ، لابدّ أن يكون البقاء في السفر الذي يكون الإنفاق فيه من رأس المال إمّا لأجل الراحة من التعب ، أو لانتظار الرفقة ، أو خوف الطريق ، أو الاُمور المتعلّقة بالتجارة; كدفع العشور ، وأخذ جواز السفر . وأمّا مع البقاء للتفرّج ، أو لتحصيل مال لنفسه ، أو لغير هذه المضاربة من مضاربة اُخرى مثلاً ، فلا يكون من رأس المال في هذه المضاربة .
هذا كلّه إذا كان بعد تمام العمل في السفر ، وأمّا إذا كان قبله ، فإن كان بقاؤه لغرض إتمام العمل في هذه المضاربة وغرض آخر ولو كانت مضاربة اُخرى ، فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما ، ولكن احتاط في المتن استحباباً الاحتساب على نفسه; أي الغرض الآخر . وإن كان بقاؤه لغير غرض الإتمام فقط; لعدم توقّف الإتمام على البقاء أصلاً ، فهنا فرق بين نفقة البقاء فإنّما هي على نفسه ، وبين نفقة الرجوع لو كان الغرض من السفر الاتّجار بمال المضاربة كما هو المفروض ، فإنّما هي على رأس المال كسائر الموارد ، من دون فرق بين أن يعرض له في الأثناء غرض آخر وعدمه ، وإن
(الصفحة 53)مسألة 22 : لو كان عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو عاملاً لنفسه وغيره توزّع النفقة . وهل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فيه تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين إذا كان عاملاً لنفسه وغيره ، والتخلّص بالتصالح بينهما ، ومعهما إذا كان عاملاً لاثنين مثلاً1.
كان الأحوط الاستحبابي التوزيع في الصورة الاُولى، وكمال الاحتياط الاحتساب على نفسه كما لا يخفى ، فانقدح الضابط في ثبوت النفقة على رأس المال وعدمه .
1 ـ لو تعدّد أرباب المال ، كأن يكون عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو عاملاً لنفسه وغيره لا إشكال في توزيع النفقة ، لكن التوزيع هل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فالمنسوب إلى المشهور بل كأنّه المتسالم عليه بينهم هو القول الأوّل ، ونسب إلى بعض القول الثاني(1) ، ولا يبعد أن يكون ذلك هو الحقّ ، فإنّه إذا كان مال المضاربة في أحدهما ألفاً وفي الآخر آلافاً متعدّدة ، ولكن الأوّل يفتقر في التجارة إلى كثرة العمل وعدم افتقار الثاني إليها ، فهل مجرّد كون رأس المال فيه أكثر يقتضي التوزيع بنسبة المالين؟
وبعبارة اُخرى: الربح في المضاربة إنّما يلحظ بالنسبة إلى أصل العمل وكيفيّته وسهولته وصعوبته وأمثال ذلك ، ولا دخل في ذلك كثرة رأس المال وقلّته ، فالقاعدة تقتضي القول الثاني ، إلاّ أنّ الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين فيما إذا كان عاملاً لنفسه وغيره ، والتخلّص بالتصالح بينهما إذا كان عاملاً لاثنين مثلاً لا ينبغي أن يترك ، بل لايترك.
- (1) جامع المقاصد: 8/112 ، مسالك الأفهام: 4/349 ، المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 54 .
(الصفحة 54)مسألة 23 : لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يكن ربح . نعم ، لو أنفق وحصل الربح فيما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات ، فيعطي المالك تمام رأس ماله ، فإن بقي شيء يكون بينهما1.
مسألة 24 : الظاهر أنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة; بأن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها شيئاً ، كما يجوز الشراء بالكلّي في الذمّة والدافع والأداء منه; بأن يشتري جنساً بألف درهم كلّي على ذمّة المالك ، ودفعه بعد ذلك من المال الذي عنده ، ولو تلف مال المضاربة قبل الأداء لم يجب على المالك الأداء من غيره ; لعدم الإذن على هذا الوجه ، وما هو لازم عقد المضاربة ، هو الإذن بالشراء كلّياً متقيّداً بالأداء من مال المضاربة; لأنّه من الاتّجار بالمال عرفاً .
1 ـ لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يكن ربح ، بل الغلبة مقتضية لثبوت الإنفاق قبل ظهور الربح ، فإنّ الذهاب إلى السفر قبل أن يكون هناك تجارة ـ وكذا الأكل والشرب ـ يكون قبل ظهور الربح الحاصل على فرضه بوقوع مدّة في السفر والاتّجار فيه ، فلا مجال لأن يقال بعدم استحقاق النفقة قبل ظهور الربح ، ومن الممكن أن لا يظهر الربح أصلاً بل تحقّق الخسران ، وعليه: فلا يمكن القول بأنّه يجب عليه من مال نفسه .
نعم ، لو أنفق وحصل الربح فيما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات ، فإن بقي بعد ذلك شيء زائد على رأس المال يكون بينهما على طبق ما قرّراه ، وإن لم يبق فيعطى المالك تمام رأس المال ، كما أنّه لو نقص عن رأس المال يكون الباقي الناقص بأجمعه للمالك ، كما لايخفى .
(الصفحة 55)نعم ، للعامل أن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها وإن كان غير متعارف في المعاملات ، لكنّه مأذون فيه قطعاً وأحد مصاديق الاتّجار بالمال . هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع اشتراط نحو خاصّ فيتّبع ما اشترط عليه1.
1 ـ المتعارف في المعاملات كما هو الحال في هذه الأزمنة الشراء بالثمن الكلّي دون الثمن الشخصي ، غاية الأمر تقيّد ذلك في المضاربة بالأداء من مالها ، لكنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة; بأن يُعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها شيئاً; لأنّه مأذون فيه قطعاً وإن كان غير متعارف ، فإن اشترى العامل بالثمن الشخصي الذي هو مال المالك ، فلا إشكال في وقوع المعاملة للمالك لكون الثمن مالاً له ، ولا تكون المعاملة فضولية بوجه; لتحقّق الإذن فيها قطعاً كما عرفت .
بل ذكر صاحب العروة أنّ المشهور على ما قيل أنّ في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال ، فلا يجوز الشراء في الذمّة ، وبعبارة اُخرى: يجب أن يكون الثمن شخصيّاً من مال المالك لا كلّياً في الذمّة ، ثمّ قال : والظاهر أنّه يلحق به الكلّي في المعيّن أيضاً ، وعلّل ذلك بأنّه القدر المتيقّن ، وأيضاً الشراء في الذمّة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره ، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء ، ولعلّ المالك غير راض بذلك ، وأيضاً إذا اشترى بكلّي في الذمّة لا يصدق على الربح أنّه ربح مال المضاربة .
ثمّ قال : ولا يخفى ما في هذه العلل ، والأقوى ـ كما هو المتعارف ـ جواز الشراء في الذمّة والدفع من رأس المال ـ إلى أن قال : ـ ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه :
أحدها : أن يشتري العامل بقصد المالك في ذمّته من حيث المضاربة .
الثاني : أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنّه عامل ووكيل عن المالك ، ويرجع إلى الأوّل ، وحكمها الصحّة وكون الربح مشتركاً بينهما على ما ذكرنا . وإذا
(الصفحة 56)
فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمّة المالك يؤدّي من ماله الآخر .
الثالث : أن يقصد ذمّة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ، ولم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة ، ثمّ دفع منه . وعلى هذا الشراء صحيح ويكون غاصباً في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك ، إلاّ إذا كان مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض .
الرابع : كذلك لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء حتّى يكون الربح له ، فقصد نفسه حيلة منه ، وعليه: يمكن الحكم بصحّة الشراء وإن كان عاصياً في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك وضامناً له ، بل ضامناً للبائع أيضاً ، حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح .
ويحتمل القول ببطلان الشراء; لأنّ رضا البائع مقيّد بدفع الثمن ; والمفروض أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح ، فهو بمنزلة السرقة ، كما ورد في بعض الأخبار: أنّ من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق(1) .
ويحتمل صحّة الشراء وكون قصده لنفسه لغواً بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة ، فإنّ البيع وإن كان بقصد نفسه وكليّاً في ذمّته إلاّ أنّه ينصبّ على هذا الذي يدفعه ، فكأنّ البيع وقع عليه .
ثمّ قال : والأوفق بالقواعد الوجه الأوّل ، وبالاحتياط الثاني ، وأضعف الوجوه الثالث وإن لم يستبعده الآقا البهبهاني (قدس سره) .
الخامس : أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه وغيره ، وعليه أيضاً يكون المبيع له ، وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصياً . ولو اختلف البائع
- (1) يراجع الوسائل: 18/327 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين و القرض ب5 .