(الصفحة 337)
القول في المرض
المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح ، يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء ، وينفذ جميع تصرّفاته في جميع ما يملكه ، إلاّ إذا أوصى بشيء من ماله بعد موته ، فإنّه لا ينفذ فيما زاد على ثلث تركته ، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك ، ويأتي تفصيله في محلّه إن شاء الله تعالى . وأمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره ، كما أنّه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضية المتعلِّقة بماله; كالبيع بثمن المثل والإجارة باُجرة المثل ونحو ذلك ، وكذا لا إشكال في جواز انتفاعه بماله; كالأكل والشرب والإنفاق على نفسه ومن يعوله والصرف على أضيافه ، وفي مورد يحفظ شأنه واعتباره وغير ذلك .
وبالجملة : كلّ صرف فيه غرض عقلائي ممّا لا يعدّ سرفاً ولا تبذيراً أيّ مقدار كان ، وإنّما الإشكال والخلاف في مثل الهبة والوقف والصدقة والإبراء والصلح بغير عوض ، ونحو ذلك من التصرّفات التبرّعية في ماله ممّا لا يقابل بالعوض ، ويكون فيه إضرار بالورثة ، وهي المعبَّر عنها بالمنجّزات ، وأنّها هل هي نافذة من الأصل ، بمعنى نفوذها وصحّتها مطلقاً وإن زادت على ثلث ماله ، بل وإن تعلّقت بجميعه بحيث لم يبق شيء للورثة، أو هي نافذة بمقدار الثلث ، فإن زادت تتوقّف صحّتها ونفوذها في الزائد على إمضاء الورثة؟ والأقوى هو الأوّل1.
1 ـ المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح غير المريض يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء ، وينفذ جميع تصرّفاته المعاوضيّة وغيرها إلاّ بالإضافة إلى الوصيّة ممّا زاد على ثلث أمواله ، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك ، ويأتي التفصيل في
(الصفحة 338)
محلّه إن شاء الله تعالى(1) .
وأمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا شبهة في جانب النفي في أنّه لا ينفذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره من الصحيح والمريض غير المتّصل .
كما أنّه لا شبهة في جانب الإثبات في صحّة تصرّفاته المعاوضيّة غير المشتملة على الإضرار بالورثة; كالبيع بثمن المثل أو الإجارة باُجرة المثل وأشباههما ، وفي صحّة ما يتوقّف عليه الإنفاق على نفسه أو على من يعوله ، وكذا فيما يرتبط بحفظ شؤونه واعتباره من ضيافة أضيافه ونحو ذلك ، إنّما الشبهة في تصرّفاته غير المعاوضية المشتملة على الإضرار بالورثة والتبذير والإسراف; كالهبة والصدقة والصلح غير المعاوضي ، أو المعاوضي المشتمل على الأمر المذكور; وهو المعبَّر عنه بمنجّزات المريض ، وأنّها هل تنفذ من الأصل كالصحيح أو المريض غير المتّصل ، أو من الثلث بحيث يكون الزائد متوقّفاً على إجازة الورثة ، فيه قولان ، وقد كُتب في خصوص هذه المسألة رسائل متعدّدة من أجلّة الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، واللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال ليظهر الحال ، والصحيح عن سقيم المقال ، فنقول وعلى الله الاتّكال :
قال صاحب الشرائع : وفي منعه من التبرّعات المنجّزة الزائدة على الثلث خلاف بيننا ، والوجه المنع(2) ، واختار صاحب الجواهر بعد نقل عدم المنع من جملة كثيرة من القدماء(3) عدم المنع ، بل عن كشف الرموز نسبته إلى الأكثر(4) ، وفي
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الوصية: مسألة 158 ـ 173 .
- (2) شرائع الإسلام: 2/102 .
- (3) الكافي:7/7، الفقيه:4/149،المقنعة:671، النهاية:620، الانتصار:465، غنية النزوع:301، السرائر:14 ـ 15.
- (4) كشف الرموز: 2/91 ـ 92 .
(الصفحة 339)
الرياض أنّه المشهور بين القدماء ظاهراً ، بل لعلّه لا شبهة فيه ، بل في هبة الغنية والانتصار الإجماع عليه(1) (2) .
وكيف كان ، فالدليل على الجواز روايات :
منها : صحيحة أبي شعيب المحاملي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : الإنسان أحقّ بماله ما دامت الروح في بدنه(3) ، ومثلها روايات متعدِّدة لعمّار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) على ما في كتاب الوسائل(4) ، وتبعه جملة من الكتب الفقهيّة ، لكنّ الظاهر أنّها بأجمعها رواية واحدة كما نبّهنا عليه مراراً ، لكن لابدّ من بيان أنّ المراد هي الأحقّية بالإضافة إلى التصرّفات المنجّزة ، وأمّا بالنسبة إلى الوصيّة فقد قام الدليل على أنّها تنفذ من الثلث .
ومنها : رواية سماعة ، قال له أيضاً : الرجل يكون له الولد أيسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال : هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه الموت(5) . ونحوه رواية أبي بصير ، وزاد أنّ لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيّاً ، إن شاء وهبه ، وإن شاء تصدّق به ، وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت ، فإن أوصى به فليس له إلاّ الثلث ، إلاّ أنّ الفضل في أن لا يضيّع من يعوله ولا يضرّ بورثته(6) .
ومنها : مرسلة مرازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يعطي الشيء من ماله في
- (1) رياض المسائل: 9/545 .
- (2) جواهر الكلام: 26/63 .
- (3) تهذيب الأحكام: 9/187 ح751 ، وعنه الوسائل: 19/299 ، كتاب الوصايا ب17 ذح8 .
- (4) وسائل الشيعة: 19/298 ـ 299 ح4 ، 5 و 7 .
- (5) الكافي: 7/8 ح5 ، تهذيب الأحكام: 9/186 ح749 ، وعنهما الوسائل: 19/296 ، كتاب الوصايا ب17 ح1 .
- (6) الكافي: 7/8 ح10 ، تهذيب الأحكام: 9/188 ح755 ، الاستبصار: 4/121 ح 462 ، الفقيه: 4/149 ح518 ، وعنها الوسائل: 19/297 ، كتاب الوصايا ب17 ح2 .
(الصفحة 340)
مرضه ، فقال : إذا أبان به فهو جائز ، وإن أوصى به فهو من الثلث(1) .
ومنها : مرسلة الكليني ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه عاب رجلاً من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم ، فقال : ترك صبية صغاراً يتكفّفون الناس . بل في الوسائل ، بل رواه الصدوق مسنداً إلى جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ، وفيه : فأعتقهم عند موته(2) .
قال صاحب الجواهر (قدس سره) : والضعف فيه سنداً أو دلالةً منجبر بما عرفت(3) .
هذا كلّه مضافاً إلى موافقتها لقاعدة السلطنة وللأصل .
وأمّا الدليل على المنع فهي أيضاً روايات كثيرة :
منها : صحيحة شعيب بن يعقوب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال : له ثلث ماله(4) . ويحتمل قويّاً أن يكون مراد السائل الوصية بالنسبة إلى ما بعد الموت ، ويؤيّده عدم إشعاره بمرضه فضلاً عن المتّصل بالموت .
ومثلها : صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) : ما للرجل من ماله عند موته؟ قال : الثلث ، والثلث(5) كثير .
ويؤيّده رواية أبي بصير(6) ، ورواية عبدالله بن سنان ، عن الصادق (عليه السلام) قال : للرجل عند موته ثلث ماله ، وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه(7) .
- (1) الكافي: 7/8 ح6 ، الفقيه: 4/138 ح481 و ص149 ح519 ، وعنهما الوسائل: 19/298 كتاب الوصايا ب17 ح6 .
- (2) الكافي: 7/8 ح10 ، الفقيه: 4/137 ح478 ، علل الشرائع: 566 ح2 ، وعنها الوسائل: 19/299 ، كتاب الوصايا ب17 ح9 .
- (3) جواهر الكلام: 26/64 .
- (4) الكافي: 7/11 ح3، تهذيب الأحكام: 9/191 ح770، وعنهما الوسائل: 19/272، كتاب الوصايا ب10 ذح2.
- (5) تهذيب الأحكام: 9/242 ح940 ، وعنه الوسائل: 19/274 ، كتاب الوصايا ب10 ح8 .
- (6) الفقيه: 4/136 ح473 ، وعنه الوسائل: 19/272 ، كتاب الوصايا ب10 ح2 .
- (7) تهذيب الأحكام: 9/242 ح 939 ، وعنه الوسائل: 19/273 ، كتاب الوصايا ب10 ح7 .
(الصفحة 341)
ومنها : رواية أبي بصير ، عن الصادق (عليه السلام) قال : إن أعتق رجل عند موته خادماً له ثمّ أوصى بوصيّة اُخرى اُلغيت الوصيّة واُعتقت الجارية من ثلثه ، إلاّ أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصيّة(1) .
ومنها : رواية أبي حمزة ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : إنّ الله تبارك وتعالى يقول : يا ابن آدم تطوّلت عليك بثلاثة : سترت عليك ما لو علم به أهلك ما واروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك لك فلم تقدّم خيراً ، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيراً(2) . ويجري فيها الاحتمال الذي أشرنا إليه .
ومنها : رواية أبي ولاّد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون لامرأته عليه الدَّين فتبرئه منه في مرضها؟ قال : بل تهبه له فتجوز هبتها له ، ويحسب ذلك من ثلثها إن كانت تركت شيئاً(3) .
ومنها : رواية علي بن عقبة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل حضره الموت فأعتق مملوكاً له ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء منه؟ قال : ما يعتق منه إلاّ ثلثه ، وسائر ذلك الورثة أحقّ بذلك ، ولهم ما بقي(4) .
ومنها : رواية سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن عطية الوالد لولده؟ فقال :
- (1) تهذيب الأحكام: 9/197 ح786 ، وعنه الوسائل: 19/276 ، كتاب الوصايا ب11 ح6 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9/175 ح712 ، الخصال: 136 ح150 ، الفقيه: 4/133 ح461 ، وعنها الوسائل: 19/263 ، كتاب الوصايا ب4 ح4 .
- (3) تهذيب الأحكام: 9/195 ح783، الاستبصار: 4/120 ح457، وعنهماالوسائل: 19/278، كتاب الوصيا ب11 ح11 .
- (4) تهذيب الأحكام: 9/194 ح781 ، الاستبصار: 4/120 ح455 ، وعنهما الوسائل: 19/276 ، كتاب الوصايا ب11 ح4 .