(الصفحة 482)
ولكن ذكر السيّد (قدس سره) أنّها لا تقاوم الصحيحة السابقة ; لاحتمال كون المراد أنّه إذا قصد الصدقة ولم يقل لله فله الرجوع ، حيث إنّها مشروطة بقصد القربة لا أن يكون المراد الهبة (1) . وأنت خبير ببعد هذا الاحتمال وظهور الرواية في التفصيل بين الصدقة والهبة ، وعليه فالصحيحتان متعارضتان ، والشهرة مع الثانية ، فيؤخذ بها ويحكم بمجرّد الكراهة .
ثمّ الظاهر أنّه لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة والمدخول بها وغيره ، بل والمطلّقة الرجعية التي هي زوجة .
الفرع الرابع : أنّه لا يجوز الرجوع في الهبة المعوّضة ، والمراد منها الأعمّ ممّا اشترط فيها العوض ، أو عوّض المتّهب من دون اشتراط ، بل إثابة وجزاء ، ويدلّ عليه صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع(2) .
وكلمة «صاحب» يمكن أن تقرأ مضمومة ، وعليه يرجع إلى اشتراط العوض ، وأن تقرأ مفتوحة ، وعليه يكون المراد الإثابة والجزاء .
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله وعبدالله بن سليمان المتقدّمة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : تجوز الهبة لذوي القرابة ، والذي يثاب عن هبته ويرجع في غير ذلك إن شاء . والمراد بكلمة «تجوز» بقرينة المقابلة : تنفذ وتلزم .
ثمّ إنّه يمكن أن يقال بعدم جواز التصرّف في المال الموهوب قبل أن يفي بالشرط ، نظراً إلى رواية قاسم بن سليمان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يهب الجارية
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 2 / 172 .
- (2) تقدّمت في ص479 .
(الصفحة 483)مسألة 9 : يلحق بالتلف التصرّف الناقل كالبيع والهبة ، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها ، كالحنطة يطحنها ، والدقيق يخبزه ، والثوب يفصّله أو يصبغه ونحوها ، دون غير المغيّر ، كالثوب يلبسه ، والفراش يفرشه ، والدابّة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها . ومن الأوّل على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز ، ومن الثاني قصارة الثوب1.
على أن يثاب فلا يثاب ، أله أن يرجع فيها؟ قال : نعم إن كان شرط عليه ، قلت : أرأيت إن وهبها له ولم يثبه أله أن يطأها أم لا؟ قال : نعم إذا كان لم يشترط عليه حين وهبها(1) . وربما احتمل أنّ المراد البناء على عدم الإثابة ، لا مطلق عدم الإثابة ومن المعلوم أنّه خلاف الظاهر كما لا يخفى .
الفرع الخامس : أنّه لا يجوز الرجوع فيما إذا كان الواهب قاصداً للقربة ، وقد استدلّ على عدم الجواز في هذه الصورة بأنّه إمّا أن يدخل في عنوان الصدقة ، وإمّا لعموم ما دلّ على أنّ من أعطى لله أو في الله شيئاً فليس له أن يرجع فيه ، كما في جملة من الروايات التي تقدّمت بعضها ، أو لأنّها مع قصد القربة يستحقّ الواهب الثواب ويصير ذلك عوضاً ، فيدخل في الهبة المعوّضة التي عرفت عدم جواز الرجوع فيها .
1 ـ لا إشكال في عدم صدق قيام العين في صورة التلف ، ويلحق بالتلف التصرّف الناقل ، كالبيع والهبة ، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وفي فرض التصرّف أقوال :
أحدها : عدم جواز الرجوع مطلقاً أيّ تصرّف كان ، وقد نسب ذلك إلى أكثر
- (1) تهذيب الأحكام: 9 / 154 ح 633 ، وعنه الوسائل: 19 / 242 ، كتاب الهبات ب 9 ح 2 .
(الصفحة 484)مسألة 10 : فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ والبعض ، فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما ، بل لو وهبه شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو مفروزاً1.
مسألة 11 : الهبة إمّا معوّضة أو غير معوّضة ، فالمراد بالاُولى ما شرط فيها
المتأخِّرين(1) بل المشهور (2) .
ثانيها : جواز الرجوع الثابت قبل التصرّف مطلقاً .
ثالثها : التفصيل بين مثل البيع والصلح والهبة من التصرّفات الناقلة للملك وإن كانت جائزة ، ومثل الطحن والخياطة ونحوهما ممّا يكون مغيّراً للصورة ، وبين ما لا يكون كذلك كالسكنى وركوب الدابّة .
والمستند الوحيد في المسألة هي صحيحة جميل والحلبي المتقدّمة(3) ، الدالّة على جواز الرجوع إذا كانت العين الموهوبة قائمة بعينها ، وعدمه مع عدم كونها كذلك ، ومن الظاهر دلالتها على القول الثالث ، بل احتمل إرجاع القولين الآخرين إلى هذا القول ، نظراًإلى أنّه من البعيد عدم جواز الرجوع بمجرّد ركوب الدابّة ، كما أنّه من المستبعد جدّاً جواز الرجوع مع التصرّف الناقل ، خصوصاً إذا كان لازماً كالبيع ونحوه . ثمّ إنّ الظاهر أنّ الامتزاج الدافع للامتياز يكون من مصاديق عدم قيام العين ، كما أنّ قصارة الثوب عكس ذلك .
1 ـ الوجه في المسألة الاشتراك في دليل الجواز ، من دون فرق بين الكلّ والبعض ، وكذا بين المشاع والمفروز .
- (1) مسالك الأفهام: 6 / 33 ، الحدائق الناضرة: 22 / 335 ، رياض المسائل: 9 / 397 .
- (2) جواهر الكلام: 27 / 186 ـ 187 .
- (3) في ص478 .
(الصفحة 485)الثواب والعوض وإن لم يعط العوض ، أو عوّض عنها وإن لم يشترط فيها العوض1.
مسألة 12 : لو وهب وأطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب والعوض; سواء كانت من الأدنى للأعلى أوالعكس، أومن المساوي للمساوي وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الاُولى إعطاؤه ، ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله ، وإن قبل وأخذ لزمت الهبة ولم يكن لواحد منهما الرجوع فيما أعطاه2.
مسألة 13 : لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض; بأن يهبه شيئاً مكافأتاً وثواباً لهبته ، ووقع منه القبول على ما اشترط وقبض الموهوب ، يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، والأحوط دفعه ، فإن دفع لزمت الهبة الاُولى
1 ـ قد مرّ في بعض المسائل المتقدِّمة أنّ الهبة المعوّضة أعمّ ممّا اشترط فيها العوض ، أو عوّض عنها ولو مع عدم الاشتراط ، والمقصود هنا أنّ القسم الأوّل أعمّ ممّا إذا أعطى المتّهب العوض المشروط ، أو لم يعط .
2 ـ لو كانت الهبة مطلقة غير مشروط فيها العوض ، لا يجب على المتّهب إعطاء الثواب والعوض; من دون فرق بين الأقسام المذكورة في المتن . نعم ، فيما إذا كانت الهبة من الأدنى للأعلى جعل الأولى بل الأحوط إعطاء العوض نظراً إلى اقتضاء الأدنائيّة ذلك ، ولو أعطى المتّهب العوض لم يجب على الواهب قبوله ; لأنّه لا دليل على وجوب قبوله للهبة . نعم ، لو فرض قبوله وأخذه تلزم الهبة من كلا الطرفين ولا يكون لواحد الرجوع . نعم ، مقتضى بعض الروايات المتقدِّمة أنّ مجرّد الإثابة من قبل المتّهب يوجب عدم جواز الرجوع ، ولكن الظاهر أنّ المراد ما ذكرنا .
(الصفحة 486)على الواهب ، وإلاّ فله الرجوع فيها1.
مسألة 14 : لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن ، ويلزم على المتّهب على فرض عدم ردّ أصل الهبة بذل ما عيّن . ولو أطلق; بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض ، فإن اتّفقا على قدر فذاك ، وإلاّ فالأحوط أن يعوّض مقدار الموهوب مثلاً أو قيمةً ، وأحوط منه تعويضه بأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له2.
1 ـ لو اشترط الواهب العوض وقبل المتّهب كذلك وقبض الموهوب لا يلزم عليه شيء ، بل يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي مع القبول كذلك دفع العوض ، ومع الدفع وقبول الواهب وأخذه تلزم الهبة الاُولى ، وبدونه يجوز للواهب الرجوع في هبته مع الشرط المتقدّم ، فتدبّر .
2 ـ في المسألة فرضان :
الأوّل : ما لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض ، وفي هذا الفرض يتعيّن العوض ، واللازم على المتّهب على فرض قبول الهبة بذل ما عيّن لفرض التعيين .
الثاني : ما لو أطلق الهبة المشروط فيها العوض; بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض ، ففيما إذا اتّفقا على قدر فذاك ، وإلاّ فجعل مقتضى الاحتياط الوجوبي أن يعوّض مقدار الموهوب مثلاً أو قيمةً ، وجعل الأحوط منه التعويض بالأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له .
هذا ، ويمكن أن يُقال: إنّ المستفاد من الروايات الواردة في هذا المجال المتقدّمة كلاًّ أو جلاًّ ، أنّ الملاك في عدم جواز الرجوع للواهب مطلق الثواب ولو كان قليلاً ،