(الصفحة 14)كالنصف أو الثلث ، فلو قال : «على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي» أو بالعكس ، أو «لك نصف الربح وعشرة دراهم» مثلاً لم تصحّ . وأن يكون بين المالك والعامل لا يشاركهما الغير ، فلو جعلا جزءاً منه لأجنبيّ بطلت إلاّ أن يكون له عمل متعلّق بالتجارة1.
1ـ لا شبهة في اعتبار الاُمور المعتبرة في المتعاقدين من البلوغ والعقل والاختيار في سائر العقود ، خصوصاً العقود المالية هنا أيضاً ، وأمّا الاُمور الخاصّة المعتبرة هنا فهي عبارة عن :
1: يشترط في ربّ المال أن لا يكون محجوراً لفلس ، ضرورة أنّ المضاربة تصرّف في المال ، وإذا حكم على ربّ المال بعدم جواز التصرّف فلا تصحّ المضاربة الصادرة منه ، والظاهر أنّ المحجورية لسفه أيضاً كذلك ; لعدم الفرق كما لايخفى .
2: يشترط في العامل القدرة على التجارة والتكسّب برأس المال ، فإن كان عاجزاً عنها وكان عجزه مطلقاً بطلت المضاربة ; لعدم تحقّق الغرض منها قطعاً كما هو المفروض ، وأمّا لو كان عاجزاً عن التجارة بجميع رأس المال لا ببعضه ، فقد نفى البُعد في المتن عن الصحّة بالإضافة إلى ذلك البعض مع التعقّب بالإشكال ، ولعلّ السرّ فيه عدم تبعّض العقد ، مضافاً إلى إمكان جعل رأس المال بيد من يقدر على التجارة بالجميع ، فيكون ربحه أكثر والنفع الحاصل أزيد ، وقد عرفت(1) أنّ الغرض من تشريع المضاربة عدم ركود الإمكانات المالية وكذا الإمكانات العملية الحسبية ، وهذا بخلاف ما لو باع عبداً وحرّاً بعنوان العبودية ، حيث إنّه بعد استكشاف الحال يصير البيع مبعّضاً من دون أن يلزم تال فاسد .
(الصفحة 15)
وربما يقال هنا أيضاً بأنّ المضاربة كغيرها من العقود تنحلّ إلى عقود متعدِّدة على أجزاء رأس المال وإن كانت بحسب الإنشاء واحدة ، وعليه فلا موجب للحكم بالبطلان بالإضافة إلى الجميع ، بل يتعيّن الحكم بالصحّة فيما يقدر عليه والبطلان فيما يعجز عنه ،(1) ولكنه يرد عليه أنّ الانحلال هل هو على وفق القاعدة ، أم على خلافها ، فعلى التقدير الأوّل لا مانع من التبعيض والحكم بالصحّة بالنسبة إلى البعض ، وأمّا على الثاني فالحكم بالصحّة في بعض الموارد على خلاف القاعدة لابدّ من الاقتصار فيه على خصوص ذلك البعض ، والظاهر ذلك ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ العقود تابعة للقصود ، والألفاظ لا دلالة لها على الانحلال بوجه ، مع أنّ لازمه صحّة المضاربة بالنسبة إلى ما يقدر عليه ولو كان في غاية القلّة ، كما لايخفى .
هذا ، وقد ذكرنا في تعليقاتنا على العروة الوثقى أنّه إن كان المراد بالقدرة هي القدرة على المعاملة في الجميع في مقابل العجز مطلقاً ، كما يدلّ عليه قوله (قدس سره): «فإنّه إذا كان» الخ ، فيرد عليه أنّه لا دليل على اعتبار هذا النحو من القدرة في المضاربة ، ولا على كونها مثل الإجارة لو سلّم الحكم فيها . وإن كان المراد بها هي القدرة ولو في الجملة ، نظراً إلى أنّه مع العجز الكلّي تتّصف المعاملة باللغويّة ، ولا يجدي في ذلك مجرّد الفرق بين الإجارة والمضاربة بعدم ثبوت التمليك فيها ابتداءً بخلاف الإجارة; لأ نّ عدم ثبوت التمليك فيها لا يخرج المعاملة مع العجز عن اللغوية ، فيرد عليه منع الحكم فيما فرعه على ذلك ، فإنّ لازم ذلك إمّا الحكم بالصحّة مطلقاً ، أو بالإضافة إلى خصوص المقدار المقدور واشتراكهما في الربح فيه ، لا اختصاص المالك به وثبوت الاُجرة للعامل مع الجهل بالبطلان .(2)
- (1) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المضاربة: 18 ـ 19 .
- (2) الحواشي على العروة الوثقى: 226 حاشية الشرط العاشر .
(الصفحة 16)
ثمّ إنّه لو طرأ العجز في الأثناء بعد ثبوت القدرة ، ففي المتن : أنّه تبطل المضاربة في ثمّ إنّه لو طرأ العجز في الأثناء بعد ثبوت القدرة ، ففي المتن : أنّه تبطل المضاربة في الأثناء لو كان العجز الطارئ هو العجز مطلقاً ، وبالإضافة إلى البعض لو كان العجز مخصوصاً به على الأقوى، والفرق بين هذه الصورة ، وبين ما لو كان العجز كذلك من الأوّل ، حيث استشكل في الصحّة فيه أنّه لا دليل على البطلان في الصورة الاُولى ، وعدم العجز للتالي لا يكون معتبراً في صحّة المضاربة ، وفي الصورة الثانية يجري مسألة الانحلال وعدمه على ما عرفت ، فالفرق بين المقامين موجود ، فتدبّر جيّداً .
ويمكن أن يكون قوله : «على الأقوى» ناظراً إلى أصل مسألة طروّ العجز في الأثناء ، وأنّ العجز الطارئ إن كان بالإضافة إلى الجميع تبطل المضاربة بالنسبة إلى الجميع على الأقوى ، وإن كان بملاحظة البعض تبطل بالنسبة إلى خصوص البعض ، مثل صورة العجز حال المضاربة، وعليه فلا دلالة لكلامه على أولويّة طروّ العجز لملاحظة البعض على وجوده حال المضاربة كذلك ، وأنّه في صورة الطروّ أقوى من جهة البطلان من صورة الوجود حال المضاربة، فتأمّل .
والذي يقتضيه النظر الدقيق في معنى العبارة ، خصوصاً مع ملاحظة كلمة «نعم» الظاهرة في الاستدراك أن يقال: إنّ النظر في صورة وجود العجز حال المضاربة بالإضافة إلى البعض إلى صحّة المضاربة في البعض المقدور بعد الفراغ عن البطلان في البعض غير المقدور ، وفي الحقيقة يكون النظر إلى سراية البطلان إلى الجميع وعدمها ، وقد نفى البُعد في هذه الصورة عن الصحّة في البعض المقدور بضميمة الإشكال الناشئ عن عدم الانحلال ، كما عرفت أنّه مقتضى العقود تابعة للقصود والألفاظ الواقعة في مقام الإنشاء ، والنظر في صورة طروّ العجز بعد المضاربة إلى أقوائية البطلان بالنسبة إلى غير المقدور ، وبقاء المقدور على حاله من صحّة
(الصفحة 17)
المضاربة بالنسبة إليه ، ففي الحقيقة يكون البطلان في هذه الصورة منحصراً بغير المقدور وعدم تحقّق السراية بوجه ، والسرّ أنّ المضاربة كانت في حال وقوعها واجدة لشرطها;وهي القدرة على التجارة بالجميع. غاية الأمر طروّ العجز بالإضافة إلى البعض ، والغرض أنّ البطلان فيه لا يسري إلى المقدور بوجه ، كما لا يخفى .
3: يشترط في رأس المال هنا أن يكون عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة ولا الدّين ; سواء كان على العامل أو غيره إلاّ بعد قبضه ، وأهمّ الدليل على اعتبار هذا الشرط أمران :
أحدهما : ملاحظة أنّ المضاربة هل هي أمرٌ على خلاف القاعدة الأوّلية ، أم على وفقها ؟ فعلى الأوّل ـ الذي هو الظاهر ; لأنّ مقتضى القاعدة كون تمام الربح للمالك ; لأنّه نماء ماله ، وثبوت اُجرة المثل بالإضافة إلى العامل لاحترام عمله المأذون فيه، كما لايخفى ـ لا دليل على الصحّة في المقام بعد اختصاص أدلّتها الخاصّة بالعين المقابلة للمنفعة والدَّين ، ولزوم الاقتصار في الحكم المخالف للأصل والقاعدة على القدر المتيقّن .
ثانيهما : موثّقة السكوني الواردة في الدّين ; وهي ما رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولا يكون عنده ، فيقول: هو عندك مضاربة ، قال : لا يصلح حتّى تقبضه منه(1) . ولكنّ الظاهر أنّ الحكم بعدم الصلاحيّة إنّما هو لأجل عدم ثبوت رأس المال رأساً لا باعتبار كونه ديناً ، ضرورة أنّه مع ثبوت رأس المال عند المديون وقدرته على أداء الدّين وإقباضه وحضوره لذلك لا أثر للقبض منه ثمّ الإقباض والإعطاء إيّاه ، فمورد
- (1) الكافي: 5/240 ح 4 ، الفقيه: 3/144 ح 634 ، تهذيب الأحكام: 6/195 ح 428 و ج 7/192 ح 84 ، وعنها الوسائل: 19/23 ، كتاب المضاربة ب 5 ح 1 .
(الصفحة 18)
الموثّقة لاينطبق على المدّعى كما أفاده بعض الأعلام (قدس سره)(1) .
اللّهمَّ إلاّ أن يقال: إنّ جعل الغاية هو القبض لا مجرّد الكون عنده شاهد على أنّ للقبض مدخلية ، و لعلّه لعدم التعيّن بدونه ، فتدبّر .
هذا بالإضافة إلى الدَّين .
وأمّا بالنسبة إلى المنفعة ، فالمعروف بينهم وإن كان هو عدم الجواز ، إلاّ أنّ اعتبار إعطاء المال أو دفعه إلى العامل لا ينافي صحّة المضاربة بالنسبة إلى المنفعة ، فمن أعطى منفعة داره إلى سنة مثلاً إلى العامل بعنوان المضاربة فأيّ دليل يدلّ على البطلان ،إلاّ أن يُقال : بأنّ الظاهر من نصوص المضاربة إعطاء المالك ماله للعامل ليعمل به على أن يكون رأس المال محفوظاً والربح بينهما على حسب ما قرّر ، وهو لا ينطبق على المنفعة; لأنّها غير قابلة للبقاء(2) ، ولكن يرد عليه: أنّ المال المتعلّق بالمالك قد يتلف بأجمعها أو ببعضها في تالي الزمان ، فكيف يكون محفوظيّة رأس المال بأجمعه معتبرة في المضاربة ، فالأولى بل الأقوى عدم اعتبار هذا الشرط ، ولذا جعلنا اعتباره في التعليقة على العروة بنحو الأحوط(3) .
4: يشترط في رأس المال أن يكون درهماً وديناراً ، فلا تصحّ بالذهب و الفضّة غير المسكوكين والسبائك والعروض . نعم ، نفى في المتن خلوّ الجواز عن القوّة في الأوراق النقدية الثمنية غير الذهب والفضّة ، وكذا في الفلوس السود ، ومنشأ توهّم الاختصاص بالدرهم والدينار تخيّل ثبوت الإجماع عليه ، كما نفى عنه البُعد صاحب العروة (قدس سره)(4) ، مع أنّ الظاهر عدم تحقّقه ، فإنّ المحكي عن
- (1 ، 2) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 9 ـ 10 .
- (3) الحواشي على العروة الوثقى: 224 ، حاشية الشرط الأوّل .
- (4) العروة الوثقى: 2/527 ، الشرط الثاني .