(الصفحة 457)مسألة 12:يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهليّة الاستحقاق ، فلو أقرّ لدابّة بالدَّين لغا ، وكذا لو أقرّ لها بملك ، وأمّا لو أقرَّ لها باختصاصها بجلّ ونحوه;كأن يقول:«هذا الجلّ مختصّ بهذا الفرس»أو لهذا مريداً به ذلك ، فالظاهر أنّه يقبل ويحكم بمالكيّة مالكها ، كما أنّه يقبل لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال خارجي أو دين ، حيث إنّ المقصود منه في التعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها; من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها1.
الثاني : لابدّ له من إقامة البيِّنة بعد كون مقتضى الأصل عدم تحقّق السنّ المذكور .
وعلى الثالث : ففي الحدّ الذي لا يمكن وقوع الاحتلام من مثله فلا يقبل قوله ; لأنّ الأصل يقتضي عدم تحقّقه ، وإقامة البيِّنة ممتنعة عادةً ، وفي الحدّ الذي يمكن وقوعه منه ، فهل يقبل قوله بلا يمين; لأنّه لا يعرف إلاّ من قبله ، أو مع اليمين; لأنّها تقوم مقام البيِّنة مع عدم إمكانها ، أو لا يقبل قوله أصلاً إلاّ في صورة اليقين ، وجوه واحتمالات ، وقد استشكل في المتن في الأوّلين ، ولكن الظاهر هو الثاني ; لأنّ أصل القبول مستند إلى ما ذكر من أنّه لا يعرف إلاّ من قبله ، وأمّا اليمين فلأنّها توجب كون الدعوى أبعد من الكذب بالإضافة إلى صورة عدم اليمين ، كما لا يخفى .
1 ـ يعتبر في المقرّ له أن يكون أهلاً لاستحقاق المقرّ به وصالحاً له ، فلو أقرّ بدين أو ملك لدابّة لغا الإقرار; لعدم أهلية الدابّة لثبوت الملك أو الدَّين له ، أمّا لو أقرّ بأنّ هذا الجلّ الذي في يدي يختصّ بهذه الدابّة مثلاً ، وأراد مجرّد الاختصاص ، فالظاهر أنّه إقرار في الحقيقة لملك مالك الدابّة له ، ويمكن الإشكال في ذلك فيما إذا كانت الدابّة باختياره وبيده ، كما إذا استأجرها مدّة معيّنة ، فإنّ الإقرار باختصاص
(الصفحة 458)مسألة 13 : لو كذّب المقرّ له المقرّ في إقراره ، فإن كان المقرّ به ديناً أو حقّاً لم يطالب به المقرّ ، وفرغت ذمّته في الظاهر ، وإن كان عيناً كانت مجهولة المالك بحسب الظاهر ، فتبقى في يد المقرّ أو الحاكم إلى أن يتبيّن مالكها . هذا بحسب الظاهر . وأمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ بينه وبين الله تعالى تفريغ ذمّته من الدَّين ، وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسّه في أمواله ، ولو رجع المقرّ له عن إنكاره يلزم المقرّ بالدفع مع بقائه على إقراره ، وإلاّ ففيه تأمّل1.
الجلّ بها لا يستلزم الإقرار بملكيّة المالك لها الجلّ .
ولو أقرّ لمسجد أو مثله من الاُمور المذكورة في المتن بعين خارجيّة ، أو دين على العهدة ، فالظاهر قبول إقراره ، مستدلاًّ له في المتن بأنّ المقصود منه في التعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها; من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ، وأظهر من ذلك أن يكون المراد الوقفيّة لها أو سائر الأمثلة ، فلا ينحصر بالدَّين على العهدة ، فتدبّر .
1 ـ لو وقع تكذيب المقرّ له المقرّ في إقراره ، ففي المتن أنّه لو كان المقرّ به ديناً أو حقّاً لم يطالب به المقرّ ، وفرغت ذمّته في الظاهر; لأنّه بالإقرار يثبت الدَّين أو الحقّ ظاهراً ، وبالتكذيب بعد الثبوت يسقط كذلك ، فإذا قال المقرّ: لزيد عليَّ ألف درهم وكذّب زيد ذلك تفرغ ذمّة المقرّ بحسب الظاهر ; لأنّ الدَّين والحقّ يسقطان بالإبراء أو ما يساوقه من التكذيب ، وإن كان عيناً في يد المقرّ فإقراره بأنّها لزيد يثبت ذلك ظاهراً ، وبالتكذيب ينتفي كذلك فتصير مجهولة المالك بحسب الظاهر ، فتبقى في يد المقرّ أو الحاكم إلى أن يتبيّن مالكها .
(الصفحة 459)مسألة 14 : لو أقرّ بشيء ثمّ عقّبه بما يضادّه وينافيه ، يؤخذ بإقراره ويلُغى ما ينافيه ، فلو قال : «له عليَّ عشرة ، لا بل تسعة» يلزم بالعشرة . ولو قال : «له عليَّ كذا ، وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار» يلزم بالمال ولا يسمع منه ما عقّبه . وكذا لو قال : «عندي وديعة وقد هلكت» فإنّ إخباره بتلفها ينافي قوله : «عندي» الظاهر في وجودها عنده . نعم ، لو قال : «كانت له عندي وديعة وقد هلكت» فلا تنافي بينهما ، وهو دعوى لابدّ من فصلها على الموازين الشرعيّة1.
هذا . وأمّا بحسب الواقع ، فلو كان المقرّ معتقداً باشتغال ذمّته للمقرّ له ، أو أنّ العين التي في يده تكون ملكاً للمقرّ له يجب عليه فيما بينه وبين الله تفريغ ذمّته من الدَّين ، وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك بأيّ نحو كان ، ولو بالدسّ في أمواله أو الإلقاء في منزله بحيث يتخيّل المقرّ له أنّه ماله . ولو رجع المقرّ له عن إنكاره وتكذيبه ، فإن كان المقرّ باقياً على إقراره يلزم بالدفع إلى المقرّ له ; لأنّ تكذيبه وإن صار سبباً للانتفاء عن المقرّ ، إلاّ أنّ بقاءه على الإقرار بمنزلة إقرار جديد غير متعقّب للإنكار . وإن لم يكن المقرّ باقياً على إقراره ، فقد تأمّل فيه في المتن ، والسرّ فيه أنّ الإقرار السابق صار بمنزلة العدم بسبب التكذيب ، والمفروض عدم بقائه على الإقرار بعد التكذيب ، فالأحوط التصالح .
1 ـ لو أقرّ بشيء بحيث كان للفظه ظهور عقلائيّ في ذلك ، ثمّ عقّبه بما ينافيه ويضادّه ، يؤخذ بما تلفّظ به أوّلاً من الإقرار ويلغى المنافي والمضادّ ، فلو قال : «له عليَّ عشرة لا بل تسعة» يلزم بالعشرة ، إلاّ أن يكون هناك قرينة مقالية أو حالية على سبق اللسان أو الاشتباه في الحساب مثلاً ، فينتفي الظهور العقلائي حينئذ . ولو قال : «له عليَّ كذا ، وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار أو من باب الربا وأمثال
(الصفحة 460)مسألة 15 : ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي ، بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان من المثبت ، ونفس المستثنى إن كان من المنفي ، فلو قال : «هذه الدار التي بيدي لزيد إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بما عداها ، ولو قال : «ليس له من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بها . هذا إذا كان الإخبار متعلِّقاً بحقّ الغير عليه . وأمّا لو كان متعلّقاً بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس ، فلو قال : «لي هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن القبّة ، فلو ادّعى بعده استحقاق تمام الدار لم يسمع منه ، ولو قال : «ليس لي من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بعدم استحقاق ما عدا القبّة1.
ذلك» يلزم بالمال ولا يسمع منه ما عقّبه .
وكذا لو قال : «عندي وديعة لزيد وقد هلكت بدون التعدّي والتفريط» يلزم بثبوت الوديعة; لظهور قوله : «عندي» في عدم التلف ، فالتعقيب بقوله : «قد هلكت» ينافي ذلك ، فلا يسمع بعد الإقرار . وهذا بخلاف قوله : «كانت عندي وديعة لزيد وقد هلكت كذلك» إذ لا منافاة بين الصدر والذيل ، غاية الأمر أنّ دعوى الهلاك كذا دعوى لابدّ من فصلها على الموازين الشرعيّة ، فإن أقام بيِّنة على ذلك فهو ، وإلاّ فمع إنكار زيد يكون القول قوله مع يمينه; لموافقته لاستصحاب عدم الهلاك ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لصورتين :
إحداهما : ما إذا كان الإقرار الذي هو نوع من الإخبار متعلِّقاً بحقّ الغير عليه ، وفي هذه الصورة يكون الإقرار إقراراً عليه ونافذاً مشتملاً على الاستثناء ، فليس ذلك من التعقيب بالمنافي ، والمضادّ المذكور في المسألة السابقة والمحكوم بالإلغاء ،
(الصفحة 461)مسألة 16 : لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر ، كما إذا قال : «هذه الدار لزيد» ثمّ قال : «لعمرو» حكم بكونها للأوّل واُعطيت له ، واُغرم للثاني بقيمتها1.
بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان المستثنى منه مثبتاً ، فلو قال : «هذه الدار التي بيدي لزيد إلاّ البيت الفلاني الواقع في الدار» يكون المقرّ به ما عدا البيت المزبور ، وينفذ في حقّ المقرّ بالإضافة إلى ما عداه ، وإن كان المستثنى منه منفياً; كما لو قال : «ليس لزيد من هذه الدار إلاّ البيت الفلاني» يكون ذلك إقراراً له بذلك البيت; لأنّ الاستثناء من النفي إثبات .
ثانيتهما : ما إذا كان متعلّقاً بحقّه على الغير ، وفي المتن يكون الأمر بالعكس ، فلو قال : «لي هذه الدار التي بيدي إلاّ البيت الفلاني» يكون ذلك إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن البيت الفلاني من دون تعيين المقرّ له ، ونتيجته أنّه لو ادّعى بعد ذلك استحقاق تمام الدار حتّى البيت الفلاني لم يسمع منه ، ولو قال : «ليس لي من هذه الدار إلاّ البيت الفلاني» يكون ذلك إقراراً بعدم استحقاق ما عدا البيت المذكور وإن لم يعيّن المقرّ له أو لم يكن معلوماً أصلاً ، وادّعاؤه استحقاق البيت يحتاج إلى الإثبات بمثل البيِّنة واليمين ، فتدبّر .
1 ـ لأنّ نفوذ الإقرار الأوّل على مقتضى قاعدة الإقرار يقتضي كون الدار لزيد ، فتؤخذ منه وتُعطى زيداً ، والإقرار الثاني يقتضي كونها لعمرو ، وحيث إنّه وقع في حال عدم العين ، وكأنّها تلفت ، حكم بإعطاء قيمة الدار لعمرو ، مثل ما إذا أقرّ بكون المال الذي بيده ـ وأتلفه ـ للمقرّ له ، فإنّه حينئذ يلزم بإعطاء القيمة لفرض الإتلاف ، كما لا يخفى .
|